
يبدو ان فضيحة النفط مقابل الغذاء قد اخذت منعطفا خطيرا عندما اخذ
الحبل حول عنق كوفي عنان وبدأت الاتهامات تتوجه اليه، فقد انتقد مدير
برنامج النفط مقابل الغذاء فى العراق سابقا بينون سيفان سكرتير عام
الامم المتحدة كوفي عنان لعجزه عن الدفاع عنه ازاء اتهامات له بالفساد
وسوء الادارة معربا عن اسفه لقيام عنان بالتضحية به لاسباب سياسية. جاء
ذلك في رسالة وجهها سيفان الذى يواجه اتهامات بالاستفادة شخصيا من
برنامج النفط مقابل الغذاء الذي جرى حله عقب سقوط نظام صدام حسين الى
سكرتير عام الامم المتحدة قدم فيها استقالته من منصبه كمستشار لعنان
معاتبا اياه بعدم وقوفه معه ازاء حملة "الاتهامات الباطلة" عليه.
اعترف الكسندر ياكوفليف الموظف السابق في الامم المتحدة الذي ورد
اسمه ضمن فضيحة برنامج "النفط مقابل الغذاء" الاثنين امام القضاء
الاميركي بانه قبل تلقي اموال من شركات تعمل مع المنظمة الدولية كما
اعلن مدعي مانهاتن.
واعترف الروسي ياكوفليف بالتهم الثلاث التآمر والتزوير وتبييض
الاموال في نفس اليوم الذي نشرت فيه لجنة فولكر التي كلفتها الامم
المتحدة التحقيق في برنامج "النفط مقابل الغذاء" تقريرا يتهمه بالفساد.
وحسب مكتب مدعي مانهاتن ديفيد كيلي فان ياكوفليف الذي كان يعمل في
دائرة المشتريات في الامم المتحدة قد يكون تلقى "مئات آلاف الدولارات
على الاقل" من شركات ترغب في الحصول على عقود مع الامم المتحدة.
واقر مسؤول مشتريات مخضرم بالامم المتحدة بأنه مذنب فيما يتعلق
باتهامات بالتامر والاحتيال وغسيل الاموال بعدما عثر المحققون على أدلة
تفيد بأنه حصل على قرابة مليون دولار كمدفوعات غير قانونية من فائزين
بعقود من الامم المتحدة بلغت قيمتها 79 مليون دولار.
وقال ديفيد كيلي المدعي الامريكي لمقاطعة نيويورك الجنوبية في بيان
ان الكسندر ياكوفليف اتهم في دعوى أمام محكمة اتحادية بالحصول على "عدة
مئات الاف على الاقل من الدولارات" كمدفوعات غير قانونية من شركات كانت
تسعى للحصول على عقود من الامم المتحدة.
والاقرار السريع بالذنب الذي تم يوم الاثنين بعد ساعات من اعتقاله
يعني غالبا أن المتهم يتعاون مع المدعين الاتحاديين.
وعمل ياكوفليف وهو روسي الجنسية في منح مثير للجدل لعقد للامم
المتحدة لشركة كوتكنا وهي شركة سويسرية وظفت كوجو عنان نجل الامين
العام للامم المتحدة كوفي عنان.
وقال بول فولكر الرئيس السابق لمجلس الاحتياطي الاتحادي الامريكي
والذي يقود لجنة تحقيق مستقلة أنشأتها الامم المتحدة للتحقيق في فساد
في برنامج النفط مقابل الغذاء ان اللجنة لا تزال تحقق فيما اذا كان
كوفي عنان استخدم نفوذه لارساء العقد على كوتكنا.
من هنا اعلن بول فولكر رئيس اللجنة المستقلة للتحقيق في برنامج
"النفط مقابل الغذاء" التابع للامم المتحدة الاثنين ان التحقيق حول
الامين العام للمنظمة الدولية كوفي انان يتواصل.
وكانت اللجنة افادت في تقريرها الثاني الذي نشر في نهاية اذار/مارس
الماضي انه بناء على العناصر المتوافرة لها لم يثبت ان انان اساء
استخدام سلطته في عملية تلزيم عقود الامم المتحدة في العراق لشركة
"كوتكنا" السويسرية التي كان نجله كوجو موظفا فيها.
