s

 
 

الثوابت العربية: اللامساواة واللاحرية وما يبرر الارهاب والعنف..

تقول الدكتورة رجاء بن سلامة في كتابها (نقد الثوابت ..آراء في العنف والتمييز والمصادرة) الذي صدر قبل اسابيع ان للمجتمعات الديمقراطية ثوابت منها احترام القانون ومبدأ فصل السلطات ومبادىء المساواة والحرية.

وتضيف ان المجتمعات العربية ونخبها تلهج بالثوابت لهجها بالهوية وتلجأ الى هذه العبارة وتجعلها حجر عثرة امام كل رغبة في التغيير والاصلاح الحقيقي.

الكتاب من حيث عنوانه وموضوعاته شيق عميق ودال على مواقف عقلانية وتقدمية جريئة في الوقت ذاته. وهومن ناحية اخرى "رمزية".. مشبع بدلالات مهمة فهوصادر عن دار نشر لبنانية بارزة هي دار (الطليعة) بالاشتراك مع اسم اخر ذي مدلول مهم هو(رابطة العقلانيين العرب).. كما انه جاء في نطاق سلسلة (المفكر العربي) التي تصدرها الدار والرابطة.

تتذكر المثل الانجليزي الذي يقول "الاشياء الصغيرة ذات معان كثيرة" اذ يخطر في بالك تسجيل عتب في شكل مأخذ هوعلى صغره مما لا ينسجم مع هذه الاجواء التي تفيد..عن حق.. العقلانية والموضوعية والدقة والبعد عن المسلمات.

فالدكتور رجاء بن سلامة (وقد جاء اللقب العلمي مختصرا) مما يحتمل ان يكون صاحبه رجلا اوامراة فالاسم الاول شائع بين الجنسين والاسم الثاني العائلي اي بن سلامة يميل الى الايحاء بالتذكير اكثر من التأنيث.

وقد اغفل الناشرون ايراد اي اشارة تعريف بالاسم كما تفعل دور النشر الغربية وعدة دور عربية.. فكأن من المسلم به ان يعرف القارىء عامة لا العادي فحسب.. اسماء الكتاب والباحثين والادباء وان يعرف تفاصيل هوياتهم وجنسياتهم. هذا الامر على بساطته خطأ كأنه يقول اننا نقرأ لمن نعرفه وبالتالي نقرأ ما نعرفه.

وبعد جهد كبير اي بعد قراءة الكتاب كله بتركيز خاص يتوصل القارىء الذي لا معرفة له بالدكتورة رجاء بن سلامة.. على شهرتها.. الى معرفة ان الاسم واللقب يعودان الى باحثة اكاديمية وكاتبة من تونس هي استاذة في الجامعة التونسية.

يقع الكتاب في 151 صفحة متوسطة القطع ويتوزع على "تقديم" و22 مقالا تندرج تحت ما جاء في عنوان الكتاب. تهدي الدكتورة رجاء كتابها القيم والجرىء الى "الفتيات والفتيان الناطقين بهذه اللغة حتى لا تستهويهم رقصات الموت حول الثوابت المهترئة والخرق المقدسة."

في التقديم العميق والشامل الذي كتبته المؤلفة عرضت بعض ما واجهته من صعوبات ومشكلات و"مصادرة" خلال كفاحها من اجل حقوق الانسان وحقوق المراة في شكل خاص. قالت "انني لم اكن اكتب لكي اصادر وانما اعترضتني قبضة الرقيب اواعترضني شبحه المهدد كلما تعلق الامر بنقد ما يجتمع اصحاب السلطة وايديولوجيوهم والاسلاميون ودعاتهم والقوميون والكثير من المثقفين النافذين الذين تحولوا الى نجوم.. ما يجتمع هؤلاء على تسميته (الثوابت) او(المقدسات) او(الهوية) اوما ينفرد رجال الدين بتسميته (المعلوم من الدين بالضرورة) فيجعلونه مرادفا دينيا للعبارات السابقة."

وتقول الدكتورة رجاء "لكل المجتمعات الديمقراطية ثوابت ينبني عليها العقد الاجتماعي منها احترام القوانين واعتبارها تعلوولا يعلى عليها واحترام مبدأ الفصل بين السلطات واحترام مبادىء المساواة والحرية. وهذه الثوابت لا يتحدث عنها كثيرا في هذه المجتمعات لا لانها مفروغ منها فحسب بل لانها ليست من الثوابت الجامدة فهي لا تحول دون تطور المجتمعات وتحرر الافراد."

وفي اشارة الى ميل عدد من المجتمعات الديمقراطية الى نوع من "التمييز" عمليا على الاقل لمصلحة ضعفاء العالم.. قالت المؤلفة ان هذ الثوابت الغربية "لا تحول دون تطوير الديمقراطية نفسها لجعلها تشاركية وتعميقها ولا تحول دون مبدأ تطوير مبدأ المساواة نفسه لجعله اكثر فاعلية ولجعله مجسدا في الشراكة والتمييز الايجابي الذي تستفيد منه فئات تم تهميشها لاسباب متجذرة في التاريخ.. بل اننا نحتار اذا اردنا ترجمة كلمة (الثوابت) الى اللغات الاخرى لان مقابلاتها في الفرنسية والانجليزية مثلا ليست جزءا من اللغة السياسية المتداولة هناك."

وتنتقل الاستاذة الجامعية التونسية الى القول "اما المجتمعات العربية .. اما نخبها المهتمة بالشأن العام فهي تلهج بالثوابت لهجها ب/الهوية/ وهي التي تلجأ الى هذه العبارات وتجعلها حجر عثرة امام كل رغبة في التغيير والاصلاح الحقيقي."

وفي راي الدكتورة بن سلامة ان الثوابت في العالم العربي "وسائر التعابير المعبودة التي تؤكدها تبقى مبهمات كالمعلوم من الدين بالضرورة كل يعرفها كما يريد ويوظفها في السياق الذي يريد. لكن الثابت في الثوابت العربية والاسلامية هي الوظيفة الاساسية التي تضطلع بها..

"انها تسمية اللاحرية واللامساواة بأسماء بديهية لا تحتاج الى النقاش اوتعرض من يناقشها الى تهمة الخيانة اوالكفر والمروق . الثوابت في الغرب الديمقراطي هي المساواة والحرية اما الثوابت عندنا فهي ما يبرر اللامساواة واللاحرية وما يبرر الارهاب والعنف."

وقالت المؤلفة انها تنتقد هذه الثوابت العربية "من منطلق اخلاقي تعلمته من التحليل النفسي ويتمثل في جعل الذات البشرية تواجه اوهامها وتعي حدودها حتى تعي ممكنات تحررها. ولذا فانني اخترت ان اقول ان نوعا من التدين الذي يجب ان يبتدعه المؤمنون لا يتنافي مع المساواة والحرية."

ولخصت بعض معاناة الانسان العربي في مقال من مقالاتها متسائلة "من يستطيع الاتيان على قائمة الكتاب والاعلاميين الجزائريين الذين ابتدأت مجزرتهم الرهيبة منذ عام 1993 .. ولماذا لا نذكرهم في مؤتمراتنا ونحيي ذكراهم على الصعيد العربي كما نحيي ذكر غيرهم .. كم مبدعا امّحى من الوجود ولا نعرف هل هومن الاموات ام من الاحياء في اقطار يقع فيها تنظيم ابادة المبدعين وتنظيم الصمت حولهم.."

شبكة النبأ المعلوماتية -الاحد 11 / ايلول/2005 - 6/ شعبان/1426