[newsday.htm] 
 
 
 

 

لوحات عايد ميران: شطحات فنية تشي بطموح يكاد يهشم دائرة المعتاد او التنميط

النبأ/كربلاء-علي حسين عبيد

يعاني فنانو المحافظات التشكيليين من الأهمال الأعلامي المتعمد تارة وغير المقصود تارة اخرى وفي كل الأحوال تظل بقعة الضوء المسلطة على هؤلاء أصغر بكثير من تلك البقع الضوئية التي تحتوي تجارب فناني العاصمة في مساحاتها الواسعة وآفاقها المتنوعة ،فأين يكمن الخلل في هذا الأمر؟ إن الإجابة عن هذه التساؤلات ستترك بطبيعة الحال لمن يهمه الأمر.

وفي كربلاء واكبنا الحركة الفنية في حقل التشكيل وأشَّرنا بطء هذه الحركة وتذبذبها وركونها صوب حالة السكون ما خلا بعض النشاطات التي قدمتها مديرية النشاط التربوي ضمن إدائها الوظيفي المعتاد وهي نشاطات لاتنوه بالجديد بقدر التنويه بالعمل الإداري البحت وتلك مهمة أبعد ما تكون عن حافة الفن وفضاءاته التي لاتحدها حدود.

في معرضه الجديد المشترك الذي أقامه في قاعة التجمع الكربلائي قدم الرسام عايد ميران عشر لوحات تنطوي على سمة المغايرة لما قدمه الفنان في اعماله السابقة وهو من الفنانين الذين بدأوا رحلتهم مع التشكيل منذ ثمانينيات القرن المنصرم حيث قدم معرضه الشخصي الأول عام 1986 في بغداد وأعقبه بالثاني عام 1992 في كربلاء وشارك ايضا في مسابقة الفنان الرائد جميل حمودي للشباب عام 1995 وله مشاركات متواصلة في معارض اتحاد التشكيليين حتى عام 2004 وفي هذا المعرض المشترك شارك بلوحاته العشر كما ذكرنا آنفا مبتدءاً مسارا فنيا مغايرا لما اعتاد عليه في معارضه الماضية.

تتميز لوحات ميران العشر موضوع هذا المقال بتعدد أساليبها الفنية ومضامينها أيضا وقد لجأ في تنفيذ بعض لوحاته المعروضة الى استخدام مـواد ( شيئية) جديدة (كالكارتون والمواد المرنة وغيرها )على سطح اللوحة كي تضفي على العمل الفني جمالية متفردة وتخلق حوارا آنياً بين المتلقي المتدرب واللوحة وهذا مايسعى اليه الفنان عايد ميران حيث تؤكد (فرشاته ومعاجينها ) رفضها القاطع لمنح المتلقي (مفاتيح اللوحة الكلية) دفعة واحدة لفضّ عوالم اللوحة واسرارها وغوامضها الفنية وبالتالي فقدانه – المتلقي- للمتع الحسية والفوائد الفكرية التي تنطوي عليها هذه اللوحة او تلك الأمر الذي قد يحيلها الى خانة السهل المبتذل وثمة الأسلوب المعاصر ورمزيته التي تؤدي الى إحداث تضادات لونية ومساحات ظاهرة خفية في آن تحفل بالأشكال التي تشي بالأفكار والتطلعات وتحل محلها في عملية تبادلية منتقاة تشكل العمق التجريدي لفضاء اللوحة لتجعل من المتابع جزءً منها حيث التماهي والغوص في غمار وخفايا هذا الفن الساحر.

ولعلنا لن نأتي بجديد اذا قلنا ان لوحات ميران العشر تتميز بعنصر المغايرة ليس مع الآخر فحسب بل في ما بينها ايضا أي اننا ونحن نقرأ هذه اللوحات سنكتشف إستقلالية إسلوبية مدهشة اذا جاز القول ، تتحصن بها هذه اللوحة عن تلك ،على اننا لانلغي القاسم الفني المشترك لأعمال ميران التي تتشكل في جوهرها من أيحاءات لونية تمنح أبعادها للمتلقي الذي يمنحها بالمقابل قدرا جيدا من الصبر والتبصر والإهتمام.

وفيما يخص بيئة عايد ميران وخصائصها وما يترتب على ذلك من هيمنة (مضمونية)في تشكيل اللوحة ، فإننا سنعثر في هذه اللوحة او تلك على العناصر الصورية التي نشأت في ذات الفنان وترعرعت وتنامت في أعماقه السحيقة غير ان عثورنا على رموز بعينها سيتمخض عن أشكال تنبثق من محيط الفنان لكنها لاتنتمي إليه واقعيا، أي ان ميران يأخذ من الواقع مادته التشكيلية لكنه يجرد هذا الواقع وعناصره وأشكاله من خواصها لتحلِّق فوق الواقع ولتنتمي الى فضاءات الفن المنفتحة الى ما لانهاية سواءً تعلق ذلك في المعاينة او الفرز او التجذير المكاني والصوري في آن.

وكذلك ثمة مساحة أفردها عايد ميران في أعماله للحرف العربي حيث استلهمت بعض اللوحات تشكّل الحرف بعدة تكوينات ذات أبعاد صورية مثبتة عمَّـقها الفنان بإضافة الألوان الإسلامية والتراثية ومزجها معا للخروج بعمل ذي اجواء تراثية كما نعتقد،وقد شاعت الأقواس والأهلّة في عدد من لوحات هذا الفنان كمفردات اسلامية تتواءم مع واقع المدينة وأجوائها ذات الخصوصية الدينية غير اننا لايمكن ان ننسب أعمال عايد ميران الى محيطه حصرا بل ثمة من هذه الأعمال ما يدفعنا للقول بأن هذا الفنان له (شطحات) فنية تشي بطموح يكاد يهشم دائرة المعتاد او التنميط او الإنتماء المحدد سلفا لثوابت لاتمنح الخيال حرية التحليق في فضاءات ومساحات لم تكتشف بعد.

شبكة النبأ المعلوماتية - الأربعاء 15/ حزيران/2005 - 8/ جمادى الأولى/1426