واعتبر انان الذي حرص على التاكيد انه كان يجهل ان "كوتكنا" كانت
مرشحة لعقد فوق الشبهات في هذه الفضيحة.
وخلال مناقشته مضمون تقريره الثالث امام الصحافيين تحدث فولكر اليوم
الاثنين عن اكتشاف رسالة الكترونية "تطرح علامات استفهام جديدة حول ما
كان يعلم به الامين العام".
وقال ان "هذا العنصر الجديد يطرح بوضوح اسئلة لم نتمكن من الاجابة
عنها في شكل مرض" لافتا الى ان التحقيق مستمر انطلاقا من اهمية العنصر
الجديد. واضاف ان "التحقيق مستمر عبر البحث عن وثائق واحاديث لتقدير
اهمية العنصر الجديد". وتابع ان اللجنة استمعت مرات عدة الى كوجو وكوفي
انان منذ اذار/مارس الماضي ولكنه لم يعط المزيد من الايضاحات.
واوضح "وجدنا خلال التقرير السابق انه لم تكن لدينا اية ادلة تظهر
انه (كوفي انان) قد تدخل في عملية تصنيف شركة كوتيكنا (...) وقلنا انه
ليس بامكاننا التوصل الى هذه النتيجة".
ونفى كوفي انان من ناحيته اي ضلوع له في عملية تصنيف الشركة
المذكورة او ان يكون بحث العقد مع نجله. ومن المنتظر ان تصدر اللجنة
تقريرها النهائي في ايلول/سبتمبر المقبل.
ولم يربط فولكر بين ياكوفليف وعقد شركة كوتكنا خلال مؤتمر صحفي عقده
يوم الاثنين نشرت خلاله اللجنة تقريرها المؤقت الثالث بخصوص التحقيق في
البرنامج الذي هدف لمساعدة العراق والمتوقف حاليا وبلغ حجمه 67 مليار
دولار.
وبدلا من ذلك قالت اللجنة ان الاموال التي اكتشف حتى الان انها منحت
لياكوفليف أتت من عقود خارج برنامج النفط مقابل الغذاء.
وقال مارك مالوك براون كبير العاملين في مكتب عنان ان ياكوفليف
احتجز بعد ان رفعت المنظمة الدولية الحصانة الدبلوماسية عنه.
ويشير اقراره بالذنب الى أن الفساد بالامم المتحدة غير مقصور على
برنامج النفط مقابل الغذاء الذي توقف في عام 2003 عقب الغزو الذي قادته
الولايات المتحدة للعراق.
ويواجه ياكوفليف السجن 20 عاما وغرامة قصوى تبلغ 250 ألف دولار أو
ضعف الربح الاجمالي الذي حصل عليه من كل جريمة وذلك عن كل تهمة من
الثلاث التي أقر بأنه مذنب فيها.
وقال محاميه أركادي بوخ انه أفرج عنه مقابل كفالة 400 ألف دولار
وعاد الى منزله في احدى ضواحي نيويورك.
وابلغ بوخ رويترز "قرارنا بالاقرار بالذنب يأتي على أمل الحصول على
أحكام مخففة من القاضي في المستقبل."
وقالت لجنة فولكر انها اكتشفت في البداية دليلا على أن ياكوفليف
الذي عمل مع صديق فرنسي له يدعى ايف بينتور استخدم منصبه للحصول على
رشوة من شركة سوسيتيه جنرال دو سيرفيانس اس ايه السويسرية مقابل منحها
معلومات سرية حول عقد وشيك للتنقيب عن النفط.
وقالت اللجنة انه لا توجد اي أدلة على أن الشركة السويسرية وهي احدى
ست شركات تقدمت بعطاءات للفوز بالعقد قد دفعت أي رشى.
واثناء التحقيق قالت اللجنة انها اكتشفت قيام فائزين بعدد غير محدد
من عقود للامم المتحدة بلغت قيمتها 79 مليون دولار بدفع مبالغ غير
شرعية بلغت 950 ألف دولار .
وأودعت المبالغ في حساب في بنك خارجي يمتلكه ياكوفليف في أنتيجوا
بغرب الانديز.
