كاتب أمريكي يتهم بلاده بممارسة الدبلوماسية عن طريق القنابل

يرى كاتب أمريكي أن بلاده انتهجت منذ السنوات الأخيرة من القرن الماضي سياسة "الدبلوماسية عن طريق القنابل" بصورة سمحت لمنتقدي القوة الامريكية أن يكونوا قُساة في حكمهم على نزعتها الكونية.

وقال بروس روبنز ان السنوات الأخيرة وتحديدا منذ عام 1998 شهدت جولات "الدبلوماسية عن طريق القنابل" مشيرا الى أن القنابل التي وصفها بالذكية تحدد هدفها بدقة حيث تثبت في مقدمتها كاميرا ترسل صورها الى من يحركونها "فيذاع الفيلم في التلفزيون. الامر الذي يجعل الشاشة والمتفرج كليهما جزءا مكملا للقنبلة نفسها."

وأضاف في كتابه (الاحساس بالعولمة.. التعاون الدولي في مأزق) أنه من هذا المنظور "فاننا بمجرد المشاهدة نصبح كأننا مشاركون في اطلاقها ومندفعون مع القاذفة والقذيفة المنطلقتين عبر الفضاء من أمريكا الشمالية الى العراق رغم بقائنا متكئين على أريكة آمنة في غرفة معيشتنا."

ووصف المعايير الامريكية بأنها عرضة للشك مشيرا الى لقاء تلفزيوني أذيع على الهواء من جامعة أوهايو في فبراير شباط 1998 أوقع "وزيرة الخارجية (السابقة) مادلين أولبرايت وغيرها من فريق الحكومة المنادي بضرب العراق في حرج بالغ حين طولبوا باجراء مقارنة دولية وبالتوقف وامعان النظر في السؤال التالي:

"هل تعتزم الولايات المتحدة أن ترد على الانتهاكات الأخرى لقرارات الأمم المتحدة وحقوق الانسان بالقوة العسكرية؟.. ان تركيا وهي حليفة للولايات المتحدة قد ضربت المدنيين الاكراد بالقنابل كما أنها هي والمملكة العربية السعودية قد عرف عنهما تعذيب المعارضين الدينيين والسياسيين. أما اسرائيل أكبر مستفيد من المعونات الخارجية الامريكية فقد تكرر لومها من جانب الامم المتحدة لضربها المدنيين اللبنانيين بالقنابل ولوحشيتها إزاء الفلسطينيين. لماذا تطبق الولايات المتحدة مستويات مختلفة من العدل حيال تلك الدول؟.."

ويعمل روبنز (56 عاما) أستاذا للادب الانجليزي والمقارن بجامعة روتجرز كما عمل أستاذا زائرا في جامعات هارفارد وكورنيل ونيويورك إضافة الى عمله بالتدريس بين عامي 1976 و1984 في جامعتي جنيف ولوزان بسويسرا.

وصدرت الترجمة العربية للكتاب الذي يقع في 206 صفحات من القطع الكبير ضمن سلسلة المشروع القومي للترجمة عن المجلس الاعلى للثقافة بمصر.

والكتاب الذي ترجمه المصري عاطف عبد الحميد يناقش تجليات العولمة التي يرى المؤلف أنها لم تكن السبب "في حروب الثقافات بل كانت مجرد عذر مريح لها."

ونفى روبنز فكرة وجود ثقافة عالمية مشددا على أنها "استحالة منطقية... لا توجد ثقافة عالمية متماسكة أكثر من احتمال وجود حكومة عالمية.

"وجود الاتجاه الثقافي اليميني رغم اتخاذه أشكالا جذابة تلخصه مقولة (المفكر الامريكي) صمويل هنتنجتون المشهورة عن صراع الحضارات."

وأطلق هنتنجتون في نهاية التسعينيات مقولته التي لخصها عنوان كتابه (صراع الحضارات) وذهب فيها الى أنه في عالم ما بعد الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي لا تكون الفوارق بين الشعوب ذات طابع أيديولوجي أو اقتصادي بل تبقى الفوارق ثقافية.

ونقل روبنز قول هنتنجتون "ان ادعاءات الغرب العالمية تجره بقوة متزايدة الى الصراع مع الحضارات الاخرى وخصوصا مع الاسلام والصين."

وعلق قائلا ان "ان ميول هنتنجتون الثقافية على جدتها وصراحتها في معاداة النزعة العالمية هي دعوة الى السلاح للدفاع عن "ثقافتنا"... هي دعوة أقرب الى الاستعداد لهجوم جديد."

ووصف السنوات الخمسين التي تلت الحرب العالمية الثانية بأنها "فترة سيطرة أمريكية غير مسبوقة على سائر بقاع الارض وقد ساعد على تعميق تلك السيطرة ما امتلكته أمريكا من قدرة على الحركة الواثقة وعلى التهديد غير المعلن. وكلا الأمرين القدرة والحركة مرتبط بامكانات الرؤية الفوقية من مكان عال متميز. وقد أصبحت صور القذائف الهابطة من السماء الى الارض في فيتنام والخليج الفارسي أمرا عاديا كأنه مشهد تلفزيوني بل يمكننا تخيل التلفزيون امتدادا لنفس وجهة النظر المنتشرة والمسيطرة."

وغزت الولايات المتحدة فيتنام في منتصف الستينيات ولكن المقاومة كبدت القوات الامريكية خسائر دفعت الادارة الامريكية الى سحبها في مطلع السبعينيات تحت ضغط الرأي العام المعارض لحرب رأوها غير مبررة.

وأشار روبنز الى أن بلاده حددت لنفسها دور "الشرطي العالمي" أثناء الحرب الباردة وبناء على هذا الدور الذي حددته لنفسها ساندت أو أسقطت أنظمة حكم في اسيا وأمريكا اللاتينية وافريقيا والشرق الاوسط.

وأضاف أن أمريكا طالبت "كحق طبيعي أن تكون لمواطنيها واعلامها امكانية المرور الحر عبر حدود الامم والقارات. وهكذا لمدة خمسين عاما أصبحت قدرة التحرك للرؤية من أعلى لازما في نزعة كونية عامة تمثل مجموعة من الافكار حول انفتاح العالم واذعانه وهي أفكار منتشرة على نطاق واسع حتى بين الامريكيين الذين لم يغادروا بلادهم قط."

وأشار الى أن منتقدي القوة الامريكية قساة في حكمهم على نزعتها الكونية أو نظرتها الفوقية وعلق قائلا.. "لا عجب إذن."

شبكة النبأ المعلوماتية -الاربعاء 10/ اب/2005 - 4/ رجب/1426