حرب نووية إيرانية - بريطانية في البصرة

من المفترض أن تكون البصرة قصة نجاح إذ انها المكان الذي افلحت فيه القوات البريطانية في احلال السلام والاستقرار بعد عقود من حكم الرئيس المخلوع صدام حسين.

لكن خلال الاشهر الاخيرة ولاسيما في الاسابيع الثلاثة الاخيرة تدهورت الأحوال الامنية بصورة مطردة في المدينة التي يمثل الشيعة معظم سكانها عندما اضطرت القوات البريطانية الى شن غارة لتخليص جنديين من قواتها احتجزهما مسلحون كرهائن.

وكانت هذه الأحداث من أسوأ اعمال العنف التي واجهتها القوات البريطانية منذ أن ساعدت في قيادة الغزو على العراق منذ عامين ونصف العام وهو الأمر الذي يهدد بتصعيد التوتر بشدة بين سكان المدينة والقوات البريطانية البالغ قوامها 8500 جندي.

والبصرة ميناء رئيسي يقطنه أكثر من مليون نسمة وكان يفترض أن من السهل السيطرة عليها بعد الحرب رغم كبر مساحتها وبفضل معارضة سكانها لصدام.

ومضت معظم الأمور على خير وجه رغم تفجر العنف بين الفينة والاخرى. وتمثل البصرة جزءا ضئيلا من حالة الفوضى التي تعم معظم وسط العراق الذي يقطنه السنة وحيث تعمل القوات الامريكية.

وأعطى ذلك بصيصا من الامل لقادة القوات البريطانية بأنه قد بات بالامكان انسحاب القوات البريطانية تدريجيا وتسليم مقاليد الامور وقدر من المسؤولية للقوات العراقية وهو الامر الذي فعلوه بعد انتخابات يناير كانون الثاني الماضي عندما تولى زمام السلطة الشيعة في بغداد وفي مدن جنوبية على غرار البصرة.

إلا أن التوتر تفجر في الوقت نفسه بين الفرق الشيعية المتناحرة التي تسعى إلى الهيمنة على قوات الامن المحلية وهو ما أسفر عن اندلاع اشتباكات مسلحة بين الميليشيات الموالية للحركات السياسية المختلفة.

ومن بين الفرق المتنافسة المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق والجماعات الموالية لرجل الدين الشيعي الشاب مقتدى الصدر.

وحاولت جماعات شيعية اخماد الصراع فيما ابتعد السكان عن حلبة الصراع وسعت القوات البريطانية إلى التغطية على ما يجري إلا أن الأمور ظلت على اضطرابها.

وفي الاسابيع الثلاثة الأولى من سبتمبر أيلول الجاري قتل ثلاثة جنود بريطانيين بقنبلة كانت موضوعة على جانب الطريق بالبصرة واعتقدت القوات البريطانية أن اعضاء ميليشيا شيعية كانت وراء الهجوم.

وفي الثامن من نفس الشهر اعتقلت القوات البريطانية رجل دين مقربا من الصدر وشخصين آخرين للاشتباه بشأن المسؤولية عن الهجوم. وسلم القادة البريطانيون بان الاعتقال اعتبر موقفا ضد حركة الصدر وأصروا على أن الامر ليس كذلك.

وقال البريجادير جون لوريمر قائد القوات البريطانية بالبصرة "أدرك تماما أن من اعتقلناهم من الافراد البارزين بالبصرة لكن دعوني أوضح الامر جليا.. تصرفنا ضدهم كأفراد وليس كأعضاء بتنظيم بعينه."

ولكن يبدو أن هذا التبرير لم يرق لحركة الصدر إذ خرج مئات من انصاره يحمل معظمهم الاسلحة الى شوارع البصرة يوم الاحد الماضي في احتجاج على الاعتقالات.

ويوم الاثنين تم رصد جنديين بريطانيين كانا في زي مدني عند نقطة تفتيش للشرطة وتفجر قتال قالت السلطات العراقية إنه أسفر عن مقتل شخصين فيما احتجز الجنديان البريطانيان رهائن.

وعندما حاولت المركبات المدرعة البريطانية تخليص الرهينتين قوبلا برشق بالحجارة من اعوان الصدر الغاضبين.

ودفعت هذه الورطة القوات البريطانية يوم الاثنين إلى شن غارة ليل الاثنين وقال الجيش البريطاني إن بريطانيا أرسلت قوات لاطلاق سراح الجنديين بعد اكتشاف أن الشرطة العراقية سلمتهما إلى ميليشيا محلية.

وقال لوريمر في بيان إلى وسائل الاعلام "منذ مرحلة مبكرة كانت لدي أسباب قوية للاعتقاد بأن حياة الجنديين في خطر."

