رفسنجاني صانع الملوك يخرج من حلبة السياسة: يتذوق مرارة الهزيمة والاذلال بعاصفة نجاد توسونامي

تقدم الرئيس الايراني السابق اكبر هاشمي رفسنجاني (70 عاما) الى الانتخابات الرئاسية كمن يتجرع "كأسا مرا" بعد ان اعلن مرارا ان سبب ترشحه هو "المصلحة الوطنية وعدم ايجاد مرشح آخر" ولم يكن بامكان هذا الركن الاساسي في الجمهورية الاسلامية ان يتصور انه سيتذوق "مرارة" الهزيمة بعد حياة سياسية حافلة بالانتصارات.

فقد كان من الصعب على رجل الثورة هذا رفيق الامام الخميني وقائد الجيوش خلال الحرب على العراق والرئيس الذي تولى اعادة بناء ايران و"صانع الملوك" ان يتخيل انه سيهزم في مواجهة شخص مجهول تقريبا يصف نفسه ب"عامل التنظيفات على طرقات الامة الايرانية" المحافظ المتشدد محمود احمدي نجاد.

وقد اوضح بعد تردد طويل في العاشر من ايار/مايو انه قرر الترشح الى الرئاسة بسبب عدم اهلية المرشحين المتقدمين.

والانطباع السائد عنه انه الوحيد بخبرته ونفوذه ومهارته قادر على انهاض الاقتصاد كما عمل على اعادة بناء البلاد بعد الحرب على العراق خلال ولايته الرئاسية (1989-1997) وقادر على استئناف العلاقات مع الولايات المتحدة المقطوعة منذ حوالى ربع قرن.

وكانت كل التوقعات ترجح فوزه. وكان النقاش الوحيد يتناول احتمال خوضه دورة ثانية ام لا.

في حملته الانتخابية ركز على الظهور بمظهر الرجل الحديث رغم تقدمه في السن من اجل جذب الشباب والمتمسكين بالليبرالية التي ارساها الرئيس محمد خاتمي. فظهر على التلفزيون احيانا من دون عمامته وتحدث مع الشباب عن الموضة والعلاقات بين الجنسين. كما اكد انه لن يعيد النظر في الاصلاحات الاجتماعية المكتسبة خلال عهد خاتمي.

ولكن هذه الصورة اثارت صدمة بين الايرانيين المتمسكين بالقيم الثورية والاسلامية.

واضطر رفسنجاني الى الدفاع عن نفسه في مواجهة الاتهامات بامتلاكه احدى اكبر الثروات في ايران. وبدا ذلك متناقضا تماما مع التواضع الذي اظهره خصمه احمدي نجاد والذي ساهم الى حد كبير في اتساع شعبيته.

وقال رفسنجاني "ممتلكاتي اليوم لا تساوي نصف قيمة المنزل الذي كنت املكه قبل الثورة". ومع ذلك عندما هاجم خصمه احمدي نجاد "العائلات المتحكمة بالنفط" اتجهت كل الانظار اليه كون عائلته تملك على ما يبدو مصالح كبيرة في الصناعة النفطية.

واضطر الرجل الثاني في النظام بعد المرشد الاعلى للجمهورية علي خامنئي في الدورة الثانية من الانتخابات الى الانتقال الى دور من يشرح للايرانيين ان خيارهم هو "مع او ضد احمدي نجاد".

وحاول ان يظهر بمظهر "الاب الحريص على الامة" منددا بعمليات التزوير في الانتخابات وداعيا الى "ائتلاف وطني" لمواجهة "التطرف" مؤكدا انه يمثل "الاعتدال".

ووعد الطلاب الذي التقاهم في مسرح جامعة طهران والذين كانوا يسمونه حتى عام مضى "بينوشيه" نسبة الى الدكتاتور التشيلي السابق بالمضي في الاصلاحات. واستمع اليهم يصرخون "غانجي غانجي" وهو اسم احد السجناء السياسيين مطالبين بالافراج عن هؤلاء السجناء من دون ان يقوم باي ردة فعل.

وحكم على اكبر غانجي بالسجن لاتهامه مسؤولين في النظام وبينهم رفسنجاني بسلسلة اغتيالات استهدفت شخصيات يسارية وليبرالية في بدايات الثورة الاسلامية.

وقبل ثلاثة ايام من الانتخابات وخلال لقاء شعبي في جنوب طهران تقدمت امرأة من رفسنجاني ونزعت له عمامته بينما غرق الحضور بالضحك فيما قال عدد كبير من المشاركين في الاجتماع انهم سيصوتون لاحمدي نجاد. وبدا ذلك بمثابة مقدمة للهزيمة المذلة المنتظرة.

