مستشفيات فيينا: المنتجع الصحي لقادة ومشاهير العالم

قبل وقت قصير من بدء الحملة الانتخابية التي قادته الى رئاسة جمهورية اوكرانيا أعلن الرئيس الاوكراني فيكتور يوشينكو أن الفضل في بقائه على قيد الحياة بعد دس السم في غذائه يعود الى العناية الالهية ثم الى الرعاية الطبية الفائقة التي تلقاها في مستشفى (رودلفينر هاوس) في فيينا.

وتزايد الاهتمام العالمي بمدرسة الطب النمساوي بشكل ملفت للنظر منذ هذا الاعلان ولاسيما بعد أن أثبتت المختبرات النمساوية وبما لا يدعو مجالا للشك وخلافا لتقارير العديد من المختبرات العالمية الاخرى ان فيكتور يوشينكو تعرض فعلا لحالة تسمم مقصودة.

وهذه ليست المرة الاولى التي تتوجه فيها انظار العالم الى النمسا بشكل عام وعاصمتها فيينا بشكل خاص باعتبارها احد مراكز التطبيب الهامة المعترف بكفاءته العلمية في هذا المجال.

واحتضنت المستشفيات النمساوية العديد من قادة ومشاهير العالم الذين يعود الفضل اليهم ايضا فيما بلغته النمسا من شهرة واسعة وما اصبحت تتمتع به من ثقة في الميدان الطبي.

ومن بين هذه الشخصيات نذكر على سبيل المثال ملك بريطانيا ادوارد الثامن الذي فضل فيينا على لندن للمعالجة حيث سعى البروفيسور هاينريخ نيومان في عام 1936 لشفائه من مرضه الخطير الا ان القدر كان هو الأقوى .

وفي عام 1952 فضل العاهل السعودي الملك عبد العزيز بن سعود مؤسس المملكة السعودية المعالجة في مستشفيات فيينا على غيرها وكذلك فعل ابناؤه وغيرهم من امراء المملكة من بعده.

واكد التاريخ المدون في فيينا ان المسؤولين السعوديين هم الذين أقنعوا شاه ايران رضا بهلوي بالمعالجة في فيينا بعد أن لمسوا هم بأنفسهم النجاحات المرموقة التي حققتها مدرسة فيينا الطبية وفعلا كان شاه ايران ثالث أكبر شخصية عالمية تتم معالجتها في عام 1972 في المستشفى الجامعي العام في فيينا.

ا - وتوافد اثر ذلك عدد من زعماء العالم على مستشفيات فيينا من بينهم الرئيس الاندونيسي السابق احمد سوكارنو وملك أفغانستان السابق محمد ظاهر شاه والعاهل المغربي الراحل الحسن الثاني ورئيس الوزراء الباكستاني الراحل علي بوتو والرئيس التشيكي السابق فاسلاف هافيل.

اما القادة السياسيون الكبار الذين لم يتمكنوا من القدوم شخصيا الى فيينا فقد استدعوا كبار اساتذة الطب النمساويين لمعالجتهم في بلدانهم مثل الرئيس الصيني ماوتسي تونغ الذي عالجه في بكين احد اكبر أساتذة الطب الباطني في النمسا وهوالبروفيسور كارل فيلينجر الملقب ب " ملك الأطباء وطبيب الملوك" لانه هو الذي اشرف على معالجة شاه ايران والملك عبد العزيز بن سعود وأبنائه .

وأصدر كارل فيلينجر أكثر من 300 مؤلف طبي بغض النظر عن المحاضرات والندوات الطبية الوطنية والعالمية التي كان يقيمها في مختلف العواصم ويرجع له الفضل في جعل النمسا اول دولة في العالم تبادر بالتلقيح ضد شلل الأطفال وذلك منذ عام 1949.

ومن بين النجوم العالميين خارج عالم السياسة الذين اختاروا النمسا لتلقي العلاج نذكر على سبيل المثال الممثل العالمي الشهير كورد يورغنس وقائد الاوركسترا العالمي ليونارد بيرنشتاين والعشرات من كبار الفنانين والممثلين.

وقد يتساءل المرء عن اسباب هذا الاهتمام الواسع بالطب في هذا البلد الصغير حيث لا يمكن الاجابة عن هذا السؤال دون العودة الى الوراء لمعرفة التطورات التي مرت بها مدرسة النمسا الطبية خلال العقود الماضية.

فلعل الكثيرين لم يعرفوا ان الجراح الشهير كرستيان تيودور (1829-1894 ) ومؤسس مدرسة فيينا الطبية هو الذي ادخل الوسائل الحديثة الاولى في جراحة المعدة والامعاء ومازالت هذه الوسائل منذ القرن التاسع عشر والى يومنا هذا تحمل اسمه.

ومن الاسماء التي خلدها تاريخ الطب مؤسس مدرسة فيينا في الامراض الجلدية وهو أستاذ الامراض الجلدية في جامعة فيينا فرديناند فون هبرا المعاصر لبيل روث .( - فرغم التطور الهائل الذي حصل في ميدان طب الامراض الجلدية فان الاطباء والاخصائيين في هذه الامراض مدينون في ابحاثهم اللاحقة الى هذا البروفيسور الذي قيل عنه انه قادر على اعطاء تشخيص دقيق وصائب للمريض بمجرد القاء نظرة سريعة على يديه وتقاسيم وجهه.