واضاف لوريمر ان مخاوفه على سلامة الجنديين المحتجزين زادت بعد تلقيه معلومات بأنهما سلما إلى "عناصر ميليشيا".

وقال إن قرارا اتخذ بدخول مركز الشرطة يوم الاثنين وان عربة مدرعة من طراز ووريور صدمت سور السجن ودخلت المكان. وحينما تبين أن الرجلين ليسا بالداخل تم البدء في عملية لانقاذهما من منزل مجاور.

وانقذ الجنديان اللذان كانا يرتديان ملابس مدنية بعد يوم واحد من اندلاع أعمال شغب في البصرة بعد أن قالت الشرطة ومسؤولون بالمدينة انهما اطلقا النار على دورية للشرطة العراقية.

ربما تكون الازمة قد انقشعت لكن ربما تكون هذه الواقعة إلى جانب أحداث أخرى نقطة تحول.

وشهد الشهران الاخيران اختطاف صحفيين ومقتلهما على أيدي ملثمين قالوا إنهم من السلطات العراقية لكن ربما يكونون من الموالين للميليشيات.

وقال توبي دودج وهو محلل في الشؤون العراقية بجامعة لندن "السياق الاوسع نطاقا هو سوء الاوضاع الشديد في البصرة حيث لا يسيطر البريطانيون على كل شيء."

هذا وقالت صحيفة التايمز في مقال لها ان ايران تقف خلف الهجمات التي يشنها مسلحون في البصرة.

وقال ريتشارد بيستون كاتب المقال ان اعمال العنف التي وقعت يوم الاثنين في شوارع البصرة جاءت نتيجة للصراع الذي يستعر ببطء منذ فترة بين القوات البريطانية هناك ومسلحين شيعة.

واضاف انه "بينما تتجه الانظار الى المسلحين السنة الذين يشنون هجمات ضد القوات الامريكية في وسط وشمال العراق، واجهت القوات البريطانية في الجنوب تزايدا حادا في الهجمات التي تشن ضدها من قبل عدو قاتل واكثر تعقيدا."

واوضح المقال ان هناك شكوكا قوية بان ايران تنظيم تلك الهجمات عن طريق تقديم السلاح وتشجيع المسلحين على شنها.

وقالت التايمز انه حتى ولو انتهت المشكلة القائمة حاليا في المدينة عن طريق المفاوضات الا ان الوضع الامني سيزداد تدهورا خلال الاسابيع المقبلة.

وكشف الكاتب عن ان المسؤولين البريطانيين مقتنعون بان ايران ضالعة في اعمال العنف ضد القوات البريطانية بالبصرة، ويشكون ان ذلك مرتبط بموقف بريطانيا المتشدد تجاه البرنامج النووي الايراني.

واضاف ان هناك تقرير سري صدر مؤخرا لتحذير القوات البريطانية بجنوب العراق من ان الهجمات ضدهم سوف تزداد وسيستخدم المسلحون فيها عبوات ناسفة معقدة تم تطويرها في ايران.

وكان من شأن تصاعد التوتر في جنوب العراق الذي يغلب الشيعة على سكانه أن يزيد الضغط على الحكومة التي تواجه بالفعل موجة من العنف من جانب العرب السنة في الشمال.

ودعا سكان البصرة الواقعة في منطقة تتركز فيها أكبر احتياطيات النفط العراقي إلى خروج القوات البريطانية من البلاد.

وقال عباس جاسم أحد سكان المدينة "غير مقبول أن يتعرض أي عراقي للاهانة من بريطاني أو أمريكي أو أي محتل آخر. نحن نرفض قوات الاحتلال."

واضاف "اعتدى البريطانيون على الحكومة والشرطة وابناء هذا البلد وهو أمر نرفضه جميعا."

وقالت القوات البريطانية إن الجنديين كانا في خطر.

وقال البريجادير جون لوريمر قائد القوات البريطانية في البصرة في بيان "منذ مرحلة مبكرة كانت لدي أسباب قوية للاعتقاد بأن حياة الجنديين في خطر."

وقال العبادي إن احتجاز قوات الامن العراقية للجنديين كان له ما يبرره. وذكر أنهما كانا يتصرفان بطريقة مريبة كما لو كانا يراقبان شيئا أو يجمعان معلومات وهما في ملابس مدنية.

وقد تزيد العملية شعبية مقتدى الصدر الذي يستطيع حشد الاف من أنصاره بسرعة.

