اصدارات جديدة: معاناة الإنسان في العراق في كتاب أمريكي هام

اسم الكتاب: الليل يقرب!! الشعب العراقي في ظل الحرب الأمريكية

 Night Draws Near: Iraq's People in the Shadow of America's War

الكاتب: انتوني شديد

Anthony Shadid

الناشر: هنري هولت وشركاه

Henry Holt & Company تاريخ النشر: سبتمبر 2005

عدد الصفحات: 424

 

يأخذنا أنتوني شديد في رحلة مشوقة تجوب أرجاء العراق على أنغام أغنية عبد الحليم حافظ "سواح" التي ترددت ألحانها ونغماتها كثيرا هربا من ليل طويل لا ينجلي ونهار لا يبدو أنه يقترب.

يقدم كتاب شديد نقدا لاذعا لفشل إدارة الرئيس جورج بوش في الإعداد بشكل دقيق لعراق ما بعد الاحتلال، وكذلك لخطواتها وحساباتها الخاطئة عقب الإطاحة بنظام صدام حسين.

ويجيء حساب شديد موضوعيا، حيث أن مراسل صحيفة الواشنطن بوست Washington Post أختار ألا يبقي خلف الحواجز الأمنية الأمريكية داخل المنطقة الخضراء ببغداد، ورفض أن يرافق احدي الوحدات العسكرية المقاتلة كما فعل غالبية المراسلين الأمريكيين. فضل شديد أن يبقي مع مواطني الشعب العراقي، يتفاعل معهم مباشرة ويكتب عنهم وعن أحوالهم قبل وإثناء الغزو الأمريكي مما أعطاه ميزات فريدة لم يتمتع بها غالبية الصحفيين الأمريكيين. وفي حين يركز الإعلام الأمريكي على خسائر الولايات المتحدة في حربها في العراق من جنود وأموال...ينقل لنا انتوني شديد كما فعل في كتاباته السابقة وجها آخرا من الصراع يركز فيه على حياة الشعب العراقي الذي طالما عانى من حكم صدام حسين ويعاني حاليا من تبعات الاحتلال وعدم الاستقرار في العراق.

قابل شديد الكثير من العراقيين الذين لم يكن لديهم أي شيء جيد يذكر عن فترة حكم صدام حسين، بينما كان لديهم الكثير ضد الوجود والممارسات الأمريكية في العراق. ويذكر شديد الكثير من الحوارات التي كان قد أجراها مع عدد من أفراد الشعب العراقي ... فينقل عن صاحب محل اسمه محمد حياوي قوله "ماذا ستفعل معنا الآن الولايات المتحدة...الأول كانت معاناتنا من صدام حسين والآن معاناتنا من أمريكا".

ويتحدث شديد عن العراقيين قبل غزو الولايات المتحدة للعراق وعن تقاسيم وجوههم مع سماع صوت أزيز الطائرات وانفجار القنابل وصفارات الإنذار مع بدء المعارك، ويتحدث شديد عن تفاصيل ارتفاع أسعار الغذاء والبنزين وطول الطوابير، ورد فعل العراقيين لرؤية الضحايا وجثث القتلى في الشوارع.

ويعرض شديد الذي عرف العراق منذ العام 1998 قصصا إنسانية عديدة عاصرها هناك، أكثرها إثارة قصة رجل يدعى صباح في مدينة صويلحة Thuluyah ، اتهم بالتخابر لصالح الولايات المتحدة ، وأنحى أهل المدينة باللائمة عليه لتسببه في قتل صبي ورجلين علي يد القوات الأمريكية أثناء غارة قامت بها. وأصبحت قضية صباح أمرا يتعلق بالعدالة. فقد أوضح أقارب القتيل لأهله أنه "إما أن يقتصوا من صباح، وإما أن يتركوا أهل القرية يقتلون بقية عائلته". وحسب رواية شديد، فقد قام والد صباح وأخوه باستدراجه إلى حديقة البيت وإطلقوا النار عليه.

بعد ذلك قال الأب بأسى كبير لشديد، "حتى النبي إبراهيم، عليه السلام، لم يبادر بقتل ولده"، ثم أضاف "لم يكن لدي أي خيار آخر".

