أكيد أن ظروفاً عديدة تلعب دورها في بلورة أن تكون الحكومة على هذا
النهج أو غيره سواء كان ذلك إيجابياً أو سلبياً أو ما هو وسطي بينهما
لكن أصول الحكم وشكل حكومته المطلوب مازال مدار بحث فكري طويل.
فالاجتهادات الوضعية قد تعددت وبدت صور الحكم وكأنها متعددة من حيث
النوع الحكومي لكن من يحمل مثل هذه النظرة سرعان ما يصطدم بمآل حكومة
ما حين يلمس أن واقعها شبيه بواقع حكومة أخرى لم يكن يحمل في ذهنه عنها
إلا الاستنكار اللامعلن أحياناً ومن هنا فالمتابع يسمع ويقرأ ويقلب
موازين تقييماته لكن آرائه الخالصة سرعان ما يلمس أنها لم تكن قد وقفت
على علة الجرح السياسي.
بعض السياسيين الذين يعزون كل أحداث السياسة ونشاطاتها على كونها
تنطلق من أيديولوجية معينة واهمين تماماً فبعض الدول إن لم تكن معظم
دول العالم تسيرها أصوليات غير ممتازة وبغض النظر عن أنواع تلك
الأصوليات سواء كانت علمانية ترفع شعارها العتيد القائل بفصل الدين عن
الدولة أو اشتراكية تحاول أن توحد طبقات المجتمع بطبقة واحدة بالفرض
والاستبداد لأن منظريها يعتقدون أن لا مناص من أتباع سياسة الفروض على
كل مجتمع ترفع دولته شعار إذابة الطبقات.
والديمقراطية التي يتبجح الغرب بأنه ينتهجها في أصوليات حكم بلدانه
ما هي في حقيقة الأمر سوى ديمقراطية شكلية خالية من أي مضمون حقيقي
ولذا فإن الغرب ذاته يحتاج أن تناضل شعوبه ليتعين حكوماته على تحقيق
ديمقراطية حقيقية في الغرب خاصة وأن خطوة (عود على بدء) قد أخذ الفكر
الغربي يحث على انتهاجها ضمن سياسة العولمة.
إن العدل والمساواة وتوزيع الخيرات ومنح الحريات ونيل الاستقلال
وممارسة مبدأ السيادة وقبول الآخر في غمار قبوله كـ(حامل فكر آخر) أو
مجتهد في رأي مستقل ضمن عملية تعددية وديمقراطية هي الأصل الأكبر لأي
دولة بهذا العصر.
إن البشرية السوية تدرك اليوم أنها ربما تكون قد وقعت في الفخ الذي
تملكه بعض الدول الكبرى الرافعة لشعار العولمة الذي لم توضح كل معانيها
وخططها وهذا ما يقلق العديد من الحكومات والحركات السياسية الديمقراطية
التي أصبح لها (يمين) بعد أن كان إقصارها على (قوى اليسار) خلال النصف
الثاني من القرن العشرين المنصرم حتى غدا وصف هذه الحكومة بحكومة يسار
وتلك بحكومة يمين ولكن ضمن تقاليد لم يعد أحد ينتبه لها بسبب عدم حالة
الاكتمال إلا أن الأوان قد حان لتتغير الدول الديمقراطية في الشكل إلى
ديمقراطية في المضمون وأن يكون القانون القابل بدوره لتطورات كل عصر.
أن أهم عيوب السياسات الراهنة على المستوى العالمي العام هو التصنع
ويا ليت الحكومات وحكامها يسمعون ما تقوله مجتمعاتهم عنهم كي يشعروا أن
لا هزيمة معنوية أكثر من تردي المشهد السياسي الراهن. |