غزة.. على طريق الدولة أم الفوضى؟

احتفل الفلسطينيون برحيل اسرائيل عن قطاع غزة يوم الاثنين على أمل أن يؤدي الانسحاب إلى قيام دولة لهم. لكنهم يخشون أن تؤدي خطوات سياسية خاطئة إلى إلقاء القطاع في خضم مزيد من الفوضى.

وأعرب مسؤولون ومحللون فلسطينيون عن تفاؤلهم بوجه عام بأن يسود هدوء نسبي مستشهدين بما رأوه يوم الاثنين من مشاهد داخل المستوطنات اليهودية بعد اخلائها .. وهي مشاهد وان كانت تتسم بالفوضى إلا أنه لم يتخللها اي عنف بين الفصائل المختلفة.

لكن استمرار الهدوء يتوقف على اجراء اصلاحات سياسية. وخاصة من خلال انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني المقرر إجراؤها في يناير كانون الثاني المقبل والتي يحتمل أن يكون لها تأثير على جماعات الناشطين باتاحة الفرصة لها للمشاركة في صنع القرار بعد سنوات من القتال ضد إسرائيل.

وقال وزير التخطيط الفلسطيني غسان الخطيب لرويترز مشيرا إلى مسلك الفصائل بعد الانسحاب أن الساعات الثماني والاربعين الماضية كانت امتحانا وانه يعتقد أنهم اجتازوه بنجاح.

واضاف أن الاوضاع لا يمكن أن تستمر بدون انتخابات وان انتخابات المجلس التشريعي إذا أجلت أو الغيت فسيكون ذلك سيكون عاملا قويا لزعزعة الاستقرار.

وكان مما زاد المخاوف في الأيام الاخيرة من حدوث اضطرابات واقعة اغتيال اللواء موسى عرفات القائد السابق لقوات الأمن وواقعة خطف صحفي ايطالي واحتجازه لدى مسلحين ملثمين لفترة وجيزة.

وقال مسؤولون إن إحكام السيطرة سيكون أسهل كثيرا لو اتخذت إسرائيل خطوات مثل اعادة فتح الحدود التي لا تزال مغلقة بين قطاع غزة ومصر لعدم وجود اتفاق بشأن الاشراف على المعبر الحدودي. ومن شأن مثل هذا الاجراء أن يعزز ثقة الرأي العام في الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

وتعهد عباس في تصريحات نشرت يوم الاثنين بإنهاء الفوضى في قطاع غزة بحلول نهاية العام لكنه قال إنه لن يحاول نزع أسلحة حركة المقاومة الاسلامية (حماس) بالقوة خشية اندلاع حرب أهلية.

وقال كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات إن العبء الاكبر يقع على عاتق الفلسطينيين ولكن إذا تحولت غزة إلى سجن كبير فستصبح مهمتهم في فرض سيطرة القانون بالغة الصعوبة.

وأعلنت الولايات المتحدة بوضوح أنها تريد من الفلسطينيين أن يواصلوا التهدئة وينشئوا حكما رشيدا في غزة قبل البدء في تنفيذ خطة "خارطة الطريق" للسلام التي تتضمن قيام دولة فلسطينية.

وشكل عباس قوة خاصة من الشرطة قوامها 7500 فرد انتشرت في المستوطنات لتأمينها بعد الانسحاب.

وتدفق الآف الفلسطينيين إلى داخل المستوطنات حيث أضرموا النار في عدة معابد يهودية تركها المستوطنون وراءهم. وعندما فشلت قوات الامن الفلسطينية في محاولتها السيطرة على الحشود تراجعت وكفت عن المحاولة .. لكن لم يحدث أي اقتتال بين الفصائل.

وستكون أكثر المهام القادمة اهمية في قطاع غزة معالجة الخصومة بين الفصائل ووقف الفوضى التي بدأت في عهد الزعيم الراحل ياسر عرفات وتزايدت خلال قرابة خمس سنوات منذ بدء الانتفاضة الفلسطينية.

كما يحتمل أن يكون لما سيحدث في غزة تداعيات أوسع نطاقا على مساعي الفلسطينيين لاقامة دولة مستقرة يأملون أن تشمل أيضا الضفة الغربية التي استولت عليها إسرائيل عام 1967 ولا تزال تحتفظ بالسيطرة عليها عسكريا.

وبدأ الجو العام يتغير في قطاع غزة حتى قبل انسحاب القوات الاسرائيلية بعد اخلاء المستوطنات البالغ عددها 21 مستوطنة في القطاع.

وكان من مظاهر ذلك إزالة عبارات التمجيد للجماعات المسلحة و"شهداء" الصراع مع إسرائيل التي كانت تغطي كل مساحة خالية تقريبا من الجدران في غزة. كما رفعت الاعلام الفلسطينية في الشوارع وغطت واجهات عديد من المباني.

وكان زعماء الناشطين جددوا تعهدهم في الآونة الاخيرة بالالتزام بالهدنة حتى نهاية العام الجاري. لكن الهدوء تخللته بعض أعمال العنف والمصادمات الداخلية بما لا يمكن معه التنبؤ بما إذا كانت الغلبة ستصبح للفوضى أم للهدوء.

وقال الكاتب والمعلق الاسرائيلي ميخائيل اورين إن رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل "شارون عبقري. فهو يقدم للعالم لمحة لما ستكون عليه السيادة الفلسطينية. ستسود الفوضى وسيجد الفلسطينيون صعوبة بالغة في السيطرة عليها."

وقال المحلل السياسي الفلسطيني علي الجرباوي "اعتقد أننا سنواجه مشكلات. مشكلات كثيرة. (لكني) لا أعتقد أن غزة ستشهد حربا أهلية. لا أعتقد أنها ستتدهور لكن تحسين الاوضاع بها سيستغرق وقتا."

وقال إسماعيل هنية أحد زعماء حماس التي تعتبر الانسحاب الاسرائيلي نصرا لها في تصريحات للصحفيين إن المرحلة التالية للانسحاب ستكون لاعادة البناء لا للصراعات الداخلية.

لكنه قال إن حماس التي ستشارك لاول مرة في انتخابات المجلس التشريعي ستواصل القتال ضد إسرائيل وان "اسلحة المقاومة" يجب الحفاظ عليها.

وأضاف أن تلك الاسلحة هي التي حررت الارض وستستمر على طريق التحرير والدفاع عن الشعب الفلسطيني. وقال إن المقاومة يجب حمايتها لان الطريق امامها ما زال طويلا وشاقا.

شبكة النبأ المعلوماتية -الاربعاء 14 / ايلول/2005 -9/ شعبان/1426