ارهاب في مدينة الضباب

 محمد حسن الموسوي

لندن مدينة الضباب, معشوقة الشيب والشباب, مدينة التايمز الحالمة, اغمضت عينيها جذلانة فرِحة باختيارها مدينة للأولمبياد القادمة, فرَحة ٌ ما اراد لها البرابرة ان تدوم, فتصحو المدينة الزاهية على دوي الانفجارات, لكنها ليست مفرقعات الالعاب النارية التي تطلق عادة عند الابتهاج بل هي صولة مشؤمة للغزاة العربان من بني سلف بن قاعدة اللادني بن قحطان. سلسلة انفجارات تحمل معها رسل الموت للابرياء من الرجال والاطفال والنساء. فعلة ٌ شنيعة ٌ وخزيٌ وفضيحة ٌ عند الاسوياء من خلق الله  الرحماء, لكنها عند التكفيريين غزوة ونصر كغزوة أُحد وبدر.

اذا هو الارهاب في مدينة الضباب. من يقف وراء هذه الفعلة النكراء؟ بالنسبة اليَّ الفاعل معروف ومشخص وقد ذكرته بالاسطر السالفة. انهم الارهابيون الوهابيون من انصار القاعدة. لا أشك في ذلك قيد أنملة.  

وربَّ سائل يسأل ما الذي يجعلك متأكداً من ان الجناة هم ارهابيو القاعدة؟ فاجيب وبكل بساطة ان لندن مدينة  العشق والحياة وهم اي الوهابيون  القاعديون مدمنوا القتل والتدمير والفناء  يكرهون الحياة والبقاء فانى للفناء والبقاء  من لقاء؟ .

 من يتلذذ بقتل المخالفين له بالرأي والعقيدة غير اتباع القاعدة. من يستسهل اراقة دماء الابرياء بحجة انهم مشركون غير ارهابيي القاعدة. من ينظر الى الحياة الواسعة من خرم ابرة ويكفر هذا ويخرج من الملة ذاك غير الارهابيين الوهابيين.

 من يتعامل مع ابناء الانسانية الواحدة على اساس الدين والمذهب لا على اساس وحدة النوع الانساني غير ضيقي الافق من التكفيريين القاعديين ومعهم المتطرفين. من يريد اقامة دولة (الخلافة الاسلامية) في عاصمة اوربا العلمانية والعالم المتحضر لندن غير المتزمتين السلفيين من وهابيين وقاعديين واتباع حزب التحرير وحركة المهاجرين وبقية المتخلفين.

 من يستلذ بحرق لندن وتدميرها بدعوى انها عاصمة بلفور وينسى انها عاصمة بلير الذي يصر على قيام دولة فلسطين غير القُتاديين جماعة ابو قتادة الفلسطيني  والعوران او العورانيين اتباع الاعور أبو حمزة المصري. من يتمنى لعاصمة الوئام الخراب لأنها (دار الكفر) ويحرض العاطلين عن العمل في الصلوات  على كراهية (الغرب الكافر) غير التكفيريين الذين ومن عجب تأويهم لندن بعد ان تتقيأهم دولهم.

 هؤلاء جميعاً  ارهابيون قاعديون وان لم ينتموا الى تنظيم القاعدة الا انهم جميعاً يحملون نفس العقلية ويشتركون بنفس النهج لأن منبع افكارهم واحد الا وهو الوهابية السلفية التكفيرية التي تزعم انها وحدها تملك الحق والاخرين على باطل وضلال مبين.

 ان اتباع الوهابية وهي الان مذهبٌ فكريٌ وسياسيٌ  بالاضافة الى كونها مذهبا ً فقهيا ً اكثر الناس تطبيقا ً للمبدأ الميكافيلي (الغاية تبرر الوسيلة) ولما كانت غايتهم اقامة دولة الاسلام على انقاض دول (الشرك) و محاربة المشركين وهم كل من انتحل ديناً او مذهباً او رأياً غير مذهب أبن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب اجازوا لأنفسهم استخدام اقذر الطرق وابشعها لتحقيق غايتهم منطلقين من فهم مغلوط لقوله تعالى ( واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل  ترهبون به عدو الله وعدوكم).

