انتزع الزعيم الليبي معمر القذافي الاضواء يوم الاربعاء في مؤتمر
القمة العربي بالجزائر العاصمة واصفا الاسرائيليين والفلسطينيين بأنهم
"أغبياء" لانهم يسعون الى دولتين منفصلتين وقال ان مجلس الامن الدولي "مجلس
رعب".
وأعطى الجزائريون الذين يستضيفون القمة التي بدأت يوم الثلاثاء
الزعيم الليبي فرصة للنجومية بخطاب ألقاه في اليوم الاخير للقمة وتحدث
فيه طويلا عن شكاوى العرب من العلاقات الدولية.
وأعلن القادة العرب في ختام أعمال القمة يوم الاربعاء مبادرة سلام
عربية تقوم على اقامة علاقات طبيعية مع اسرائيل مقابل انسحابها الى
حدود عام 1967 وقيام دولة فلسطينية.
لكن القذافي سبح ضد التيار طارحا وجهة نظر الاقلية التي ترى أن حل
النزاع العربي الاسرائيلي يكمن في أن يعيش الشعبان في دولة واحدة. وقد
قابل من عناهم القذافي بالكلام خطابه الذي استمر ساعة باستخفاف
وبابتسامات ومنهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس ووزير الخارجية العراقي
هوشيار زيباري.
لكن الخطاب قوبل بتصفيق طويل لانه طرح أفكارا يعبر عنها كثير من
العرب في أحاديثهم الخاصة وان كان قادتهم يتجنبون التحدث بها علنا.
وكان بين الحضور الامين العام للامم المتحدة كوفي عنان الذي كان
خطابه أمام القمة دبلوماسيا كالعادة.
وهنأ الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة مضيف المؤتمر القذافي على
صراحته. وقال "أعتقد باخلاص أن ما جاء في أفكاره فيه الكثير من الافكار
الحقيقية. الافكار التي تنخر ضمائرنا وقلوبنا. لكن الفرق الذي يفرقني
معه هو أنني مسؤول على (عن) دولة وعلى شعب." وأضاف "لو كنت خالي (خارج)
السلطة لربما فكرت به ولربما كنت من دعاته. ولكن أنا مسؤول على الشعب
الجزائري أخشى الله فيه وأخشى أن أسيء اليه."
وقال القذافي في كلمته ان اسرائيل ليس لها الحق في الوجود لان
مواطنيها الفلسطينيين لم يقبلوا بها قط. وأضاف "أنا شخصيا لا يمكن أن
أعترف لا بدولة اسرائيلية ولا فلسطينية لان اسرائيل ما هي اسرائيل ولا
فلسطين هي فلسطين. وأقول للأخ أبو مازن ما تزعلش... الفلسطينيين أغبياء
والاسرائيليين أغبياء."
وأضاف أن اسرائيل على خطأ في محاولة التمسك بالضفة الغربية في
مواجهة الهجمات الفلسطينية وان الفلسطينيين على خطأ لانهم لم يقيموا
دولة فلسطينية بعد 1948.
وقال "أولا الاسرائيليين تركوا الضفة الغربية وقطاع غزة عشرين سنة
ولم يهتموا بها. أعلنوا دولة سموها اسرائيل عام 1948. مادامت غير مهمة
فلماذا يقاتلون الان من أجلها؟ هذا غباء."
وتابع "اليهود يموتون بالعشرات بواسطة الفدائيين الفلسطينيين حتى في
تل أبيب بسبب وجودهم في الضفة الغربية وقطاع غزة.
"الفلسطينيين أغبياء لان هذه الارض كانت بيدهم عشرين سنة لماذا لم
يقيموا فيها دولة؟ اشمعنى الان يموتوا بالعشرات لكي يعملوا دولة في
الضفة الغربية وقطاع غزة؟ ما هي كانت في يدكم الضفة الغربية وقطاع غزة."
وقال القذافي الذي وصف نفسه في مستهل الخطاب بأنه عميد القادة العرب
"الحل لا يأتي الا من الفلسطينيين والاسرائيليين… الجيل الجديد من
الفلسطينيين واليهود هم الذين سيجلسون مع بعض ويعملون دولة واحدة
ديمقراطية."
