معايير الهوية بين الذات والموضوع

كتب قسم المتابعة:

ثلاث ركائز رئيسية يمكن أن تحدد لون الهوية الفكرية أو الهوية الثقافية أو الانتمائية للفرد أو ما هو قريب من التعريف لشخصية ما محسوب عنها وهي ركيزة الدين أو ركيزة القومية مثلاً وبجانب ضعيف من ذلك ركيزة العلمنة عند الفرد او الجماعة.

ففيما يخص ركيزة الدين وليكن الدين الإسلامي ومعتنقوه نموذجاً ضمن عموم هذه المادة الانترنيتية فإن رابطة الإسلام تمنح جميع المسلمين هوية واحدة بغض النظر عما يحمله الشخص من تمتع حتى بأفكار مغايرة للإسلام كـ(دين سماوي) إذ نرى أن كلمة مسلم أو مسلمة تطلق على أي كان من الذكور وأي كانت من الإناث ممن يعتنقون الإسلام جوهرياً أو شكلياً أو وراثياً فالإنسان المولود من أبوين مسلمين يسمى مسلماً أو مسلمة بحسب الجنس الذي يولد عليه أحدهما ويلاحظ بهذا المضمار أن القومية أنها تكاد تضمحل أمام قوة الدين الإسلامي فالعربي والفارسي والهندسي والصيني وعلى مختلف مشاربهم إذا كانوا يعودون إلى أصول إسلامية يسمون مسلمون مع كونهم على أقوام مختلفة وبلدان متباعدة جغرافياً، فالهوية الإسلامية هنا فيها من القوة ما يفسر غلبة الشعور الإيجابي في الإسلام على الشعور الذي هو ما دون ذلك بسبب تصدر قوة الدين وهناك إحساس حقيقي يحس فيه المسلم أنه فعلاً أخو المسلم والمسلمة هي الأخرى تحس كونها أخت للمسلمة الأخرى البعيدة عنها في بلد آخر حيث يجمع الكل دين الإسلام الذي حجّم التفاضل بين جموع المسلمون واتخذ من معيار (التقوى) أساساً وحيداً للمفاضلة إذ يقول الله سبحانه وتعالى في محكم قرآنه الكريم: (أن أكرمكم عند الله أتقاكم).

ومن الواقع المعاش للمجتمعات الإسلامية يمكن التنويه بأن النظرة صحيحة من حيث كونها الت بـ(الهوية القومية) عند العرب مثلاً إلى شكل متدّرج حتى يكاد يكون بلا مضمون حقيقي أحياناً كما يلمس ذلك بهذا العقد الأول من القرن الحادي والعشرون ولننظر إلى واقع التضامن العربي إلى أين وصل؟! إن معيار القومية في عموم البلدان العربية وعلى المستويين الرسمي والشعبي لم يعد موازٍ لشيء يمكن الاعتماد عليه من حيث الايديولوجيا كـ(شعور) وكـ(مواقف) أما محاولة (تلميع الهوية) على مدار الاعتقاد في النظرة التأملية (للهوية – الذات) ذات الوهم النرجسي المفيد نحو امتلاك الصورة – النموذج وضمن وقائع لا يكفلها أي توفر حقيقي من الوسائل التي تجعل الأفضلية بين هذه الهوية أو تلك مسألة مقنعة عقلاً وضميرياً فالمسلمات التي تقبل نقاشاً موضوعياً حول هذه النقطة تكشف حتماً أن هناك خللاً في النظرة لدى المتعصبين للهوية مما لا يمكن أن يحتسب لصالح كونها أي كان هذا اللون وبالذات إذا ما سُيِّس سلبياً.

