تجمع فلسطينيون في ترقب يوم الاحد عند حافة المستوطنات اليهودية
التي تم اخلاؤها في قطاع غزة استعدادا لدخولها عقب خروج القوات
الاسرائيلية التي استعدت للرحيل بعد 38 عاما من الاحتلال.
وأطلق الجنود الذين ظلوا على أُهبة الاستعداد قبل الانسحاب المتوقع
إكماله يوم الاثنين النار في الهواء في أحيان متفرقة لإبقاء الحشود
المتزايدة بعيدة عن الأسوار التي تفصل بين مجمع جوش قطيف الاستيطاني
السابق ومدينة خان يونس الفلسطينية.
وصاح صبي فلسطيني في فرح في اتجاه الجنود على الجانب الآخر من سياج
الاسلاك الشائكة في جنوب غزة "فعلوا ما يحلو لكم.. أطلقوا النار بقدر
ما تستطيعون. لا يهمنا ما دام هذا آخر يوم لكم هنا."
كما اقترب بعض الناشطين المسلحين من المكان عبر طرقات مخيم خان يونس
للاجئين بعيدا عن انظار القوات الاسرائيلية متأهبين للاندفاع الى
المستوطنات السابقة للاحتفال "بالنصر".
وصعد سكان الى أسطح المنازل في مخيم اللاجئين لالقاء نظرة على
المجمع الاستيطاني الذي هدمت منازله وعلى مياه البحر التي حرم
الفلسطينيون من الوصول اليها طوال عقود.
وقال سامي ابو عقر الذي يبلغ من العمر 35 عاما وسط حشد من
الفلسطينيين وزعت عليهم الحلوى احتفالا بالمناسبة "نحن سعداء جدا
وننتظر بصبر نافد لنشاهد الاسرائيليين يخرجون من ارضنا الى الابد.
سيكون اسعد ايامنا منذ عقود."
واضاف "لن ننام الليلة. سنراقبهم حتى اللحظة التي يخرجون فيها ثم
سندخل جميعا."
ويتجمع الفلسطينيون فوق الشريط الرملي الذي كان يمكن ان يتعرضوا فيه
لاطلاق النار عليهم بمجرد ان تراهم القوات الاسرائيلية التي كانت في
حالة تأهب تحسبا لأي تسلل من الفلسطينيين في خان يونس الى المستوطنات.
لكن منذ أجلت اسرائيل 8500 مستوطن يهودي من قطاع غزة الشهر الماضي
وهدمت منازلهم وبدأت تفكك المواقع العسكرية يتجرأ الفلسطينيون يوميا
على دخول المنطقة العازلة الموحشة انتظارا لرحيل الاسرائيليين.
وتزايدت أعدادهم في الفترة السابقة على المرحلة الاخيرة للانسحاب
لكن نفاد صبرهم جاء احيانا بنتائج مأساوية عندما قتل الجنود
الاسرائيليون الذين يسود بينهم التوتر الاسبوع الماضي اثنين من
الفلسطينيين حاولا التسلل عبر اسيجة الاسلاك الشائكة.
ولم تحقق قوات الامن الفلسطينية نجاحا كبيرا في ابعاد الشبان
المتحفزين عن مواطن الضرر قرب الاسيجة واقرت بانها سيصعب عليها منع
تدفق الفلسطينيين باعداد كبيرة الى داخل المستوطنات بعد رحيل اخر وحدات
الجيش.
ويخشى كثيرون ان تسود الفوضى بعد الانسحاب فيما يتوقع ان تنظم
جماعات النشطين القوية مسيرات احتفال "بالنصر" يحتمل ان تتوارى في
ظلالها احتفالات السلطة الفلسطينية الرسمية بالانسحاب.
واشرف قادة الامن الفلسطينيين على نشر الافراد والمعدات في مواقعهم
ودعوا المدنيين الى ضبط النفس لكنهم غير مكترثين بما قد يحدث فيما
يبدو.
وقال أحد قادة قوات الأمن الوطني الفلسطيني ان رجاله يغمرهم شعور
رائع وانه يلمح الدموع في أعينهم.
وقال أحد المحتشدين يدعى شريف الصديق ويبلغ من العمر 27 عاما
"عانينا طويلا من وجودهم واحتلالهم والان حان الوقت لنشعر بالارتياح في
ديارنا."
واضاف "بدءا من الغد بعد رحيلهم سنحصل على فرص افضل للعمل ولن تكون
هناك نقاط تفتيش وعبور الحدود سيكون اكثر سهولة."
ويعد ادهم الساعات المتبقية لرحيل الجنود الاسرائيليين لتحقيق حلمه
بالدخول الى مستوطنة غاني تل التي كانت ضمن تجمع غوش قطيف ليرفع العلم
الفلسطيني فوق تلة كانت تتمركز عليها دبابة ما زالت اثار قذائفها ماثلة
في جدران منازل خان يونس شبه المدمرة جنوب القطاع.
ورغم تأكيد قوات الامن الفلسطينية المنتشرة قبالة المستوطنات انها
ستمنع دخول المواطنين حتى يتم التحقق من خلوها من الالغام يؤكد ادهم
القطاطوة (27 عاما) "فور خروج الجيش الاسرائيلي سادخل الى المستوطنة
لانصب علما فلسطينيا كبيرا على التلة التي كانت تتمركز فيها الدبابة
التي اصبت بذراعي منها العام الماضي".
