لأن السياسة المعاصرة غدت شعارات أكثر مما هي تطبيقات فيمكن اعتبار
مرافئ السياسة هي أخطر الأماكن التي يفترض عدم الركون لها قبل التأكد
من مصداقية جهاتها قبل استقراء الداعين لاعتناقها المبدئي أو العقائدي.
ماذا يجري الآن في العالم المعاصر؟! إن استفتاء عن هذا الموضوع ما
زال غير واقع وربما يكون غير محبذ بسبب كون السياسة قد دخلت على خط
الحياة من أكثر من جانب ويبدو أن بعض الناس المدارين لتبرير وجودهم كي
يعيشوا لفترة أطول قد غلب على الكثير من التوجهات لدرجة بات (النقد
السياسي) غير مقبول في مفاهيم العديد من الناس مما أدى إلى ظهور طبقة
انتهازية جديدة هي طبقة السكوت على الوقائع كيفما حدثت وهذه الثنائية
الممزوجة بين ما هو مطلوب وما هو واقع فعلاً هي التي قد أدت إلى حال
مكائد السياسة الواقعة على المستويات المحلية أو الإقليمية أو الدولية
تبدو وكأنها مكائد لا علاقة للدول الكبرى بها مع أن بعض أيادي هذه
الدول لا تخلو من ترك آثار بصمة تلك الدول عليها.
ومما يرى بشأن ما تتركه مكائد السياسات المعاصرة كونها تُصدع العقول
على الرغم من محاولات تجميل تلك المكائد عبر إدعاءات إعلامية ودعايات
متكررة ويكفي بهذا الصدد الإشارة إلى أن إجراء جولة تاريخية سواء في
الماضي القريب أو البعيد أو الحاضر يوضح أن القوي بعالم السياسة
المعاصرة يخشى الانتقاد فما بُني من الأفعال السلبية قد طغى على كل
التفاسير والمبررات لدرجة أن ذلك تسبب في سلب البهجة من الثغور والوجوه
حتى أن المطالع أحياناً لمذكرات شخص سياسي معروف يُصدم من جراء ما
يذكره من معلومات تؤدي حتماً لفقدان الثقة بكل سياسيي العالم مع أنهم
ليسوا من شاكلة واحدة.
ورؤية جديدة إلى العالم الحاضر تقضي التمسك الشديد لمصارحة
السياسيين لشعوبهم كي يعرفوا ما يجري تماماً لا كما يريد البعض أن يزق
بمعلومات متواضعة وناقصة عن ظاهرة ما تهم الناس وللحقيقة طريق واحد لا
يمكن للمؤتمرات المعقودة أو أي مجالس أخرى أن تبقى توحي وكأن حلول
العالم المعاصر مقتصر على ما تداوله تلك المؤتمرات أو يتقول بها
سياسيون معاصرون يبدون وكأنهم قادة للوجاهة السياسية الدولية أو
الإقليمية أو المحلية إذ من المعلوم أن مشاكل العالم هي أكبر بكثير من
أي حلول ترقيعية أو وعود غير مصداقة لحلها.
لا يُنكر في عالم السياسة اليوم رجال أقوياء يستطيعون تنفيذ ما
يقولونه لكن الفعل السياسي السلبي بقدر ما هو غير مطلوب فإن نفوذ هؤلاء
السياسيين الأقوياء لا يعني شيئاً في ميزان العدل ما لم تقترن خطواتهم
التنفيذية لبناء عالم جديد وفقاً لنظام جديد حقاً في وجهاته وتوجهاته
ولا بأس أن تتم الاستعانة باستشارة العديد من السياسيين المخلصين أو
ممن يملكون نظرات وآراء طيبة لحل مشاكل العالم وتبقى النوايا الحسنة في
كل عمل هي الغاية التي لا بعدها من غاية تقارن بها. |