لماذا يتخذ الغرب الاسلام كبشا للفداء؟

يمثل المفكر الفلسطيني الراحل ادوارد سعيد حالة خاصة في المشهد الثقافي العربي تقترب من درجة الاتفاق مع ما كان يمثله من قيمة فكرية وسياسية انطلق منها في نقده الثقافي العام لفنون الادب والموسيقى ولافكار المستشرقين وممارسات الامبراطوريات والقوى الكبرى.

ففي كتابه (تغطية الاسلام) قال "الاسلام أصبح يرتبط اليوم في الغرب بالانباء المثيرة المفجعة بصفة خاصة" مشيرا الى انتفاء الموضوعية في التغطية الغربية لكثير من الاحداث حتى أصبح استخدام مصطلح الاسلام مقترنا بكثير مما اعتبره تحيزا عرقيا وكراهية وعنصرية.

وأضاف أن الاراء في الغرب تتفق على اعتبار الاسلام كبش الفداء الذي تسقط عليه "كل ما يتصادف أن نكرهه في الانساق السياسية والاجتماعية في عالم اليوم. فاليمين يرى أن الاسلام يمثل الهمجية واليسار يرى أنه يمثل حكم الدين في القرون الوسطى والوسط يرى أنه يمثل الغرابة الممجوجة."

والكتاب الذي طرحت دار رؤية بالقاهرة هذا الاسبوع طبعته الجديدة التي ترجمها الاستاذ الجامعي المصري الدكتور محمد عناني يقع في 352 صفحة ويحمل عنوانا فرعيا هو (كيف تتحكم أجهزة الاعلام ويتحكم الخبراء في رؤيتنا لسائر بلدان العالم).

وأرجع سعيد (1935 - 2003) الذي عمل أستاذا للادب المقارن بجامعة كولومبيا بالولايات المتحدة هذه النتيجة الى ميراث تاريخي قال ان المستشرقين لعبوا فيه دورا كبيرا حيث كان هناك تعاون "وثيق بين الدراسة العلمية والغزو العسكري الاستعماري المباشر...يندر أن نرى خبيرا من خبراء الاسلام لم يكن مستشارا للحكومة."

وضرب المثل بالمستشرق الهولندي سنوك هنجرونيي "الذي استغل الثقة التي أولاه المسلمون اياها في تخطيط وتنفيذ الحرب الهولندية الوحشية ضد أبناء شعب أتشيه المقيمين في سومطرة. ومع ذلك لاتزال الكتب والمقالات تتدفق علينا وتفيض بالثناء على الطابع غير السياسي للدراسة العلمية الغربية وثمار العلم الذي أتى به المستشرقون."

بدأ سعيد ناقدا للادب حيث صدر كتابه الاول عام 1964 (جوزيف كونراد ورواية السيرة الذاتية) عن الروائي البريطاني (1857 - 1924) ثم أصدر دراسات بارزة منها كتابه الشهير (الاستشراق) و(ما بعد السماء الاخيرة.. حيوات فلسطينية) و(لوم الضحايا) بالاشتراك مع الكاتب البريطاني كريستوفر هيتشنز و(الثقافة والامبريالية) اضافة الى سيرته الذاتية التي صدرت عام 2000 بعنوان (خارج المكان).

ورغم استجابته في نهاية الثمانينيات لدعوة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات للانضمام الى عضوية المجلس الوطني الفلسطيني بدون انتماء لاي من الفصائل الفلسطينية فقد عارض اتفاقات السلام المؤقتة وأصدر عام 1994 كتاب (غزة أريحا.. سلام أمريكي) وفي العام التالي أصدر كتاب (أوسلو 2 .. سلام بلا أرض).

وبدأت المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين عام 1991 ووقع الجانبان اتفاق أوسلو عام 1993 حيث تصافح عرفات ورئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق اسحق رابين الذي اغتاله متشدد يهودي في نوفمبر تشرين الثاني 1995.

وقال سعيد إن ردود الفعل الغربية إزاء الاسلام يسيطر عليها منذ أواخر القرن الثامن عشر نمط من الفكير الاستشراقي الذي يقسم العالم إلى قسم أكبر جغرافيا أسمه الشرق واخر أسمه "عالمنا" وهو الغرب. وبسبب انتماء الاسلام في نظرهم إلى الشرق نظروا إليه كوحدة متجانسة "بمشاعر بالغة الخصوصية من العداء والخوف معا.

"كان الغربيون يعتقدون في معظم فترات العصور الوسطى وفي مطلع عصر النهضة في أوروبا أن الاسلام دين شيطاني يتضمن الردة والتجديف والغموض. ولم يكن يعنيهم أن المسلمين يعتبرون محمدا نبيا لا الها وأما الذي كان يعني المسيحيين فهو أن يصفوا محمدا بأنه نبي كاذب. رجل يبذر الشقاق ويحب الملاذ الحسية ومنافق وعميل للشيطان."

وشدد سعيد على أن تاريخ المعرفة بالاسلام في الغرب ارتبط "ارتباطا وثيقا بالغزو والهيمنة. ان الاوان لقطع هذه الروابط قطعا مبرما والا سوف نجد أنفسنا لا نواجه التوتر فقط بل ربما الحرب أيضا بل سوف نقدم الى عالم المسلمين احتمال نشوب حروب كثيرة ومعاناة لا يتصورها العقل وفورات تأتي بالفواجع وليس أقلها خطرا مولد نوع من الاسلام المتأهب دائما للنهوض بالدور الذي أعدته له قوى الرجعية والتزمت واليأس."

وأشار سعيد إلى عدة أهداف تتحق معا بسبب "التبسط الشديد والمخل للاسلام من اثارة حرب باردة جديدة الى اثارة الكراهية العنصرية الى تعبئة الرأي العام لامكان القيام بغزوة جديدة إلى استمرار تحقير المسلمين والعرب."

وقال عناني مترجم الكتاب أستاذ الادب الانجليزي بجامعة القاهرة ان سعيد لو امتد به العمر ليصدر طبعة جديدة من هذا الكتاب "بعد غزو العراق وبعد غزو أفغانستان وأحداث 11 سبتمبر 2001 لاضاف مقدمة ثالثة تزيد من تأكيد صحة النتائج التي توصل إليها."

وشنت الولايات المتحدة في نهاية عام 2001 حربا لاسقاط نظام طالبان في أفغانستان بعد اتهام تنظيم القاعدة الذي استضافته بالقيام بهجمات 11 سبتمبر أيلول على الولايات المتحدة. كما غزت العراق في 20 مارس اذار 2003 وأنهت نظام الرئيس السابق صدام حسين وسقطت بغداد في التاسع من ابريل نيسان وأعلنت احتلالها العراق.

© Reuters 2005. All Rights Reserved

شبكة النبأ المعلوماتية -االسبت 6/ اب/2005 - 1/ رجب/1426