وفي محاولة يائسة للهروب الى الامام قبل بضع ساعات من الانتخابات وعد الايرانيين بدفع مليارات الدولارات كتعويضات للعاطلين عن العمل وبضمان صحي للجميع وبقروض على المدى الطويل للعائلات الايرانية من اموال تخصيص مؤسسات في القطاع العام.

ولعله كان يتساءل من دون ان ينعكس ذلك على وجهه بتاتا لدى ادلائه بصوته الجمعة في حي يقيم فيه كبار رجال النظام في شمال طهران ما اذا كان يعيش اللحظات الاخيرة من حياة سياسية حافلة بدأت سنة 1963 لدى توقيف شرطة الشاه الامام الخميني في قم (وسط ايران).

كان رفسنجاني في حينه طالبا في الفقه الاسلامي. وقد اوقف بدوره واصيب بجروح في بطنه في اعتداء استهدفه.

وعوضته الثورة الاسلامية عن ذلك بكثير من المجد. اما هو فكان لا يزال يسعى الى "دور تاريخي" كما قال امس.

فقد اتسمت رئاسته السابقة باعادة البناء والانفتاح على الخارج انما ايضا بانتهاكات حقوق الانسان والتضخم وديون باهظة ومحاولات فاشلة للتقارب مع الولايات المتحدة. وكان يريد انهاء هذه المهمة الاخيرة بالذات. لكن الايرانيين لم يسمحوا له بذلك.

هذا ووصف المقربون من المحافظ المتشدد احمدي نجاد فوزه بمثابة "تسونامي" لكنها موجة قد تؤدي الى تغيير جذري في الوضع داخل ايران وفي علاقاتها مع الغرب.

وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية جهانبخش خانجاني للصحافيين ليل الجمعة "لقد فاز".

وحصل احمدي نجاد الذي كان مجهولا من العامة قبل ان يصبح عمدة طهران في 2003 على نسبة تفوق 61% من اصوات الناخبين بحسب المتحدث.

وعلق المقربون منه الذين كانوا في وزارة الداخلية بالقول "انها ظاهرة تسونامي" في اشارة الى انتخابات مصيرية حملت اكبر كم من المفاجآت في تاريخ الجمهورية الاسلامية.

وكان احد المقربين من خصم احمدي نجاد الرئيس الايراني السابق اكبر هاشمي رفسنجاني اقر في وقت سابق لوكالة فرانس برس بالهزيمة. فقال "لقد قضي الامر".

واحمدي نجاد هو الاول من غير رجال الدين الذي يصبح رئيسا للسلطة التنفيذية بعد عهدين قصيرين بعد انتصار الثورة بين 1979 و1981.

وبدلا من الاعتدال الذي جعله رفسنجاني شعارا له قد تسير الجمهورية الاسلامية الان على طريق الراديكالية مع رجل يدعو الى التزام تام بالقيم الاسلامية والثورية وبالتشدد مع الدول الغربية في وقت تحاول هذه الدول الحصول على ضمانة بعدم تصنيع الايرانيين سلاحا ذريا.

وجذب احمدي نجاد الاوساط الفقيرة ببساطته وسمعته كمسلم ملتزم وخطابه الشعبي الواعد باعادة توزيع الثروات الوطنية على الشعب.

وقال لدى ادلائه بصوته الجمعة "انا فخور بان اكون الخادم الصغير وعامل التنظيفات على طرقات الامة الايرانية". وحيا "الامام الخميني والاوفياء له (...) وشهداء الاسلام والحرية".

وترافقت العملية الانتخابية التي جاءت بعد اصلاحات نسبية ولكن واضحة في ظل عهد خاتمي مع توتر كبير. وبهدف تجنب اي اعمال عنف محتملة منع المرشد الاعلى للجمهورية علي خامنئي الاحتفال بالفوز في الشوارع.

وكان فريق رفسنجاني اشار الى وقوع "تجاوزات كبيرة" خلال العملية الانتخابية. واعلن مسؤول في الحملة الانتخابية لرفسنجاني غلام حسين كرباشي ان عددا من المراقبين المنتدبين من رفسنجاني في مراكز الاقتراع تعرضوا للتوقيف وبعضهم للضرب.

وبعد تأهل احمدي نجاد المفاجىء الى الدورة الثانية قبل اسبوع اشار خصومه الى ان عددا من صناديق الاقتراع تضمنت اصواتا اكثر من عدد الناخبين الذين اسقطوا اوراقهم فيها والى ضغوط مورست على الناخبين وتعبئة لصالح احمدي نجاد في صفوف حراس الثورة (الباسدران) والميليشيات الاسلامية (الباسيج).

وفي الدورة الثانية ايضا ندد المتحدث باسم الداخلية بوجود عناصر "لا عمل لهم" في مراكز الاقتراع.

واتهم خصوم احمدي نجاد المؤسسات التي يسيطر عليها المحافظون وبينها مجلس صيانة الدستور بالوقوف الى جانب الرئيس المنتخب.

