تحقيق: زكريا
محمود سلمان: رفح:
"ما زالت معاناة أهالي منطقة المواصي جنوب قطاع غزة، مستمرة
بوتيرة كبيرة، بسبب إجراءات وممارسات قوات الاحتلال الإسرائيلي.
ويقول محمد زعرب الذي قامت جرافات الاحتلال الإسرائيلية بتجريف أرضه
وأرض أخيه منذ فترة طويلة في منطقة المواصي: " 20 دونماً فقدتها، هي
ورثتي وأرض أجدادي وهي الماضي والحاضر، أشجار الزيتون والحمضيات كانت
في المكان ذات يوم والآن لم يتبقى إلا حسرتي عليها، إن عمر الشجرة
الواحدة يزيد على أربعين عاما.. "
رقم أسود نقشته يد الغدر على بطاقات هوية أهل المواصي على بطاقة كل
من كان موجودا وقت قراراهم المشئوم، ولم يكن هو الأمر الوحيد فقد أعقبه
إقامة بوابات حديدية ونقاط تفتيش للنساء والرجال وإذلال لا يشعر به إلا
البسطاء القاطنين في منطقة المواصي برفح.
تقول رانيا التي بدت شابة إلا أن دموعها سبقتها قبل أن تستذكر
معاناتها اليومية: " إنهم يعتمدون إهانتنا وطردنا من المنطقة التي
ولدنا بها، يجبرونا على المرور ببوابة تفتيش إلكترونية في الذهاب
والإياب في الوقت المسموح به فلو تأخرت عن الساعة السادسة مثلا لا يسمح
لي بالدخول وتغلق البوابات وكثيرا ما تعرضت لذلك لأني أضطر للذهاب
لجامعتي في غزة والمرور عبر حاجز كفار داروم ( أبو هولي – دير البلح )
أيضا وهذا عذاب لا يطاق."
وتضيف: " أقف رغما عني في طوابير المواطنين الذين تجبرهم طبيعة مكان
سكنهم واحتلالها كليا من اليهود من الانتظار في دور طويل للتفتيش
الصباحي والمسائي للقادم والمغادر مما خلق لي مشكلة كبيرة فلو تأخرت
أين سأبيت ليس لي إلا صديقة في خانيونس البلد اضطر للذهاب للمبيت في
بيتها وهذا لم يكن ليسمح فيه في عرف عائلتي المحافظة لولا الممارسات
الإسرائيلية بحقنا."
ممارسات إرهابية
ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد فقد أغلقت منطقة المواصي (مواصي رفح
وخانيونس ) منذ تاريخ 20 فبراير لهذا العام إلى الآن ووضعت قوات
الاحتلال المحتلة للمنطقة شروطا للدخول والخروج للسكان القانطين هناك
إذ لا يسمح بدخول كلا الجنسين لمن هم دون الأربعين من العمر، ويمكن
لكلا الجنسين الخروج من دون عودة للمواصي لمن هم فوق 25 عاما، أما ما
دون 25 عاما فلابد من إجراء تنسيق مسبق مع الارتباط الفلسطيني.
وهي شروط تعجيزية إذ يقول أحد المواطنين : " لم أر في حياتي مثل هذا
التنغيص في البداية هددوا بهدم بيوتنا، وصمدنا ثم فرضوا علينا منع
التجوال ثم منعونا من الخروج ليلا على الإطلاق، ثم حاصروا أراضينا
وبيوتنا وعزلونا عن العالم ببوابات حديدية وكلاب حراسة مدربة يطلقونها
على أطفالنا متى شاءوا، ثم حاربونا في لقمة عيشنا فمحاصيلنا لا نستطيع
أن نسوقها خارجا قبل أن يتلفوها لطول مدة انتظارنا على الحواجز
والبوابات الحديدية، وقبل أن نزرع فهم يمنعونا من الحصول على المواد
الزراعية والبذور حتى فإننا نقوم بتسريبها عبر البوابات، ثم الآن
يريدون أن يخرج أبناؤنا دون أن يسمح لهم بالعودة، والله هذا حرام حرام
.. يكفيهم جنونا فلن نترك أراضينا لأجلهم حتى لو اضطروا لقتلنا جميعا
إنهم لا يعرفون قيمة الأرض فلا معنى للحياة بدونها.. إنها لا تعني شيئا.