ويذكر شديد تواريخ الحورات التي اجراها والاحداث التي عاصرها باليوم والساعة علاوة على درجة الحرارة لكي يعطي للقارئ الأمريكي إحساسا بلهيب الوضع في العراق خاصة مع غياب الخدمات الأساسية كالكهرباء بعد الغزو الأمريكي للعراق. نجح شديد في أن يخلق ثقة بينه وبين من يتحدث معهم من المواطنين العراقيين، وفقد كان يخشى كما ذكر في مقابلة صحفية مؤخرا من الاتصال بمن سبق له ان قابل حتى لا يلفت له الأنظار أو يعرضه للخطر....هذا على الرغم من استمراره في الاتصال بعائلة "كريمة" التي سنتحدث عنها فيما بعد.

كذلك يتعرض الكاتب لقصص إنسانية لبعض أفراد الجيش الأمريكي العاديين، ذكر معظمهم أنهم في العراق تنفيذا للأوامر وحسب. وهناك حالة الشاويش الأمريكي تشارلز بولارد Charles Pollard من ولاية بنسلفانيا الذي قال "أنا لا أثق في العراقيين، لا أحد منهم على الإطلاق. أنا لا أريد أن أبني صداقات معهم، أريد فقط أن أعود لبيتي ووطني. وأنا هنا لتنفيذ الأوامروحسب".

يبدأ الكتاب بمقولة لأبن جبير وهو أحد رحالة القرن الثاني عشر، وتقول هذه الكلمات: ولت قسمات هذه المدينة اللامعة وتلاشت ملامحها ولم يتبق منها سوى اسمها، على الرغم من أنها لا تزال عاصمة الخلافة العباسية وقبلة هؤلاء الذين لا يزالون يدينون بالولاء لأئمة قريش. ومقارنة بسابقتها، وقبلما تحل عليها نكبات القدر ويترصدها بكوارثه، فإنها تبدو كبقايا تتلاشى لمعسكر رحل عنه أهله، وتظهر كصورة لزائر الأحلام الذي ولى وانطلق...لا يوجد بها جمالا يأسر العين أو يجذب عين المار لينسى عمله ويحدق به سوى نهر دجلة.

يقول شديد إن القليل كان طبيعيا في العراق خلال السنوات الثلاثين الماضية، ويشير إلى أن العراقيين والبغداديين خصوصا يعتقدون أنهم ممثلون في مسرحية دراماتيكية طويلة، وانهم يشاهدون الآن أيضا فصول هذه المسرحية المؤلمة.

ويري انتوني شديد أن بغداد- التي تعرضت للغزو 15 مرة في تاريخها- أصبحت مدينة مختلفة. مدينة تواجه عاصفة منذ عدة سنوات، وتحتوي مشاعر متضاربة تجمعت معاً: عواطف وحماسة وانتقام ويأس، بعد سنوات من الصمت والقيود. فمع سقوط نظام صدام حسين، بدأ مدنيون مسلحون في بغداد في كسر احتكار العنف الذي كانت تمارسه الحكومة في الماضي ثم القوات الأميركية حاليا.

كما أسرع آلاف من السكان لسرقة كل شيء من الشاحنات إلى الأنابيب النحاسية والأسلاك الكهربائية في المباني العامة. وتعرضت المستشفيات والمؤسسات العامة كذلك للنهب بالإضافة إلى الوزارات ومقار حزب البعث. وتركت هذه الخبرة المؤلمة أثارا سيئة على المدينة حتى يومنا هذا.

ويتعرض شديد كثيرا لمكانة وخصوصية بغداد عند العرب، ويكتب عن رد فعل الشارع العربي الذي تمثل في مظاهرات جامعة القاهرة "بالروح والدم نفديك يا بغداد". ويتحدث شديد أيضا عن صديقه المصري حمزة هنداوي مراسل وكالة الأسوشيتدبرس في بغداد عشية سقوط بغداد الذي قال "إن بغداد ليست الدوحة، ولا الرياض ولها هي حتى دبي... بغداد في قلب العرب كل العرب مثل القاهرة ودمشق".

حرية أمريكية… أم عدالة إسلامية

يرى شديد أن مفهوم الحرية عند الأمريكيين يتناقض ويتعارض مع مفهوم العدالة عند العراقيين. ويقول شديد إن إعلان الأمم المتحدة الرسمي في22 مايو 2003 الذي منح الولايات المتحدة وبريطانيا سلطة رسمية كقوى محتلة في العراق وفر إجابة للسؤال الذي طرحه العراقيون حولما إذا كانت القوات الأمريكية قوات احتلال أم قوات تحرير.

