ذكرت دراسة حديثة أن نحو ثلاثة من كل أربعة منازل يمتلكون واحدا أو أكثر من أجهزة الكمبيوتر الشخصية في سنغافورة البارعة في التكنولوجيا. وترتفع الارقام الواردة من هيئة تنمية إتصالات المعلومات بنسبة  68 في المئة عن عام 2002. وقالت الهيئة ان هناك وعيا كبيرا بين العائلات عن أهمية استخدام تكنولوجيا المعلومات وبرامج التعليم الوطني.. كما ساعدت الصفقات المالية الجذابة على تزايد دخول الانترنت إلى المنازل. وأسفرت خطط نظام الاشتراك الشهري لخدمة الانترنت الممكن تحملها إلى اشتراك  40 في المئة من المنازل التي جرى استطلاع آرائها في النظام العام الماضي 2003 مقارنة بنسبة  24 في المئة عام 2002.

 

إنَّ سكينةَ القلبِ تُوجبُ الاتزانَ في التفكيرِ، وهو بدورهِ يوجبُ التحرُّكَ الصحيحَ نحوَ الأهدافِ الرفيعةِ.

ايران في جولة ثانية: انكشاف اوراق اللعبة.. انتخاب السيئ لتفادي الاسوء
إغلاق صحف إيرانية جديدة بسبب إشكالات الانتخابات الأخيرة
استجواب صدام واعوانه تمهيدا للمحاكمة الكبرى
إنجاز 70 - 80% من صياغة الدستور العراقي الجديد
75 بالمائة من الفلسطينيين يؤيدون تخلي حماس عن العنف
ندوة الوثائق التاريخية للقدس محاولة عقلانية لإيقاف تهويدها
التغذية السليمة تضمن للانسان ذاكرة نشطة حتى سن التسعينات
 
 
 
 

 

إلى نواب الشعب .. مع التحية

نـــزار حيدر

يوم الأحد ( 30 كانون الثاني 2005 ) بكت عيون العالم، واحمرت مآقيه، فرحا أو حزنا .

  فكل ضحايا الإرهاب والاستبداد والديكتاتورية والأنظمة الشمولية والفكر التكفيري التعسفي، فرحوا بما شهده العراق ذلك اليوم، من إقبال، قل نظيره في العالم، على صناديق الاقتراع، في أول انتخابات عامة حرة ونزيهة يشهدها العالم العربي والإسلامي، بل والعالم الثالث برمته تقريبا، وفي الظروف القاسية التي يمر بها العراق، ولذلك دمعت عيونهم فرحا وابتهاجا، ولسان حالهم يقول للعراقيين (يا ليتنا كنا معكم، فنفوز فوزا عظيما) أما إعلام الأعراب، وماكينتهم الدعائية السوداء، وكل أنظمة الجاهلية الحديثة المتسلطة ظلما وعدوانا على رقاب الشعوب، المحرومة من ابسط حقوقها .

أما منظومة الفكر القومجي العنصري والطائفي البغيض، الذي كان يتمنى لو تفشل تجربة العراقيين، حتى لا تقدمهم إلى محكمة الضمير والتاريخ والشعوب، التي لم ينتج لها هذا الفكر المتخلف الرجعي، سوى الأنظمة الشمولية والجهل والتخلف والأمية والفقر والمرض والحزب الواحد والقائد الأوحد وعبادة الزعيم .

أما كل أنظمة الانقلابات العسكرية (السرقات المسلحة) والأنظمة الملكية التي لا تتمتع بأية شرعية، كونها تأسست تحت الاحتلال الأجنبي وبرعاية ودعم مباشر منه، أما كل هؤلاء، فقد بكوا بكاءا مرا واحمرت مآقيهم حزنا وكمدا على ما شهده العراق من ملحمة تاريخية عظيمة، كذبت تحليلاتهم، وخطأت آراءهم، وسفهت أحلامهم، وقلبت كل حساباتهم، رأسا على عقب، هذه الملحمة التي لن يفهم فلسفتها أمثالهم، لأنهم جاهلون ومتخلفون، لا تهمهم سوى مصالحهم الأنانية الخاصة والضيقة، أما الشعوب ومصالحها، فإلى جهنم وبئس المصير .

