فيلم عن مستقبل العراق يتجاوز ثنائية صدام-الاحتلال

بعد أن أشار شاب الى فضاء باتساع الصحراء قائلا ان قريته كانت هنا يوما ما أشعل كهل كردي سيجارته العاشرة وقال ان القرية بنيت وهدمت أربع مرات وأشار الى حفرة دفن فيها أصدقاء عمره فعلق مخرج الفيلم بأسى: "فهمت لماذا خسر صدام حربه."

جاء الاكراد في المشاهد الاولى من الفيلم التسجيلي (طريق لغروب أقل) للمخرج اللبناني باسم فياض وفقا لترتيب غير مقصود حيث يبدأ الفيلم الذي يشبه الرحلة من شمال العراق الى جنوبه.. من ماسي الاكراد الى صيادين على شط العرب يغنون للحياة ويحلمون بغروب أقل لشمس أيامهم.

وسيعرض الفيلم الذي تبلغ مدة عرضه 52 دقيقة يوم السبت في افتتاح الدورة التاسعة لمهرجان الاسماعيلية الدولي للافلام التسجيلية والروائية القصيرة.

ولا يلجأ الفيلم شأن كثير من الافلام التسجيلية التي صنعها عرب وأجانب وعراقيون بالداخل والخارج الى الاستسهال بتوجيه اللعنات الى صدام والاحتلال معا ولم يعقد مقارنة بين الدكتاتورية الوطنية المحلية وممارسات يمارسها الاحتلال الاجنبي ولان المخرج ينشد المستقبل يتحدث عن مواطنين راغبين في حياة تسير بالغناء والبناء.

تجاوز فياض (30 عاما) ثنائية صدام-الاحتلال وهي سمة معظم أعمال سابقيه.

ذهب المخرج اللبناني الى العراق لاول مرة بدعوة من صديقه المخرج العراقي عدي رشيد ليشاهد ويكتشف تحولات بلد لم يفاجأ بالاحتلال بل فوجيء بما هو أقسى منه ممثلا في الفوضى والقتل المنظم والعشوائي عقب سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين في التاسع من ابريل نيسان 2003.

ومنذ البداية ينحاز الفيلم للحرية ويرفض الدكتاتورية وتظل الكاميرا محايدة في رصدها المدن والمعابر وشواهد القبور ونوافذ البيوت ولكنها حين تقترب من البشر تصيب المخرج بالحيرة فيعلن أنه لم يعد يفهم شيئا ولن يصل الى مفتاح لغز هذا البلد.

ففي المشاهد الاولى يشير أطفال أكراد بثقة وشجاعة لم تتوفر لابائهم الى أن صدام أباد أهلهم بالاسلحة الكيماوية ويستعرض الفيلم "أطفال الرعب" وهم ضحايا جدد لاسلحة صدام. منهم من أصيب بتشوهات نفسية كالتخلف العقلي أو جسدية كاختفاء الاصابع من الاطراف ووجود ساق بلا قدم أو يد باصبعين.

ولا يتشفى الفيلم في صدام ولكن المخرج يحاول الفهم والاستيعاب فرغم عودة الضحايا الى قراهم ورغبتهم في اعادة تشييد الحياة فان "المأساة لم تنته".

وحين يصل المخرج الى مدينة الموصل التي يقول عراقيون انها قلب صدام وروحه لا يفاجأ بأصابع الاتهام وهي تتوجه بالادانة الى الولايات المتحدة ولكن الدهشة تصيبه حين يرفع كثيرون شعارات منها "صدام وبس" و"بالروح بالدم نفديك يا صدام".

ويقول اخرون "كلهم (الامريكيون) علوج.. عملاء جايين يستعمروا البلد. (سنظل) نقاومهم حتى الموت."

ومن جديد يعلن فياض أنه لا يفهم شيئا. وعندما يدخل بغداد ليلا وهي تستحم بالمطر والصمت يعتذر لانه تصور وهو في بيروت يوم سقوط بغداد أن ذلك المشهد هو الهزيمة الاخيرة له كعربي. ويستدرك واصفا هذه المدينة بأنها قلب لا يتوقف ولن تسقط فالمدن التي لا تسقط تراهن على الاحلام والاحلام لا تموت.

وفي ختام الرحلة-الفيلم يصور شط العرب جنوبا حيث يغني الصيادون على خلفية مشهد ساحر لغروب يتمنى فياض أن يكون أقل لان العراق "يذهب الى غد أجمل لان الناس هنا تؤمن بغروب أقل.. غدا تشرق الشمس."

والفيلم في مجمله وجهة نظر شخصية لمخرجه عن بلد أحبه على البعد وحين ذهب اليه في ظل الاحتلال أحب أهله أكثر لانهم كما اعترف في نهاية الرحلة-الفيلم "علموني معنى الامل".

وينظم المهرجان الذي يستمر ثمانية أيام محورا لافلام وثائقية عراقية أخرجها عراقيون بالداخل والخارج تعكس صورة بلادهم في ظل الاحتلال الامريكي.

ومن هذه الافلام (العراق موطني) للعراقي المقيم باستراليا هادي ماهود و(العلكة المجنونة) لعمار سعيد و(أين العراق) للعراقي المقيم بكندا باز البازي.

ويتضمن المهرجان الذي يقام بمدينة الاسماعيلية الواقعة على قناة السويس عرض 194 فيلما من 53 دولة منها 11 دولة عربية تشارك داخل المسابقة وخارجها وهي فلسطين ولبنان والاردن والعراق وسوريا والامارات وقطر والسعودية وتونس وليبيا اضافة الى مصر.

أما الافلام غير العربية فتمثل 42 دولة منها ايران واليابان وفيتنام واستراليا وفرنسا وبريطانيا وصربيا والبوسنة وهولندا وكولومبيا والبرازيل وكوبا وكندا والولايات المتحدة والارجنتين وجنوب افريقيا وألمانيا واليونان وسويسرا.

ويتنافس 98 فيلما متنوعا في خمس مسابقات بالمهرجان في مجالات الفيلم الروائي القصير والفيلم التسجيلي الطويل والقصير وأفلام الرسوم المتحركة والافلام التجريبية.

وتتنوع جوائز المهرجان حيث تبلغ قيمة الجائزة الكبرى عشرة الاف جنيه مصري (نحو 1733 دولارا) لافضل فيلم في أقسام المهرجان المختلفة أما جائزة أفضل فيلم في كل مسابقة فتبلغ ستة الاف جنيه أما جائزة لجنة التحكيم في كل مسابقة فقيمتها أربعة الاف جنيه.

كما توجد ثلاث لجان تحكيم موازية هي لجنة تحكيم نقاد السينما المصريين لاحسن فيلم ولجنة تحكيم جمعية التسجيليين المصريين ولجنة تحكيم مجلة (سينما) التي تصدر في باريس ويرأس تحريرها السوري قصي صالح درويش وتمنح جائزة قدرها ألف يورو.

ويرأس لجنة التحكيم المخرج الاوكراني فاديم خراباتشف ويشارك في عضويتها الناقد توماس ويلز من شيلي ومن المخرجين اللبناني جان خليل شمعون والمصري سيد سعيد والتركية زينب أوزباتور اضافة الى رحماتو كيتا وهي مخرجة وكاتبة من النيجر.

ويقام المهرجان سنويا بمدينة الاسماعيلية على بعد حوالي 130 كيلومترا شرقي القاهرة.

شبكة النبأ المعلوماتية -الاحد 12 / ايلول/2005 - 7/ شعبان/1426