وأنكر القذافي أن يكون الفقر هو السبب في "الارهاب" الذي يرتكبه
اسلاميون. وقال "اذن ما هو السبب في هذه الظاهرة؟ السبب واضح جدا يا
اخوانا. فيه غبن.
"فيه ظلم. فيه استكبار. فيه تطاول. فيه اهانة. فيه امتهان. فيه
استباحة لهذه الامة (العربية) التي ولدت الارهابيين."
وأضاف "اذا كان تقولي انت فاسد تبغي الاصلاح وانت طفل تبغي اني
نعلمك ونضربك على صباعك وانت ما عندكش قانون وزواجكم غلط وختانكم غلط
وعلاقاتكم الاجتماعية غلط… هذه هي اللي تخلق مليون بن لادن."
ووافقت القمة العربية على مساندة مصر في مسعاها للحصول على عضوية
دائمة في مجلس الامن التابع للامم المتحدة.
لكن القذافي قال انه يؤيد نقل سلطات مجلس الامن الى الجمعية العامة
للامم المتحدة التي يعتبرها البرلمان الحقيقي للدول.
وقال القذافي مخاطبا أوروبا والولايات المتحدة "يجب أن يسمع
صوتنا".وأضاف "ان ... تجاهلتونا هتخسروا في النهاية."
وأكد أن مقاومة الارهاب غير ممكنة بدون احترام العرب. واستنكر سعي
الدول لتوسيع مجلس. وقال "مجلس الامن بالنسبة لنا مجلس رعب ما هو مجلس
أمن".
وبعد جلسة ختامية مغلقة أعاد الملوك والرؤساء العرب في رسالة سلمية
الى العالم تأكيد مبادرة قمة بيروت للسلام مع اسرائيل التي أقرت عام
2002.
لكن القذافي حذر من نتائج انسحاب سوريا وقال ان الوجود العسكري
السوري أفضل من اي وجود لدول اخرى في المنطقة.
يذكر أن القذافي سبق أن اقترح حلا للصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي
بإقامة دولة واحدة تضم الشعبين في إطار ديموقراطي وسماها دولة «إسراطين».
وحذر القذافي ان سقوط النظام السوري «القوي» سيؤدي الى تسليم السلطة
في هذا البلد الى تنظيم «القاعدة وحزب الله والزرقاوي».
وقال القذافي في حال استمرت «سياسة الظلم» انه «في حال سقوط النظام
السوري القوي فان القاعدة والزرقاوي وحزب الله» سيتسلمون السلطة في هذا
البلد.
واضاف انه في هذه الحالة «ستشتعل المنطقة من افغانستان مرورا
بالعراق الى سوريا وفلسطين»، محذرا من ان «هذا الظلم يولد بن لادن
اخرين ويجب ان نكون جديين» في التعاطي مع هذه المسألة.
وتساءل «لمذا يعتبر قرار مجلس الامن رقم 1559 مقدسا ولا تعتبر
قرارات مجلس الامن الاخرى غير مقدسة؟».
واعتبر ان هناك دولا اخرى «لديها جيوشا في اراضي دولة اخرى» وليست
سوريا وحدها التي لديها جيش في اراضي دولة اخرى هي لبنان.
وقال القذافي بأن الاتحاد الافريقي العربي «هو شاطىء النجاة للعرب».
واضاف«لقد طرحت فكرة الاتحاد الافريقي على انها شاطىء النجاة للعرب».
ودعا الى انضمام «منطقة الشام»في المشرق العربي في اشارة الى سوريا
ولبنان وفلسطين والعراق، الى الاتحاد الافريقي الذي سيضم في هذه الحالة
ايضا الدول العربية في شمال افريقيا.
اما بالنسبة الى الدول العربية الخليجية، فدعا القذافي الى انضمامها
الى «فضاءات اخرى» اقليمية واعطى مثلا ان سلطنة عمان يمكن ان تنضم الى
فضاء اقليمي «مع جزر المالديف» في منطقة المحيط الهندي.
ورأى انه على كل دولة ان تكون في اطار فضاء اقليمي وقدم مثلا على
ذلك «تركيا التي تلح للانضمام الى اوروبا لان لا مستقبل لها في المنطقة».
واعتبر ان «هذا العصر ليس عصر الدولة الوطنية التي تتلاشى لتفسح
المجال للفضاء الكبير».
