خبراء الدراسات الإسلامية : الإسلام له جذور عميقة في أميركا

 قال خبراء في الدراسات الإسلامية إن الإسلام منتشر في الولايات المتحدة وله جذور عميقة ممتدة فيها بما يجعله جزءاً لا يتجزأ من التجربة الأميركية إلى حد لا يتصوره البعض ممن لا يدركون وجود هذه الصلة.

تأثير الإسلام في أميركا موضوع جلبه إلى دائرة الضوء والاهتمام معرض عن السيرة الذاتية لعمر بن سعيد، الذي جُلب إلى الولايات المتحدة كعبد من منطقة غرب إفريقيا. وكتاب سيرته الذاتية الذي كتبه في العام 1831 هو كتاب السيرة الذاتية الوحيد لأحد العبيد الذين جُلبوا إلى أميركا أثناء عيشهم في الرقيق. ويتضمن الكتاب نسخة بخط اليد لسورة من سور القرآن الكريم هي سورة المُلك.

كتب عمر بن سعيد سيرته الذاتية باللغة العربية، وتتضمن وصفاً لبعض الأحداث في حياته، وتمسكه الراسخ بالإسلام، وقابليته للانفتاح على الآخرين "ممن يخشون الله."

أقيم المعرض في البهو الرئيسي لمبنى الأمم المتحدة في نيويورك واستمر من 27 حزيران/يونيو إلى الأول من تموز/يوليو 2005. كما عُقدت ندوة عن "جذور الإسلام في أميركا تزامنت مع افتتاح المعرض.

ولد عمر بن سعيد في منطقة فوتا تورو الواقعة بين نهري السنغال وغامبيا في القرن الثامن عشر وأمضى 25 عاماً من عمره في دراسة حياة ومؤلفات كبار الباحثين والدارسين المسلمين في المنطقة. وفي العام 1807 تم أسره أثناء نزاع عسكري، وأصبح عبداً مملوكاً للأعداء الذين باعوه للأوروبيين، ونقلوه على متن سفينة إلى ولاية نورث كارولينا الأميركية حيث وقع في يد أحد ملاك المزارع وبقي عاملا كادحاً لديه حتى وفاته في العام 1864.

يعد كتاب السيرة الذاتية لعمر بن سعيد أحد النفائس الأدبية لفترة ما قبل الحرب الأهلية الأميركية، وكان مفقوداً منذ حقبة العشرينات من القرن العشرين إلى أن تم اكتشافه في صندوق سيارة قديمة بولاية فيرجينا في العام 1995 ثم بيع في مزاد العام 1998 لدريك بيرد أحد هواة جمع واقتناء التحف والأعمال الفنية للمسلمين والأفارقة الأميركيين أثناء القرون الـ18 والـ19 والـ20.

وقال بيرد إن المخطوط أو الكتاب، يوضح أن الإسلام ليس جديدا على أميركا. وكان كتاب السيرة الذاتية هذا مملوكاً لأحد دعاة إلغاء الرق الذي كان يريد أن يبرهن على أن السود ليسوا من مرتبة أدنى من غيرهم.

أما بالنسبة للندوة التي عقدت حول جذور الإسلام في أميركا، فقد ضمت باحثين من الأميركيين المسلمين والأفارقة، وقد ذهبت إلى ما هو أبعد من المعرض لتتناول مواطن القوة والتراث الذي أضافه المهاجرون المسلمون إلى الولايات المتحدة، هم وغيرهم من الجماعات الدينية والعرقية الأخرى الذين إما جاءوا طوعاً بحثاً عن حياة جديدة، أو استُجلبوا إليها كرقيق مثل عمر بن سعيد.

وما زال المسلمون يواصلون إضافاتهم إلى التراث الغني للولايات المتحدة بأساليب مختلفة جعلت وجودهم راسخاً ومتأصلا في هذا البلد بحيث ينظر إليهم على أنهم "أميركيون" بالفعل. فيجب أن يتم تذكير معظم الأميركيين بأن بعض موسيقاهم وأغنياتهم المفضلة، أو الكلمات التي يستخدمونها لها جذور في الإسلام. وذرية عمر بن سعيد أو ذرية غيره من العبيد قد أصبحوا أحراراً، وأن الأميركيين المسلمين لهم وجود كبير في الولايات المتحدة ويصنفون بين أكثر الموسيقيين والفنانين والرياضيين والباحثين والمعماريين شعبية واحتراماً في العالم، وهذه بعض التخصصات التي ذكرها المشاركون في الندوة على سبيل المثال لا الحصر.