وجال فرديناند فون هبرا ربوع العالم شرقا وغربا وشمالا وجنوبا لدراسة مختلف الأمراض الجلدية حتى تجمعت لديه معلومات هائلة عن هذه الأمراض التي صنفها الى 12 نوعا واكتشف الأدوية الملائمة لكل صنف وركب دواء مشتركا بينها جميعا لا يختلف كثيرا عما نعرفه حاليا ب" المضادات الحيوية". ومن منا لم يسمع بالأشعة الصينية وبالتصوير الاشعاعي المعروف في كثير من بقاع العالم الا ان الكثيرين لا يعرفون أن مخترع الفحص الاشعاعي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر هو أحد أقطاب مدرسة فيينا الطبية فيلهيلم كونراد رنتغن ففي الثامن من شهر نوفمبر عام 1895 برهن رنتغن بشكل قاطع في مختبره على وجود اشعاع (اكس راي) وعلى الدور الهام الذي سيلعبه في ميدان الطب .

كما يجب الا ننسى عالم النفس النمساوي الشهير سيغموند فرويد (1856 - 1939) الذي قلب العديد من المفاهيم القديمة المتعلقة بالأمراض العصبية والنفسية رأسا على عقب وفرض نظريات مدرسة فيينا في التحليل النفسي التي مازالت معتمدة حتى الان .

وعلى ذكر مرض الاعصاب نذكر البروفيسور فالتر بيركماير(1910 - 1996 )المتخصص في علاج مرض باركنسون الذي اكتشفه وشخصه منذ بداية القرن التاسع عشرالطبيب البريطاني جيمس باركنسون فقد كرس الطبيب النمساوي بيركماير جل حياته في البحث عن أسباب مرض باركنسون وعن ايجاد العلاج الملائم لهذا المرض الذي يصيب الجهاز العصبي ويؤدي الى " الشلل الاهتزازي بحيث يفقد المرء توازنه وسيطرته على الحركة .

فقبل حوالي أربعين سنة ذاع صيت هذا الطبيب في أهم المراكز العلمية في العالم عندما استخدم بنجاح طريقته في معالجة مرض باركنسون واسهمت هذه الطريقة مساهمة فعالة في التخفيف من الام هذا المرض ومن سرعة انتشارها في أنحاء العالم واصبح لا غنى عنها في العلاج.

كما حقق الباحثون النمساويون اخيرا انجازا هاما قد تكون له أبعاد كبيرة لعلاج داء نقص المناعة المكتسبة المعروف اختصارا بالايدز.

فقد اعلنت الباحثة النمساوية في المستشفى الجامعي للاطفال في فيينا الدكتورة دانيلا تساكون ان الاطباء في هذا المستشفى تمكنوا من اكتشاف علاج قادر على التقليل بشكل كبير من خطر اصابة الجنين بمرض نقص المناعة المكتسبة الذي تحمله أمه.

واثبتت الاحصائيات أنه تم انقاذ 39 طفلا من هذا الخطر القاتل وان هؤلاء الاطفال الذين وضعوا تحت العناية الطبية المستمرة لمدة طويلة تماثلوا للشفاء ونجوا تماما من مرض الايدز ولكن دون أن يتم القضاء على هذا الفيروس عند أمهاتهم.

وهنا لابد من الحديث عن أهم معلم طبي في النمسا وهو " مستشفى فيينا الجامعي العام " الذي يعتبر ثاني أكبر مستشفى في اوروبا ومن بين اهم وأحدث المستشفيات العالمية حيث استغرق بناء هذا المستشفى العملاق حوالي اربعين سنة.

ويعود تاريخ وضع الحجر الاساسي له الى عام 1955 وبلغت تكاليف هذا المستشفى حوالي 5ر5 مليار دولار وهي في تزايد مستمر مع إدخال التحسينات والأجهزة الجديدة حيث يستقبل المستشفى أكثر من ستين ألف مريض سنويا ويعمل فيه أكثر من ثمانية الاف موظف من بينهم اكثر من 1400 طبيبا وحوالي 3000 ممرض وممرضة وموظفين صحيين .

كما توجد في المستشفى عشرة معاهد تعليمية تابعة لجامعة فيينا يتدرب فيها طلاب كلية الطب علاوة على 25 عيادة وعدة مستشفيات صغيرة ومتوسطة الحجم بكامل طاقمها الطبي ومعداتها التي تعتبر آخر ما أنتجته الصناعة الطبية.

وتبلغ مساحة المستشفى مايزيد على مليوني متر مكعب بحيث يتسع هذا الحجم الهائل يتسع لحوالي ثلاثين مستشفى مستقل لو توزع بناؤه على ولايات النمسا .

المصدر: كونا

شبكة النبأ المعلوماتية - الجمعة 22/ تموز/2005 - 14/ جمادى الأولى/1426