منذ بزوغ التاريخ وأنماط الظلم تتسع هنا وتضمحل هناك ولكن أخطر ما
يواجه الجنس البشري حين يكون الظلم قد خُطط له.
وقضية ظلم الإنسان لأخيه الإنسان كانت دوماً مدعاة للشجب والاستنكار
ولكن الواقع المعاش الممزوج بالخوف من بطش القوي كان أبداً هو الذي جعل
الناس تسكت عن الظلم أحياناً أو تغض النظر بأحيان أخرى تحسباً من أن
يلحقها أذىً غير محسوب.
ومنذ تأسيس الدولة التي أتاحت فرصة السيطرة على التجمعات البشرية
بطرق أكثر عملية ولعبت دوراً في تهذيب الكثير من التوجهات إلا أن هيمنة
(مؤسسة الدولة) على مقاليد الأمور كانت دوماً بحاجة للاعتماد على عناصر
مخلصة لها كي تؤدي مهامها على أفضل وجه من ناحية ضبط الأوضاع لكن توسع
مهام الدولة بما في ذلك تنامي إمكاناتها في تكديس الأموال وتسخير الجاه
والعيش المضمون وفقاً لراتب شهري متدفق في نهاية كل شهر دفع إلى رغبة
عند الناس كي يكونوا (أبناء للحكومة) فكانت مسألة التعيين بوظيفة
حكومية قد شكلت أملاً لدى العديد من المجتمعات إلا أن ضريبة ذلك لم تكن
سهلة في أشغال أنواع من تلك الوظائف أو المسماة بـ(وظائف) وبالذات تلك
التي تقضي بذل تضحيات مصيرية بين الحياة والموت كالعمل في المجالات
العسكرية أو المخابراتية.
ولأن المجالات العسكرية كانت الغاية منها الدفاع عن الوطن وهو دفاع
مقدس فقد حظي موضوع الانتماء في خدمة الجيوش المحلية بتأييد المجتمعات
التي كانت ترى في تشكيلات جيوشها ما يؤدي إلى حماية الأرواح والممتلكات
في حين أن أجهزة المخابرات في بداية نشأتها بقيت الجماهير تنظر لها
بهاجس مشوب بعدم الثقة بسبب التنفيذ الأعمى للأوامر الصادرة إليها
كيفما تكون! ولأن هاجساً آخراً كان يكبر في نفوس شريحتين في معظم
المجتمعات وهما هاجس تخوّف قادة السلطات على امتيازاتهم الحكومية
الشخصية (جاهاً أو مالاً أو تحكماً) وهاجس تجمعات المحكومين الذين
كانوا يرون أن بعض هؤلاء القادة غير جديرين على الاستمرار بقيادة
البلدان فقد نشأت لدى تلك المجتمعات ما يُرقى إلى مستوى معارضة (في
المفهوم العام المتداول حالياً) وعلى أساس من ذلك دعت هذه التجمعات إلى
التحرر من ظلم الحكومات الجائرة وهيمناتها بطرق عديدة بما فيها محاولة
انتزاع السلطة بطرق ديمقراطية وأحياناً بطرق عنفية.
ولأن هاجس دول الظالمين كان دوماً أكبر من هاجس المعارضة ولحالة
الاختلال في الإمكانات بين الطرفين فقد عمل الظالمون وبصورة علنية على
تحدي المعارضين لهم مستغلين نفوذهم الحكومي المغالى به ضد الخصوم في
أحيان ليست قليلة. وبذا فقد تناست الحكومات الظالمة أن المعارضات لها
لا تشكل إلا نسبة قليلة في النفوس قياساً لأعداد الجمهرات اللاسياسية
التي يتكون منها كل مجتمع وهي ما يمكن تسميتها (بالمعارضة الضميرية)
لكل ظلم وظالم.
واليوم فلأن الشعوب الرازحة تحت الظلم وينكل بها الظالمون من بني
جلدتهم ممن يتربعون على كرسي الحكم ولا يمثلوها تمثيلاً عادلاً في
العديد من البلدان المعاصرة فليس أمام الناس غير المطالبة لإبعاد شبح
الظلم الحكوماتي عنهم ومنحهم مكاسب حقوق الإنسان وبطرق ديمقراطية
وسلمية وبديهي من أولئك الناس سوف لن يحصلوا على شيء قبل أن يفكر
الظالمون ويغيروا نهجهم إلى ناصية العدل. |