قالت سيلفيان ديوف، الباحثة في مركز شومبرغ للدراسات الخاصة بثقافة السود، إن من أهم ما خلفه المسلمون الأوائل هو "انتصار الروح الإنسانية."

وأضافت "تخيل نفسك لو كنت عبداً تعمل في قطع عيدان قصب السكر من مطلع الشمس إلى مغيبها، أو تجمع القطن، وأنت ما زلت تعتبر نفسك باحثاً وزعيماً دينياً ودارساً، وتكتب. وأنك حينما تتوفر لديك ورقة تقوم بنسخ آيات من القرآن الكريم، أو مقاطع من الإنجيل. وتقوم بتنظيم فصول لتعليم أبنائك الكتابة والقراءة، وكل ذلك وأنت ما زلت مستعبدا كرقيق. وتفعل كل ذلك في السر. إن هذا هو انتصار الروح الإنسانية."

وتحدثت ديوف أيضاً عن الآثار التي خلفها الإسلام على الموسيقى والعادات والتقاليد والمفردات المستخدمة في دول الأميركتين، وما زالت قوية إلى الآن.

أما الباحث زاهد بخاري وهو زميل في مركز التفاهم الإسلامي المسيحي بجامعة جورج تاون، فقد قال إنه إذا طُلب من المسلمين في جميع أنحاء العالم أن يذكروا أسماء أكثر خمس شخصيات إسلامية محبوبة في القرن الـ20 ، "فإنني واثق من أن هناك شخصيتين ستكونان ضمن الخمس: وهما محمد علي ومالكوم إكس."

وأضاف بخاري أنه اكتشف من خلال أبحاثه أن تجمعات المسلمين في أميركا تصنف عند مستوى يفوق المتوسط السائد على المستوى القومي بالنسبة للتعليم، وأن أفرادها أصغر سناً، وتضم نسبة مرتفعة من أصحاب التخصصات المهمة والباحثين والخبراء في جميع المجالات، بدرجة تزيد على ما هو كائن بالنسبة لتجمعات المسلمين في أي دولة أخرى في العالم.

ففي الولايات المتحدة الآن "هناك 35% من المسلمين من مواليد الولايات المتحدة؛ وأن 64% منهم ولدوا في 80 دولة مختلفة أخرى. وهذا يبين مدى اتساع نطاق التنوع بين أفراد الجالية المسلمة."

وقال بخاري "إذا كنت مسلماً تنتمي إلى أي جزء من العالم وتود رؤية مسلم آخر يتنمي إلى منطقة أخرى من العالم، فأمامك اختياران لا ثالث لهما: إما أن تذهب للحج، أو أن تذهب إلى أميركا لتجد هذا المسلم. وهذا يبين مدى تنوع المسلمين في الولايات المتحدة."

وأضاف أن عمر بن سعيد قد نسخ سورة من سور القرأن الكريم في العام 1831، لكن العبيد والسود الآخرين الذين تحرروا من الرق قاموا بنسخ المصحف كله في أميركا. ويروى أنه أثناء الحرب الأهلية، حينما أشرفت إحدى مدن الجنوب الأميركي أن تتعرض للتدمير، طلب المسؤولون في كلية جامعية بالمدينة من جيش الاتحاد أن يسمح بالحفاظ على الكتب، وأن "الكتاب الوحيد الذي تمت المحافظة عليه من بين كل الكتب بمكتبة المدينة، كان نسخة من القرآن الكريم."

أما بيرد، وهو من يملك كتاب السيرة الذاتية لعمر بن سعيد فقد قال إنه من خلال ترحاله في أنحاء متفرقة بالولايات المتحدة، وجد في المدن الداخلية "أن النشاط الاقتصادي والحياة الاقتصادية الحقيقية كانت بين التجمعات الإسلامية فحسب. ثم أشار إلى أنه وجد "تبادلا تجارياً وعلاقات اجتماعية، وإحساساً بالقيم المعنوية والأخلاقية، وإحساساً بالاحترام."

وقال " إن الإسلام أوجد تأثيراً إيجابياً كبيراً في الولايات المتحدة."

لكن من ناحية أخرى قال بيرد إنه بعد ترحاله في دول الشرق الأوسط خلال الآونة الأخيرة، وجد أن المسلمين في المناطق الأخرى من العالم لديهم فهم محدود للحياة في الولايات المتحدة، وأن ما لديهم هو "مفهوم مختلف تماماً، وليست لديهم أي معلومات عن الظواهر الاقتصادية التي تحدث في الولايات المتحدة، ولا عن التنوع الثقافي والديني في أميركا."

شبكة النبأ المعلوماتية - الخميس 7/ تموز/2005 - 29/ جمادى الأولى/1426