فمصطلح "احتلال" يستحضر في العقلية الأمريكية ما تلى الحرب العالمية الثانية ورؤية تزعمتها الولايات المتحدة، تتعاون فيها مع شعوب مماثلة ويجمعها بهم مصير مشترك.

أما بالنسبة للعراقيين، وغالبية العرب، فتثير كلمة احتلال في وجدانهم ذكريات بغيضة للاحتلال البريطاني والفرنسي الذي جثم على صدورهم لعقود طويلة، وتذكرهم بسجل إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط، واحتلال فلسطين، والاحتلال الإسرائيلي للجنوب للبنان.

ويقول شديد إنه في حين لا يهتم العراقيون بمصير صدام حسين، فإن سوء كلمة احتلال على العقل والقلب العربي يجعل من فكرة استمرار وجود القوات الأجنبية في العراق شيء غير قابل للنقاش بين المواطنين العراقيين.

ويرى شديد انه مع حلم الأمريكيين بعراق ينعم بالحرية والديمقراطية، يرى العراقيون ضرورة أن يحكم العراق بعدالة. والعدالة في نظرهم هي العدالة الإسلامية التي لا تتقاطع خطوطها مع الحرية الأمريكية. والإسلام يوفر بوتقة جيدة للمقاومين للاحتلال الأمريكي، خاصة مع تزايد الأخطاء الأمريكية في التعامل مع المحافظات السنية الغربية في العراق، (ذكر رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي أن هؤلاء مجموعة من المجرمين والبعثيين السابقين... في حين يراهم شديد أناس تستخدم وتستغل لغة مقبولة من مواطنيهم مثل الاحتلال الأجنبي، والكفرة، والمسلمين والصليبيين، والشرق ضد الغرب، والإسلام وأعدائه). هذا في الوقت الذي يرى فيه الأمريكيون عالما آخرا تماما. ويقول شديد إن الأمريكيين لا يفهمون رؤية العراقيون أنفسهم للوضع داخل بلدهم قبل الغزو العسكري. ويرى أن الكثيرين في واشنطن اعتقدوا أن العراق دولة بلا تاريخ ولا تراث ومن الممكن أن يتم بناء دولة جديدة حديثة على هذه البقعة من العالم بسهولة. ولم يفهم الأمريكيون أثر الحرب العراقية الإيرانية (أطول حروب القرن العشرين) على الشعب العراقي، لم يفهم الأمريكيون عسكرة المجتمع في العراق نتيجة لتاريخ حروبهم المتتالية. ويشرح شديد التباعد التام بين ثقافة العراق وجهل القوات الأمريكية بهذه الثقافة، ويعدد حالات يدخل فيها الجنود الأمريكيون بيوت العراقيين لتفتيشها، ويتم ذلك غالبا في غياب وجود رجل البيت. ويطلب الجنود من النساء أن يروهم منازلهم ويتم التفتيش عن الأسلحة، ويقول شديد إنه وفي بعض الأحيان يتبول الجنود الأمريكيون علنا في الشوارع أمام العراقيين.

ويذكر شديد أن نظرية المؤامرة تعضدها بشدة أخطاء الأمريكيين المتكررة، وأن تجاهل إدارة بوش لمشروع وزارة الخارجية "مستقبل العراق" يترك علامات استفهام كبيرة بخصوص المصالح الأمريكية في كل منطقة الشرق الوسط.

عائلة كريمة ويوميات أمل

يرى شديد أن عائلة كريمة سالمان الفقيرة تمثل الوضع في العراق خلال الاعوام الثلاثة الماضية. وكريمة أرملة لديها ثمانية أطفال، وهي شيعية وتسكن في منطقة الكرادة. وتعكس حالة عائلة كريمة تجارب إنسانية متكررة في جميع أنحاء العراق للمعاناة والحلم والتحدي. كذلك تمثل رؤية كريمة- المرأة البسيطة- للحرب في العراق والعلاقات مع الولايات المتحدة نظرة الأغلبية الصامتة من العراقيين.

تقول كريمة لشديد "إن الحرب خسارة للجميع ... العراق يعاني وسيعاني أكثر وأكثر والحرب كلها بلا معنى" وتضيف كريمة "إن الجنود الذين سيدفع بهم في هذه الحرب هم غالبا في العشرينات من أعمارهم لا حول ولا قوة لهم" وتتساءل لماذا يجب أن يقتلوا ؟ وتعود كريمة وتذكر "لا احد يكره الأمريكيين، نحن على العكس نريد أن نعيش في سلام واستقرار. الأمريكيون أيضا عندهم أمهات وعائلات، وكلنا مثل بعضنا ولدنا متساويين".