"
وتمتد منطقة المواصي – حسب مركز الميزان لحقوق الإنسان - من أقضى
الشمال الغربي لمدينة خانيونس، إلى أقصى الجنوب الغربي لمدينة رفح،
بمحاذاة شاطئ البحر. حيث تواصل قوات الاحتلال حصارها الذي تفرض بموجبه
قيوداً مشددةً على الحاجزين العسكريين المتصلين اللذان يفصلانها عن
مدينتي رفح وخانيونس، من خلال الإجراءات غير الإنسانية التي تمارس ضد
سكان المنطقتين، من خلال إحكام تلك القوات السيطرة كاملةً على مداخل
المنطقتين، عن طريق نقاط تفتيش ثابتة تحول دون تنقل سكان المواصي بحرية
إلا من خلالها. ويلجأ جنود الاحتلال إلى منع السكان من التنقل بفرض
حصار شامل على المواصي، وعزلها بشكل كامل.
كما تحظر مرور المركبات من وإلى المواصي، أو العربات التي تجرها
الحيوانات، ما يكبد السكان مشقة تضاعف من معاناتهم اليومية، حيث يضطرون
إلى التنقل سيراً على الأقدام، ما يعني السير لمسافات تزيد عن خمس كيلو
متر تقريباً، وتمنعهم من حمل أية بضائع أو سلع يبتاعونها من المناطق
المجاورة في مدينتي رفح وخانيونس، وتسويق مزروعاتهم كون المنطقة تعتبر
من أكثر المناطق خصوبة.
بالإضافة لما يعانيه الصيادين من مضايقات داخل البحر من قبل
الطرادات الإسرائيلية، كإطلاق الرصاص عليهم، وإغراق قواربهم، وتمزيق
شباك الصيد، وإجبارهم على التوجه شمالاً نحو مشارف شاطئ دير البلح، كما
تمنعهم من نقل وتسويق الأسماك خارج حدود منطقة المواصي مما يتسبب
بتلفها.
إجراءات لاإنسانية
وتحظر تلك القوات على السكان التنقل من وإلى المنطقة إلا في أوقات
محددة، وتتخذ تدابير تنظم من خلالها مرور سكان المنطقة عبر حاجزيها
العسكريين ويعمد جنود الاحتلال برغم هذه القيود إلى إهانة السكان عند
تنقلهم عبر الحواجز من خلال استخدام ألفاظ مهينة باستمرار، وإخضاعهم
للتفتيش باستخدام آلات فحص الكترونية خاصة، أو باستخدام الكلاب
البوليسية.
وينطبق ذلك على طلبة المواصي الذين تطبق عليهم قوات الاحتلال تلك
القيود والمضايقات اليومية، والمتمثلة بسيرهم لمسافة تزيد عن 5كم من
أجل الوصول إلى مدارسهم وجامعاتهم، وأحياناً يقومون بتأخيرهم لعدة
ساعات مما يتسبب بتأخرهم عن مواعيد الدراسة، وفي أحيان أخرى يقومون
بمنعهم من الدخول بعد ساعات طويلة على الحاجز، وأحياناً يمنعونهم من
العودة إلى ديارهم في المواصي ما يجعلهم يلجأون إلى أقارب لهم، أو
معارف من أجل المبيت، ويحدث ذلك أحياناً تحت المطر وفي البرد القارص.
كما تسبب الحصار المفروض على منطقة المواصي، في أحيان كثيرة إلى منع
وصول المرضى إلى المستشفيات، وإجبارهم على المكوث لعدة ساعات وقد تسببت
هذه المعاملة بوفاة عدد من المواطنين على الحاجزين في رفح وخانيونس.
وتبلغ مساحة المواصي 9% من مساحة محافظة رفح،و34% من مساحة خانيونس
وهي عبارة عن شريط ساحلي بطول 13 كيلو متر وعرض كيلو متر واحد من
الحدود مع مصر ويسكنها حوالي 8000 نسمة يعمل معظمهم في الصيد والزراعة.
وتعتبر منطقة المواصي منطقة زراعية ويعمل سكانها في قط الزراعة والصيد
فقط، كما وتعتبر من المناطق الصفراء التي تسيطر عليها السلطات
الإسرائيلية أمنيا حسب اتفاقية أوسلو.
كما أنها محاطة بالمستوطنات الإسرائيلية والأسلاك الشائكة من ثلاث
جهات بما يشبه الكماشة أما الجهة الرابعة فتطل على البحر الأبيض
المتوسط. |