لا نذيع سراً ان اتباع هذه العقيدة المنحرفة يعتبرون الارهاب ركنا ً اساسيا ً  من عقيدتهم وقد صرح  بذلك (ابو الغيث) الناطق باسم القاعدة بعيد احداث الحادي عشر من ايلول  المروعة معتبراً ارهاب (المشركين) من صميم عقيدتهم وهذا ما يفعلونه اليوم في العراق من قتل للابرياء الشيعة بدعوى انهم مشركون ومرتدون عن الاسلام ومتواطؤن مع الكتابيين (المشركيين) وما ينطبق على المسلمين الشيعة ينطبق على المسلمين الاخرين الذين لايدينون بدين الوهابية فما بالك اذاً بغير المسلمين؟

 وما بالك بالبريطانيين الذين يُنظر اليهم على انهم السبب في ضياع فلسطين والقدس اولى القبلتين وثالث الحرمين وانها السبب في تحطيم دولة الخلافة الاسلامية ؟ واذا اضفنا الى ذلك موقف لندن الأخير من حربي تحرير افغانستان والعراق من عصابتي طالبان والبعثيين عند ذلك تصبح لندن هدفاً مشروعاً في نظر القاعديين وانصارهم.

 لم يشفع للمساكين اللندنيين احتجاجاتهم والمظاهرة المليونية التي نظمتها قوى اليسار ضد قرار حكومتهم المشاركة في الحرب ضد صدام ولم يمنع ذلك من استهدافهم بعمل ارهابي وهم الذين عابوا على حكومتهم استخدام القوة والعنف في حل الازمات الدولية لكن الارهابيين لم يثمنوا للبريطانيين موقفهم هذا فكان جزاءهم التفجير والقتل.      

كثيرة هي الطروحات التي  تحاول تفسير الارهاب الوهابي القاعدي بيد انه يمكن حصرها بطرحين اثنين . الاول يرجع ارهاب القاعدة والوهابيين الى الاوضاع المتردية في الشرق الاوسط وتسلط الانظمة الفاسدة على الشعوب هنالك والاحتقان السياسي الذي يسببه هذا التسلط وما ينتج عنه من قمع للحريات وبطالة وتضخم اقتصادي وتردي في الوضع الاجتماعي. والثاني  يرجع الارهاب الى طبيعة الارهاب القاعدي الوهابي ذاته الذي يرغب بالتوسع وفرض هيمنته على العالم باسماء وعنوايين وشعارات متنوعة.

من الممكن لاي مراقب ان يرصد ذلك اي رغبة الارهاب في فرض هيمنته على الدول والمجتمعات وخصوصا في الشرق الاوسط باسم الاسلام . الا ان الملاحظ ان الارهاب الوهابي القاعدي في العالم يقوده اليوم فلسطينيون فالرنتيسي وياسين كانا في فلسطين, والزرقاوي الاردني من اصل فلسطيني في العراق, وابو قتادة الفلسطيني في بريطانيا وابو محمد المقدسي في الاردن والقائمة تطول. هذا اذ ما عرفنا ان الفلسطينيين هم اول من سنَّ سنة خطف الطائرات وتفجيرها واختطاف الرهائن وقتلهم او المساومة بهم واشخاص كابو نضال وابو علي وابو العباس وفؤاد حجازي اغنياء عن التعريف في هذا المجال والأخير ترك في قلب كل عراقي لوعة حينما كان مديرا لجهاز مخابرات صدام وكذلك منظمات فلسطينية كالجبهة الشعبية والجبهة العربية لتحرير فلسطين و حماس والجهاد  ومنظمات فلسطينية اخرى لها باع طويل في العمل الارهابي.

تبدو فلسطين لدى الارهابيين عقدة المنشار. لكن هل لقتل الشيعة في العراق صلة بتحرير فلسطين علما ً ان الشيعة في لبنان وايران والعراق اكثر من ضحى لاجل فلسطين؟ وهل لقتل الابرياء في مترو الانفاق وفي حافلات النقل في لندن صلة بازالة المستوطنات الاسرائيلة من غزة ورفح؟ وهل  تشوية صورة الاسلام  لدى الغرب من خلال القيام بمثل هذه الاعمال سيدفع العالم المتحضر للوقوف الى جنب الفلسطينيين في حقهم في اقامة دولتهم الموعودة؟

اسئلة يُحار العقل الارهابي كيف يجيب عليها . لكن هل للارهابيين عقول يتفكرون بها او قلوب يتبصرون بها (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ )؟ استبعد ذلك فمن يجرؤ على سرقة البسمة من الشفاه وقتل الطفولة في العراق ولندن ونيويورك ومدريد قطعا عديم القلب والعقل والبصر. لكن تبقى لندن مدينة الضباب اقوى من ان يهزمها ارهاب العربان. فمدينة انجبت شكسبير وبرناردشو وتشرشل لايهزمها اقزام القاعدة والوهابية اللقطاء خفافيش الظلام الجبناء.    

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية - الاحد 10/ تموز/2005 - 2/ جمادى الأولى/1426