ليست هذه دعوة لترك السياسة بل لتقديم بعض مناهجها.
البيئات السياسية الحالية من ناحية العموم هي بيئات ملوثة وتشكل
أتعس ظاهرة عرفتها البشرية طيلة كل تاريخها المدّون إذ هي سياسات غير
معالجة للأمور بقدر ما هي أداة لمنع وصول أي علاج لأمراضها.
والسياسة كعالم خاص غير مفتوح الأبواب للجميع وهنا لا تقاس
التنظيمات السياسية التي تستند إلى عشوائية الاختيار لعناصرها كي تسيس
مجتمعاتها على أساس (الكم لا النوع) إذ لوحظ أن من بقايا التنظيمات
السياسية القديمة التي ما يزال لبعضها اسم في الساحات المحلية والدولية
أنها شبه مغلقة أمام المحاولين الدخول من أبوابها ولعل هذا ما جعل
ويجعل المناؤين السياسيين يرغبون بالعمل على اختراق تلك التنظيمات
السياسية وبطرق شديدة السرية كما حدث في اختراق التنظيم السياسي
للاتحاد السوفيتي السابق بواسطة (ميخائيل غورباتشوف) الذي وقع في حبائل
المخابرات الغربية حتى إذا ما وصل إلى أعلى منصب في الدولة السوفيتية
السابقة اتخذت الخطوات التكتيكية اللازمة لتفكيك تلك الدولة وإلى الأبد.
وفي عالم السياسة ليس هناك جنون ومجانين بل سفالة وسفلاء أحياناً
وهؤلاء هم الذين خربوا السياسة وأعطوها مذاق المرارة لتتجرع بها الشعوب
الأمرين مقابل انتعاش أفراد معدودين من المنتفعين الذين تسميهم شعوبهم
بـ(الانتهازيين) الذين يشكلون الخطوط الخطرة على مصداقية كل تنظيم
سياسي مخلص لشعبه وبلده والأخطر من أي شيء في الساحة السياسية هو
اختراق قيادة تنظيم سياسي معين والسيطرة على قراراته عبر ذاك الاختراق
فكم من السياسيين المخلصين في تنظيمات سياسة كانوا قد نفذوا أوامر
قيادتهم وظهر فيما بعد أنها قرارات في صالح صف أعداء شعوبهم.
إن البيئات السياسية الملغومة بعناصر الاختراق يمكن التعرف عليها
بسهولة وذلك عبر النظر إلى أعمالها التطبيقية لا إلى عناوينها ومبادئها
المعلنة. ولأن الأمانة تقتضي عدم التهويل أكثر للانتباه من احتمالات ما
يمكن أن لا تجود به بعض الأجواء السياسية فيمكن التذكير أن كل تنظيم
سياسي يعتمد على توسيع قدراته البشرية بصورة عشوائية على أساس الكثرة (كيفما
تكون) وليس النوعية (بما يجب أن تكون) فهو تنظيم سياسي تدار حوله
الشبهات وتاريخ التنظيمات السياسية في العالم ليست قليلة العدد فقد زحف
العديد منها كالأخطبوط وأوقع مجتمعات كان أناسها أسوياء حتى أضحوا من
أخس الطامحين لحكم بلدانهم ضمن ورقة تجيير الأخذ بمقدراته لصالح
الأعداء الدوليين.
إن إسهامات الأعداء الأخفياء من خونة الشعوب هم الذين يعول عليهم
أشرار العالم الكبار بغية تخريب كل ما هو إيجابي في هذا العالم الجميل.
لقد سقط أناس عديدون في براثن السياسات السلبية لكن في الضمائر الحية
ما زال هناك نبض تزداد دقاته لأجل إراحة الإنسانية من أعدائها. |