وكانت السلطة التنفيذية آخر مؤسسة في يد الاصلاحيين وقد خسروها اليوم. فيما يسيطر المحافظون على كل الهيئات الرئيسية غير المنتخبة في النظام بالاضافة الى السلطة التشريعية منذ فوزهم بمجلس الشورى الايراني العام الماضي اثر رفض مجلس الشورى ترشيحات الاصلاحيين.

وفي اول رد فعل اميركي على نتيجة الانتخابات اعتبرت وزارة الخارجية الاميركية ان ايران "تخلفت عن تيار" الحرية في منطقتها.

وقالت المتحدثة باسم الخارجية الاميركية جوان مور "هذه الانتخابات كانت مشوبة بالعيوب منذ بدايتها بسبب قرار بعض الاشخاص غير المنتخبين رفض اكثر من الف ترشيح" الى الانتخابات الرئاسية.

وسيصبح أحمدي نجاد اول رئيس من غير رجال الدين في ايران منذ 24 عاما عندما يتولى السلطة في اغسطس اب.

وأورد تلفزيون الدولة ان النتائج النهائية تشير الى ان أحمدي نجاد حصل على 62 في المئة متحديا توقعات قبل الانتخابات بان يكون السباق متقاربا.

وأضاف أن 27.9 مليون ناخب أدلوا باصواتهم في جولة الاعادة وهو ما يعادل ستين بالمئة من بين 46.7 مليون ناخب يحق لهم التصويت. وفي الجولة الاولى بلغت نسبة الاقبال 63 بالمئة.

وللزعيم الاعلى الايراني اية الله على خامنئي القول الفصل في كل شؤون الدولة غير ان وجود رئيس متشدد سيزيل التاثير المعتدل على صنع القرار الذي كان يمارسه الرئيس المنتهية ولايته محمد خاتمي منذ عام 1997.

وقال كريم ساجدبور المحلل بالجماعة الدولية للازمات والمقيم في طهران "هذا يغلق الباب تقريبا امام حدوث انفراج في العلاقات الامريكية الايرانية."

وقطعت واشنطن العلاقات مع ايران في عام 1980 وهي تتهمها الان بتطوير اسلحة نووية ودعم الارهاب. وتنفي ايران رابع اكبر منتج للنفط في العالم هذه الاتهامات.

وقال ساجدبور "أعتقد ان احمدي نجاد اقل استجابة للتنازل بشأن القضية النووية ولكن ليس واضحا مدى تأثيره على هذا الامر."

وخلال الحملة الانتخابية أيد المرشحون علاقات أفضل مع الولايات المتحدة غير ان أحمدي نجاد قال ان العلاقات مع واشنطن لن تحل مشاكل ايران. وقال ايضا ان من حق ايران تطوير تكنولوجيا نووية واضاف انه مطلب شعبي.

ويتصدر رفسنجاني (70 عاما) الساحة السياسية في ايران منذ ثورة عام 1979 وكان يعتبر على نطاق واسع ثاني أكبر الشخصيات نفوذا في ايران قبل الانتخابات. وسقط رفسنجاني في اخر محاولاته للفوز بمقعد في مجلس الشورى في عام 2000.

وقال احمدي نجاد بعد انه ادلى بصوته يوم الجمعة "اليوم بداية عهد سياسي جديد."

وانتصار أحمدي نجاد هو أحدث انتصار تحققه مجموعة جديدة من الساسة المتشددين وكثير منهم كانوا أعضاء سابقين في الحرس الثوري والذين فازوا في انتخابات المجالس المحلية والانتخابات البرلمانية عامي 2003 و2004 وسط استياء واسع النطاق من الطريقة البطيئة التي يسير بها الاصلاح.

وكشفت انتخابات يوم الجمعة الانقسامات الطبقية العميقة في تلك الدولة البالغ عدد سكانها 67 مليون نسمة.

أحمدي نجاد عضو سابق في القوات الخاصة للحرس الثوري الايراني المتشدد. وجذب اسلوب حياة احمدي نجاد المتواضع وتعهده بمحاربة الفساد واعادة توزيع ثروة البلاد النفطية الفقراء المتدينين في الريف والحضر.

وقالت رحمة الله ايزادبانا (41) وهي تقف في طابور للناخبين بجنوب طهران "سأعطي صوتي لأحمدي نجاد لانه يريد ان يقطع أيدي من يسرقون ثروات البلاد. انه يريد ان يكافح الفقر والاحتيال والتمييز."

وقال مؤيدون لرفسنجاني انهم يخشون ان يوقف أحمدي نجاد الاصلاحات المتواضعة التي جرت في ظل خاتمي.

شبكة النبأ المعلوماتية - الأحد 26/ حزيران/2005 - 19/ جمادى الأولى/1426