وقالت اللجنة ان ياكوفليف نفى في البداية ارتكابه اي أخطاء لكنه رفض
فيما بعد مقابلة المحققين والرد على تساؤلاتهم. وقالت اللجنة انه بعد
مواجهته بالادلة قال بينتور انه لن يشكك في النتائج.
واستقال ياكوفليف (52 عاما) فجأة من منصبه بالامم المتحدة في منتصف
يونيو حزيران وقام المحققون باغلاق مكتبه عقب تقرير بأنه ساعد نجله في
الحصول على وظيفة في شركة تعاملت ذات مرة مع الامم المتحدة.
كما اعلنت لجنة التحقيق ان المدير السابق للبرنامج بينون سيفان
استفاد عن طريق الفساد" من البرنامج. وقال التقرير ان سيفان القبرصي
البالغ من العمر 67 عاما استفاد بما قيمته 147 الف دولار من حصص النفط
الممنوحة بناء على طلبه لشركة "افريكان ميدل ايست بتروليوم" التي
يديرها المصري فخري عبد النور قريب الامين العام السابق للامم المتحدة
بطرس بطرس غالي.
واضاف ان صديق سيفان افرايم نادلر ادى دور الوسيط. وعرض التقرير
عمليات تحويل مبالغ سحبت بين اواخر 1998 واواخر 2001 من بيع الشركة
المذكورة نحو 7,3 ملايين برميل بترول على حساب مصرفي في جنيف باسم
نادلر ثم على حساب باسم سيفان في نيويورك. واورد ان قيمة المبالغ التي
حولت على حساب سيفان ناهزت 147,184 دولارا.
وهي المرة الاولى يتهم فيها سيفان بالفساد وكان تقرير اول للجنة
التحقيق في شباط/فبراير الماضي اتهمه بتجاوز قواعد الامم المتحدة
وتشويه سمعتها عبر التدخل لمصلحة شركة "افريكان بتروليوم" في عملية
تلزيم العقود لكن اللجنة لم تثبت اثراءه الشخصي.
وسيفان الذي ادار برنامج النفط مقابل الغذاء البالغة قيمته 64 مليار
دولار منذ اطلاقه عام 1996 حتى عام 2003 استقال الاحد من الامم المتحدة
متهما الامين العام للمنظمة الدولية كوفي انان "بالتضحية" به وفق وثائق
نشرها محاميه اريك لويس ونفى سيفان الاتهامات المساقة ضده.
وتوجد مزاعم بحصول سيفان وهو قبرصي عمل في الامم المتحدة لمدة
اربعين عاما على رشى "بالاتفاق" مع صهر بطرس بطرس غالي الامين العام
السابق للامم المتحدة.
وقال لويس "تزعم لجنة التحقيق المستقلة ان السيد سيفان حصل على
اموال من افريكان ميدل ايست بتروليوم بالاتفاق مع فريد نادلر وهو صديق
وصهر للسيد (فخري) عبد النور مدير افريكان ميدل ايست بتروليوم".
ونادلر هو شقيق ليا بطرس غالي زوجة الامين العام السابق الذي رأس
الامم المتحدة من 1992 الى 1996. وكانت اللجنة استجوبت بطرس غالي ولكن
لا صلة له بمزاعم الرشى.
وحصلت افريكان ميدل ايست بتروليوم على مخصصات نفطية تصل قيمتها الى
نحو 1.5 مليون دولار قالت اللجنة ان سيفان وجهها الى الشركة التجارية
المصرية.
وتضم لجنة التحقيق بالاضافة الى فوكر قاضيا من جنوب افريقيا هو
ريتشارد غولدستون واستاذ القانون الجنائي السويسري الجنسية مارك بيث
الذي لديه خبرة في الرشاوى الدولية وغسل الاموال. ويساعدهم في ذلك
خبراء ينتمون الى 28 بلدا.
وكان الهدف من برنامج النفط للغذاء، الذي أسس في 1996 وأوقف العمل
به في تشرين الثاني/نوفمبر 2003 حينما تحول الى سلطة الاتئلاف المؤقتة
في العراق، السماح للعراق ببيع نفط تحت إشراف الأمم المتحدة على ان
تستخدم العائدات في المقام الأول لشراء حاجات إنسانية للمدنيين
العراقيين ولدفع تعويضات لضحايا الغزو العراق للكويت. |