إن موضوع الهوية الانتمائية اليوم تتعرض لخطوط تقاطع شديدة لا يمكن التنكر لوجودها فعلى صعيد الحمية الاجتماعية لم تعد هوية القومية مثلاً بتلك القوة الرابطة التي كانت يوماً بين الأفراد وهذا التحدي الضمني للثوابت القومية من ضرورة أن يكون هاك بذل مادي وروحي ومعنوي من أجل الآخر الذي يحمل ذات الهوية القومية قد تحول بما هو بعيداً عما تريده الإرادة الإنسانية التي غلبها التراكم اللامسؤول في شيوع الشعور اللامبالي والمنافي لتوليفة البشر الحضاريين. وربما هناك من يعزو مستسهلاً إتهام ما يحدث على (نظرية المؤامرة) التي ربما يكون إطلاقها من أجل شيوع حالة من التشوش وفقدان الثقة بين ابناء المجتمع الواحد ذو الهوية الإنسانية الواحدة.

والوعي بـ(الهوية) اليوم يخشى أن تضعف كل الروابط الإنسانية بين أبناء المجتمع المنصهرة بين جنابته آمالهم وطموحاتهم من أجل الوصول إلى مستوى من العيش الكريم والحياة الهانئة الخالية من أي منغصات معنوية أو مادية.

ومن الظواهر الخطيرة التي لم يتم الالتفات إليها بشكل جدي حتى الآن حول (ماهية الهوية) أن هناك حالة من التحول من (هوية) إلى (هوية أخرى) ومن (وطن) إلى (وطن آخر) فالذي يجد احترام أكثر لآدميته في وطن غير وطنه ثم يكتسب جنسية الوطن الجديد له تراه في أحيان مثيرة للإشكالية أنه لا يضع (خط رجعة) إلى بلده الأم ولذا يلاحظ أن العديد من الحكومات المعاصرة وبالذات في عالمنا العربي قد انتبهت إلى هذه النقطة واصبحت تخشى أن تعمم هذه الإشكالية على نطاق أوسع لذا فقد اجتهدت اجتهاداً صحيحاً بأن أقدمت على تشجيع جمعيات وروابط رسمية ترعاها تلك الحكومات بين مواطنيها الأصليين داخل البلاد وما بين مواطنيها المسافرون الذين اكتسبوا جنسيات البلدان الأجنبية التي وصلوا إليها في ظروف زمنية سابقة فيقال عن هذه الجمعية (جمعية المواطنين الأمريكان من اصل لبناني مثلاً وهكذا تعمل تلك الحكومات ضمن قرارات حكيمة لمحاولة إبقاء هؤلاء المهاجرين على الإبقاء عندهم شعوراً من الحنين لجذورهم الاجتماعية داخل وطنهم الأصلي.

أن في الحفاظ على الهوية الانتمائية أكثر من نقطة التقاء على الخير لو أحُسن استخدامها بتوفيق بين الاعتداد بالذات والواقع العلائقي المبدع لقاد ذلك تعميماً اجتماعياً محبباً من قبل الناس بمختلف طبقاتهم والذين تجمعهم مبادئ الإنسانية ضمن هوية سيرورتها الحيوية الفائقة.

وحين يتم الحديث أو التدوين عن أهمية معرفة المعايير الإيجابية للهوية النقية الخالية من التعصب فهذا ما يفضي إلى كون الحوار المفتوح مع الآخر له قيمة ممكن أن تنهض حضارة اجتماعية أرقى درجة من سابقاتها أينما انبثقت تلك الحضارة إذا أن أصعب ما يمكن أن يفكر به المخلصون الحقيقيون للحفاظ على هويتهم هو ما يمكن أن تنطوي عليه التحديات المعاصرة العاملة لأجل تغليب (المادة) على (الروح) و (الأنانية) على (السوية).

لقد قطعت البشرية أشوطاً عظيمة من أجل الحفاظ على (الهوية الإنسانية) الممكن أن تكون دينية بحتة أو قومية بحتة أيضاً أو علمانية بحتة إذ يبقى المهم لاستمرار ناجح في الحياة أن يحمل المرء هوية إنسانية تحث على الحياة أكثر مما تحث على العيش.

شبكة النبأ المعلوماتية -السبت 17 / ايلول/2005 -12/ شعبان/1426