ولا ينسى شديد أن يذكر لقرائه انه من نافذة شقة كريمة يمكن أن تري صورا وإعلانات كبيرة لنجوم الطرب والغناء العرب مثل نانسي عجرم، وأصالة وكاظم الساهر...

ويسرد شديد تفاصيل كثيرة من حياة عائلة كريمة من أهما ذهابها قبل بدء الغزو في أحد ليالي شهر مارس 2003 مع أبنها "علي" إلى موقف الحفلات كي يسافر إلى الموصل للانضمام لجنود جيش صدام وأنها قالت له "الله يحميك" وأعطته ثمن التذكرة 30 سنت أكثر ما كانت تستطيع توفيره حسبما روت.

وينتمي أبن كريمة إلى واحدة من وحدات سلاح الدفاع الجوي قرب مدينة الموصل.

وتم سجنه قبل الحرب بعدة شهور لمشاركته في سرقة سيارة بعدما شرب بيرة من نوعية شهرزاد لكنه خرج من السجن فقط بعد خمسة أشهر بعد عفو صدام حسين العام عن المساجين العراقيين قبل نشوب الحرب.

ويمضي شديد بتفصيل حياة عائلة كريمة، فتمثل أحدى بناتها "أمل" التي تبلغ من العمر 14 عاما أحد أركان الكتاب الهامة من خلال عرض شديد ليومياتها التي كتبتها منذ بدء الحرب وسردت فيها مشاعرها ورؤيتها للأحداث علاوة على خبراتها الجديدة المتمثلة في رؤية الجنود الأمريكيين في شوارع بغداد والتعامل معهم أحيانا.

ومثل الكثيرين من أقرانها كانت أمل عضوة في منظمات شباب حزب البعث. دافعت أمل عن نظام صدام حسين، وقالت "ماذا ستفعل إذا جاءك الغرباء وهاجموك وأخذوا بيتك بالقوة". تبدأ أمل مذكراتها دائما بالبسملة، وتكتب في أولى صفحاتها "اسمي أمل. لدي عائلة سعيدة تتكون من تسعة أفراد. ثلاثة إخوة: علي، الجندي في الموصل، ومحمد الذي يعمل نقاشا، ومحمود الذي ما زال طالبا. وهناك خمس أخوات: فاطمة التي تساعد أمي في المنزل، وزينب، وأمل، وأختاي التوأم، دعاء وهبة. أنا فخورة بأمي لأنها امرأة عظيمة تعمل لكي تحصل على قوت يومنا بعدما توفي ابي ونحن صغار".

وتغيرت أوضاع عائلة كريمة مع مرور الوقت. فقبل عام واحد تمكنت كريمة أخيرا من العثور على عمل في فندق بالم مقابل 33 دولار شهريا. كما عثر "علي" الابن الأكبر لها والذي كان جنديا في السابق على عمل في مكتب للعقارات. ويعمل "علي" من الساعة التاسعة صباحا إلى السادسة مساء. ويكسب ما يقرب من دولار يوميا. أما محمد 20 سنة، فهو عاطل عن العمل منذ فترة طويلة. ويمضي معظم وقته يزرع الشوارع وتشك أسرته في قيامه بعمل غير شرعي.

ومحمود 11 سنة، يبيع مشروبات غازية في الشارع خلال الصيف. ولا يحصل على أكثر من دولارين في اليوم في أحسن الأحوال. ويذكر شديد أن تجربة محمود في الشارع في سنه الصغيرة منحته نضجا مبكرا.

كان لدي العراقيين إحساس عال بعدم الثقة في الأمريكيين كما يقول شديد. وهذا يصبغ كل ما يقوم به الأمريكيون في العراق منذ الغزو وحتى الآن. أمريكا لديها سمعة سيئة في العراق منذ عقود طويلة، من العلاقات الخاصة مع إسرائيل، إلى دعم النظم الديكتاتورية العربية. لذا يرى غالبية العراقيين أن الغزو تم لمصالح أمريكية وليس لخير الشعب العراقي، مصالح مثل البترول أو إسرائيل، ويدعم كل هذا تاريخ الاستعمار في العراق.