وحول مشكلة إقليم دارفور السوداني، قال القذافي إنها «مشكلة قبلية
وأفريقية ونحن نقدر نحلها لكن التلويح بالتدخل الاجنبي والمحاكم
الدولية والتلويح بحلف الاطلسي هذا يستفز الناس هل يريدون تحويل
السودان إلى عراق أخرى».
وكان القذافي يقرأ أحيانا من نص معد سلفا لكنه كان يرتجل كلامه في
معظم الاوقات.
وحول العلاقات مع أوروبا والولايات المتحدة، دعا الزعيم الليبي إلى
ضرورة الجلوس مع الغربيين والتحدث معهم بصراحة لايجاد حل لمشكلة
الارهاب وغيرها من المشاكل بين العرب والغرب.
وقال «وإذا رفضوا الحوار سنقول لهم ادفعوا الثمن ولا للمجاملات
وللكلام تحت الطاولة ولابد من المصارحة وعدم المداهنة»وضرب مثلا
بمسألتي الحجاب والختان مشيرا إلى أن هذه مسائل في صميم العقيدة
الدينية للمسلمين ويجب ألا يكون هناك نقاش بخصوصها.
وأضاف أن الغرب يحترم الهندوس الذين يقولون إن دينهم يحرم ذبح البقر
وتساءل عن الاسباب التي لا تجعل الغرب يحترم المسلمين وخصوصياتهم
الدينية مثل الحجاب الذي قال إنه أمر منصوص عليه في القرآن ولا يمكن
إجبار النساء على خلعه ولكن المرأة التي تريد أن تصبح رجلا فهذه حريتها.
وتابع القذافي «ما حدث من إمامة امرأة حائض للمسلمين في صلاة الجمعة
بنيويورك استهانة بالمرأة واستخفافا بقيم وتعاليم الاسلام وسيؤدي إلى
نمو التطرف وقد أدى إلى انضمام الآلاف إلى (زعيم القاعدة) أسامة بن
لادن».
وأضاف «الحلال بين والحرام بين ..والضبابية والظلامية لا يخدم
السلام العالمي مشيرا إلى أن «الاستهتار وصل إلى حد وضع قرآن جديد يسمى
(الفرقان الحق) وبعد ذلك نقول نكافح الارهاب الاسلامي.. ما يفعله الغرب
هو صب الوقود على النار».
وقال القذافي «ذهبنا إلى أوروبا للتحدث في الاقتصاد فحدثونا عن
الختان.. الديموقراطية الموجودة في المجتمعات الشرقية هي الديموقراطية
الحقيقية.. الشعب القادر على إسقاط الحكومة موجود في آسيا وأفريقيا».
وأضاف «في كل مكان يسقط رئيس الحكومة بمظاهرة في حين تظاهر الملايين
في الغرب ضد حرب العراق ولم تسقط أي حكومة ..نتمنى أن يتحول الغرب إلى
نظام ديموقراطي وليس عندنا مشكلة مع أي شعب ولا حتى الاسرائيليين..
وإذا كانت السلطة بيد الشعوب» لما كانت هناك مشاكل.
ووصف القذافي الديموقراطية في آسيا وأفريقيا بأنها «أفضل
الديموقراطيات لانها مرتبطة بالنظام الاجتماعي» وضرب مثلا بأوغندا التي
وصفها بأنها بلد ديموقراطي وكذلك بغانا.
وأضاف «في بلداننا بمظاهرة تسقط الحكومة لكن في الغرب الشعوب تنبح..
تنبح ولا أحد يسمع صوتها كأنها كلاب تنبح».
ووصف القذافي نفسه بأنه «فيلسوف ومثقف» وقال «آسف لوجودي هنا».
من ناحية أخرى قال الزعيم الليبي إنه لا يعترف بأي محكمة دولية
لانها محاكم «باطلة وأنا أعكف على إعداد دراسة قانونية سأقدمها للامم
المتحدة أبين فيها بطلان المحاكم الدولية.. هذه مفروضة فرضا بسبب القهر
في العالم».
ودعا السودان إلى عدم السماح بمثول أي من أبنائها الذين يقال إنهم
ارتكبوا جرائم ضد الانسانية في دارفور أمام محاكم دولية أيا كان نوعها
لان «عندنا محاكم وقانون ونظام».
واختتم القذافي كلمته المطولة وسط تصفيق حاد من جانب الحضور. |