وقال علي الياسري وهو أحد معاوني الصدر لرويترز إن ما فعله الجنديان البريطانيان "ارهاب دولي". وأضاف أنه لو كان البريطانيون أدانوا تصرف الجنديين لهدأ الوضع لكنهم بدلا من ذلك طالبوا باستردادهما فيما قال إنه "سابقة خطيرة".

وقالت بريطانيا يوم الاحد إنها سترسل مزيدا من القوات إلى العراق إذا دعت الحاجة لذلك اضافة إلى 8500 جندي بريطاني ينتشرون هناك بالفعل. ولم تثر القوات البريطانية في العراق من الاستياء قدر ما اثاره حلفاؤها الامريكيون لكن الشرطة العراقية في البصرة اعربت عن غضبها أثناء تفقد اثار الغارة البريطانية.

وقال الشرطي العراقي عباس حسن أثناء وقوفه أمام مركز الشرطة والسجن بجوار سيارات محطمة ذكر أن المركبات العسكرية البريطانية سحقتها "اجتاحت أربع دبابات المنطقة واصطدمت ماسورة مدفع احدى الدبابات بغرفة كان شرطي يصلي بها."

واضاف "هذا ارهاب. كل ما كان معنا هو البنادق."

وقال وزير الدفاع البريطاني جون ريد إن الجنديين أُطلق سراحهما بعد أن بدا أن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود.

وقال لوريمر إن من غير الواضح ما إذا كانت الشرطة العراقية معرضة هي نفسها لتهديد الميليشيات المحلية ام تتواطأ مع هذه الميليشيات.

ومضى قائلا إن القوات ارسلت إلى منطقة قريبة من مركز الشرطة الذي كان الرجلان محتجزين به لضمان سلامتهما.

واضاف "وكما ظهر على شاشات التلفزيون هاجم حشد عنيف هذه القوات بقنابل وصواريخ."

وكانت حشود غاضبة قد ألقت حجارة وقنابل حارقة على مركبات مدرعة بريطانية بعد الحادث الذي تردد أن الجنديين الذين كانا متخفيين في ملابس مدنية أطلقا فيه النار على الشرطة العراقية.

من جهته اكد مكتب رئيس الوزراء العراقي ابراهيم الجعفري الثلاثاء في بيان عدم وجود ازمة سياسية بين العراق وبريطانيا عقب الاحداث التي وقعت في البصرة مشيرا الى اجراء وزارة الداخلية العراقية تحقيقا في هذا الصدد.

وجاء في بيان مكتب رئيس الوزراء العراقي "ليست هناك ازمة سياسية بين الحكومة العراقية وحكومة المملكة المتحدة". واضاف " هناك حوارا مباشرا بين الحكومتين وتحقيق جار من قبل وزارة الداخلية العراقية بشأن تلك الاحداث".

واشار البيان بذلك الى العملية التي قامت بها القوات البريطانية في البصرة لتحرير جنديين كانت اوقفتهما الشرطة العراقية الاثنين ثم سلمتهما الى ميليشيات شيعية. واكد "سيتم اعلان نتائج (التحقيق) حال الانتهاء منه نحث جميع الاطراف المعنية بانتظار نتيجة هذا التحقيق".

وناشدت الحكومة العراقية في بيانها "المواطنين العراقيين التحلي بالصبر والالتزام بالقوانين".

واقرت وزارة الدفاع البريطانية الثلاثاء بان دباباتها اقتحمت مركز الشرطة الذي كان الجنديان البريطانيان معتقلان فيه بعد فشل المفاوضات للافراج عنهما.

بدورها قالت بريطانيا يوم الاربعاء انها لن تهرب من العراق وسعت لنزع فتيل حالة الغضب في الجنوب بعد عملية تحرير جنديين بريطانيين متنكرين احتجزتهما الشرطة العراقية.

ونقلت صحيفة ديلي تلجراف عن وزير الدفاع البريطاني جون ريد قوله "ليس لدينا أي خطط للبقاء (في العراق) كقوة احتلال امبريالية. كما أننا لن نلوذ بالفرار بسبب الارهابيين."

وأضاف ريد الذي عكست تصريحاته موقف رئيس الوزراء البريطاني توني بلير أقوى حليف للولايات المتحدة في غزو العراق أن تحول الدولة الى مجتمع ديمقراطي لن يتحقق دون بذل جهد كبير.

وتابع "لهذا لابد لنا أن نبقى هناك ونجتاز الفترات المظلمة... هناك بصيص ضوء في نهاية النفق."

وتقول صحيفة التايمز البريطانية انه لولا مهارات القوات البريطانية وشيء من الحظ في عملية الانقاذ لكان توني بلير الآن يواجه ازمة رهائن.

شبكة النبأ المعلوماتية -الاربعاء 22 / ايلول/2005 -17/ شعبان/1426