ويقول شديد "لم تكن هناك أبدا خطة حقيقية لعراق ما بعد صدام، ولم تكن هناك أبدا نظرة واقعية لما قد يحدث بعد السقوط. لقد كان هناك أمل تحول إلى أوهام قاتلة". ويرى شديد انه مع وضع ثقة الأمريكيين في العراقيين المنفيين أمثال أحمد جلبي، افترض المسئولون الأميركيون، بسذاجة، "أن كل شيء سيوضع في محله بعد رحيل صدام. وكانت النتيجة أن عدداً قليلاً جدا من القوات قد أخذ على عاتقه مسئولية تحقيق النصر، ثم تبعت ذلك عمليات السلب والنهب وانعدام القانون والفوضى. وحتى بعد شهور من سقوط صدام، كان لا يزال العديد من العراقيين يفتقدون الخدمات الأساسية لمعيشتهم مثل الكهرباء والماء، كما ازدادت الأسعار وزادت البطالة، وتحولت الحياة اليومية للعديد من الناس إلى حقل ألغام خطر".

ورغم ذلك، يرى شديد أن الانتخابات التي أجريت في يناير (كانون الثاني) 2005 كانت بارقة أمل. في هذا اليوم شعر سكان بغداد أنهم أنفسهم وسيلة التغيير وليس الأجنبي المحتل أو الحاكم الجائر، هم فقط الذين يختارون مصيرهم. كان ذلك شعورا جديدا، للمرة الأولى يشعر به الكاتب في العراق سواء قبل الغزو أو بعده. كان العراقيون يريدون لأصواتهم أن تسمع، إلا أن هذا الإحساس كان قصيرا ولفترة محددة كما يرى الكاتب. وكانت عملية الانتخابات علامة تشير إلى رفض بعض العراقيين بعناد "تسليم بلادهم لقوى العنف والفوضى". ولكنه يلاحظ أن "الانتقام باسم الدين، والتسلح المتنامي، والطائفية المتصلبة، والتعصب، كل هذا عاد إلى الساحة مرة ثانية عقب الانتخابات. ويذكر انه كثيرا ما يندد بقوات الشرطة والأمن العراقي لتواطئها وخيانتها، وأن الناس الأكثر وعياً وموضوعية في المجتمع العراقي، يتوارون وراء بوابات من حديد أو يختارون المنفى".

إلا أن شديد يقر بعدم وجود طريقة يمكن إتباعها لتجنب غضب الشعب العراقي، وأن "العراقيون والأمريكيون يعتقدون أن أفعالهم هي رد على أفعال وتهديدات الطرف الآخر....ويرى كل طرف أن الطرف الأخر لا يفهم سوى لغة القوة".

يري شديد انه ومنذ البداية، والحكومة الأمريكية والجيش الأمريكي والإعلام الأمريكي جميعهم يعملون في العراق في إطار عام من الجهل بهذا البلد وخلفياته. غزت الولايات المتحدة العراق عمياء والآن تبحث عن مخرج مناسب للهروب من العراق. ويخطئ الأمريكيون باعتقادهم أن الشرق الأوسط بأكمله يجمعه ثقافة واحدة. ويركز الأمريكيون بصورة مخيفة على اللحظات الحالية في الشئون الدولية....ولا يبالون كثيرا بحقائق التاريخ ولا بثوابت الجغرافيا.

 عن انتوني شديد

ولد انتوني شديد في ولاية أوكلاهوما بوسط الولايات المتحدة في أواخر ستينات القرن الماضي لعائلة أصلها لبناني. تعلم شديد اللغة العربية في القاهرة أثناء عملة مراسلا لوكالة الأسوشيتد برس، تعلمه للغة العربية جعله يفهم الثقافة العربية التي تمتد جذوره لها. فاز شديد نتيجة كتاباته من العراق بجائزة بوليتزر Pulitzer الصحفية عام 2004، وهي أرقي الجوائز الصحفية في العالم.

كان انتوني شديد احد الأقلام القليلة جدا التي حملت للقارئ الأمريكي معاناة وحياة المواطنين العراقيين مع بدء الغزو والفترة التي أعقبته. هذا هو الكتاب الثاني لشديد وكتابة الأول بعنوان "تراث النبي Legacy of the Prophet " كان قد نال استحسان الراحل إدوارد سعيد.

المصدر: تقرير واشنطن

شبكة النبأ المعلوماتية -الاحد 2 / تشرين الأول/2005 -  27/ شعبان/1426