ويقول ادهم الذي يقع منزله في حي الاسكان النمساوي المواجه
للمستوطنة انه يتلهف لرؤية المستوطنة "بدون يهود" مؤكدا "لم اعد انام
الليل بانتظار رحيلهم".
اما والدة "الشهيد" الطفل محمد صيام الذي قتل في بداية الانتفاضة
فتؤكد انها ستدخل المستوطنة "لكي ابصق على اثار الاحتلال فيها". وتضيف
"قميص ابني الملطخ بالدم لا يزال معي وساعلقه على جدار المستوطنة".
وتصف "ام محمد" الانسحاب بانه "لحظة تاريخية انتظرناها كثيرا حلم ابني
محمد يتحقق".
وازدانت واجهات واسطح المنازل المقابلة للمستوطنات والتي تحمل اثار
نيران وقذائف الجيش الاسرائيلي بالاعلام الفلسطينية ورايات الفصائل
المختلفة الالوان.
وفي قرية عبسان الكبيرة شرق خان يونس انشغل عشرات من افراد الدفاع
المدني وطواقم الاسعاف الطبية باجراء "بروفة" لعمليات اطفاء حريق او
اسعاف جرحى اثناء الانسحاب.
اما محمد القطاوي (18 عاما) فاكثر ما يهمه ان يصل الى البحر في
منطقة المواصي التي ظلت شبه معزولة ومغلقة سنوات طويلة.
ويقول بلهفة "اريد ان انقع جسمي يومين في البحر الذي حرمنا العدو من
السباحة فيه. كفانا احتلالا وحرمانا".
وينتظر الحاج ابو جبريل (61 عاما) والمتحدر من بئر السبع (جنوب
اسرائيل) خروج الجيش ليصلي "ركعتي شكر لله" فوق الارض التي سيخليها.
ويضيف "لا احد يستطيع منع الناس من الفرحة ودخول المستوطنات". ويقول
جبريل "الحمد لله سنرى باعيننا النصر برحيل الجيش الاسرائيلي من ارضنا"
لكنه يؤكد "حلمي الحقيقي لن يتحقق الا بعودتي الى بلدتي بئر السبع".
ولا يكترث العجوز يوسف غريز البالغ من العمر ثمانين عاما والمتحدر
من بلدة المغار قرب اسدود جنوب اسرائيل بتفاصيل الانسحاب كثيرا ويؤكد
ان ما يشغله اعادة بناء منزله شبه المدمر.
ويفتقر المنزل المحاذي للشريط الحدودي مع مصر والمكون من ثلاث طبقات
للنوافذ والابواب كما خلفت قذائف الدبابات فجوات كبيرة في جدرانه.
وتساءل غريز "كيف نفرح وابناؤنا شهداء وبيوتنا مدمرة اليس هذا ظلما"
مشيرا الى صورتي "شهيدين" على واجهة المنزل شبه المنهار احداهما لحفيده
الطفل محمد (10 اعوام) والثانية لابن اخيه موسى احد عناصر كتائب عز
الدين القسام الجناح العسكري لحماس.
وبالقرب من حاجز التفاح العسكري الذي سبب الكثير من المعاناة لسكان
المنطقة كان اطفال يرشقون الحجارة على الجنود الذين اطلقوا النار في
الهواء لتفريقهم. وقبل اسابيع كانت مثل هذه الصدامات تؤدي الى سقوط
ضحايا.
وعلى بعد عشرات الامتار شوهد جنود يزيلون اخر موقع عسكري عند مدخل
غوش قطيف بعد تدمير ابراج المراقبة في الصباح.
وفي الجانب الاخر قامت نساء بتوزيع الحلوى على رجال الشرطة
الفلسطينيين الذين يستعدون لدخول المستوطنات.
واعلن مسؤول امني فلسطيني كبير لوكالة فرانس برس انه "لن يسمح
للمواطنين بدخول المستوطنات قبل دخول فرق الهندسة لتنظيفها خوفا على
حياتهم من مخلفات المتفجرات والالغام على الاقل في اليوم الاول".
واشار الى ان القوات الامنية في جنوب قطاع غزة وقوامها سبعة الاف
عسكري وشرطي على الاقل "انتهت من اعداد الخطط وتستعد للانتشار
والسيطرة".
وتنتظر عشرات الحافلات امام مقر قيادة الامن الوطني في خان يونس
لنقل العسكريين الى داخل المستوطنات.
وتستعد الفصائل الفلسطينية وبينها حركتا حماس والجهاد الاسلامي الى
تنظيم احتفالات عامة وخاصة بينها عروض عسكرية لافرادها فور انتهاء
الانسحاب الاسرائيلي.
واجلت اسرائيل جميع المستوطنين اليهود البالغ عددهم 8500 شخص من
قطاع غزة وبضع مئات اخرين من بين 245 الف مستوطن يعيشون في الضفة
الغربية وذلك في اطار انسحاب محدود وصف بأنه "فك للارتباط" من الصراع
مع الفلسطينيين.
وهذه اول مرة تزيل فيها اسرائيل مستوطنات من اراض استولت عليها عام
1967 ويطالب الفلسطينيون باقامة وطن عليها. لكن اسرائيل تعتزم الاحتفاظ
بكتل استيطانية اكبر كثيرا في الضفة الغربية |