اختفاء المعارك الأدبية من ساحة الثقافة العربية

كتب المحرر الثقافي: لماذا اختفت ظاهرة ما سميت بـ(المعارك الأدبية) مما كانت تدور في الصحافة العربية وتحديداً إبان فترة صعود المشاهير إلى سلم الأدب والثقافة وفي الفترة التي أعقبت الحرب الكونية الأولى وحتى أوائل الستينات تقريباً من القرن العشرين المنصرم.

فعلى صعيد الحياة الثقافية العربية تمثلت المعارك الأدبية في وجودها في البلدان العربية ذات الجذور الحضاري الأكثر تجذراً في مجتمعاتها. ولو تم أخذ (نموذج الساحة الثقافية العراقية لرأينا أن هناك معارك شهدتها المجلات والجرائد الصادرة في بغداد بين الشاعرين (الرصافي والزهاوي) حيث كانا يسطران خلافاتهما في وجهات النظر أحياناً عبر أبيات شعرية بطريقة شعر القافية وطبيعي فإن المعارك الأدبية لم تقتصر على الداخل الثقافي العراقي عليهما إذ كانت هناك معارك مشابهة بين الأديبين البغداديين محمد بهجت الأثري ورفائيل بطي وغيرهما.

أما في مصر التي يعود لها فضل زيادة الزخم والترجمة العصرية وتيسير مؤلفاتها وما كانت تنشره صحفها فقد شهدت ساحة القاهرة الثقافية هي الأخرى معارك أدبية بين (عباس العقاد وأحمد شوقي) وكان أسلوب الصراع الأدبي يخرج أحياناً عن أصول النقد ليصل إلى نقطة الهجوم وتتفيه الآخر والاحتجاج عليه.

هذا في حين شهدت الساحتين العراقية والمصرية معارك أدبية من نوع آخر بين الأديب أو الأديبة مع الجمهور المثقف في كل ساحة على حدة ففي العراق حين أخذ اسم الشاعرة (نازك الملائكة) يلمع في أواسط الأربعينات من القرن الماضي باعتبار أول من كتب القصيدة الشعرية بأسلوب نثري أي دون قافية حتى سمي هذا النوع من الشعر بـ(القصيدة النثرية) لم يستسغ الجمهور هذا النوع من الشعر إلا أنه سرعان ما أصبح تقليداً في النتاج الأدبي العربي حيث ظهر بعد ذلك شعراء من أمثال نزار قباني وغيره ممن اعتمدوا على هذا النمط من الشعر النثري وتأليف قصائدهم وفي مصر أثار كتاب (الشعر الجاهلي) لطه حسين جدلاً واسعاً حتى بين بعض مريديه.

وحيث نشط إطلاع الجمهور العراقي على أدبيات مصر من الإطلاع على مؤلفاته أو صحفها فقد حدث أكثر من احتدام أدبي بين الشاعر العراقي الزهاوي والشاعر المصري أحمد شوقي وبين الأول مع الكاتب عباس العقاد أيضاً ويمكن اعتبار ذلك أول الغيث الثقافي لمعرفة طريقة التفكير لدى بعض أدباء الساحة الثقافية العربية.

كما شهدت الأوساط الثقافية بين البلدين العراق ومصر نوع آخر من الصراع الثقافي ولكن في تلك المرة في المجال اللغوي العربي وحدث هذا بين من أطلق عليه عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين في القاهرة والدكتور مصطفى جواد ببغداد حيث شهدت سنين نهاية الخمسينيات من القرن الماضي توجيه نقد شديد اللهجة من قبل الثاني على الأول لما أخذ يتمحص الأخطاء اللغوية التي كانت تنشرها الصحف المصرية لطه حسين وكان مصطفى جواد يتساءل من الأول كيف أن هناك من تجرأ وأطلق عليك لقب (عميد الأدب العربي) وأنك لم تضبط بعد حالة النصب من حالة الجزم في تعابير ما تنشره حتى اضطر حسين التوسط المباشر لدى بعض العراقيين المثقفين أن يترجوا الدكتور مصطفى أن يوقف حملته ضده.

واليوم فإن مثل تلك المعارك الأدبية الشيقة قد اختفت من الساحات الثقافية العربية لكثرة الدخلاء عليها أولاً وقلة المخلصين فيها وتقافز بعضهم من انتهازية إلى أخرى.

شبكة النبأ المعلوماتية - الاثنين 11/ تموز/2005 - 3/ جمادى الأولى/1426