ترى، ماذا قال العراقيون في ذلك اليوم ؟ ولماذا ؟ وما هي الرسالة التي أرادوا تبليغها ؟ ولمن ؟ وماذا بعد ؟ .

أولا: إنهم قالوا (نعم) كبيرة للحرية والإرادة الوطنية والكرامة الإنسانية التي يعشقها الإنسان (أي إنسان) بغض النظر عن انتمائه الديني أو القومي أو المذهبي أو أي شئ آخر، فالحرية مخلوق سماوي يلد مع الإنسان لحظة ولادته إلى الحياة الدنيا، وإذا كان الطغاة قد ينجحوا، لبعض الوقت، في سرقة هذا الجزء الصميمي من الإنسان، فانه سيعود يوما ما إليه مهما كان الثمن .

ولقد صدق الشهيد السيد محمد باقر الصدر، عندما قال قولته المشهورة قبل أن يعدمه نظام الطاغية الذليل صدام حسين عام (1980) : (إن الشعوب أقوى من الطغاة، مهما تفرعنوا) وهذا ما لمسناه في العراق اليوم، كما لمسناه بالأمس في إيران وأفغانستان والعديد من دول الأنظمة الشمولية التي صادرت حرية شعوبها لعقود طويلة من الزمن، إلا أن النهاية كانت لصالح الشعوب وليس لصالح الطغاة، مهما تجبروا وتفرعنوا، وهذا ما سنشاهده في يوم من الأيام في كل دولة من دول العالم العربي والإسلامي والثالث، التي لا زالت شعوبها ترزح تحت نير أنظمة مستبدة وشمولية، صادرت حقوق شعوبها وحولت البلاد إلى بستان لعوائلها، يتصرفون بغلاته وعائداته كيف وأنى يشاؤون، والعباد، إلى عبيد وخدم يخنقها الجهل ويقتلها المرض وتأكلها الحسرة ويبكيها ألم فراق الأحبة في غياهب السجون أو تحت التراب أو في المنافي البعيدة .

كما قال العراقيون (لا) كبيرة جدا، للإرهاب والعنف الذي بذل كل ما في وسعه لعرقلة إجراء الانتخابات العامة في موعدها المحدد، إلا أن إرادة العراقيين كانت الأقدر على التحدي والالتزام بما اتفقوا عليه من مراحل تقدم العملية

السياسية الجديدة .

كما رسمت الانتخابات (لا) كبيرة أخرى، رفضت النظام العربي العنصري الطائفي الذي سعى، هو الآخر، إلى عرقلة إجرائها في موعدها المحدد، من خلال احتضان أيتام النظام البائد، ومجموعات العنف والإرهاب التي اتخذت منه ملاذات آمنة، وتلقت منه دعما ماليا ولوجستيا واستخباراتيا واسعا، كما هو الحال مع الأردن الذي ظل يضع العصي تلو العصي في عجلة العملية السياسية الجديدة، في محاولة منه لإفشال تجربة العراقيين، ولكسب الوقت من اجل إيجاد موطئ قدم لفلول النظام البائد أو للإرهابيين، للحيلولة دون مشاركة الأغلبية المطلقة من العراقيين في العملية السياسية الجديدة .

ثانيا: لقد صاغ نسيج الديمقراطية الجديدة في العراق الجديد، دماء الشهداء الأبرار الذين حفرت دماءهم الطاهرة نهرا ثالثا بمحاذاة نهري دجلة والفرات امتد من أقصى الشمال إلى أدنى الجنوب، ولولا تلك الدماء الزاكية التي أريقت على ارض العراق الحبيبة، لتسقي شجرة الحرية والكرامة ولتصون الوحدة الوطنية، ولتعطي دفعات متتالية ومستمرة من روح الثبات والتصميم والصبر والمثابرة، للقادة والزعماء، ولكل عراقي حر شريف، لما أينعت ثمارا يتلذذ بها العراقيون اليوم، ولذلك فان الفضل كل الفضل لما شهده العراق يوم الانتخابات يعود (بعد الله تعالى الذي وفق العراقيين لأداء رسالة شهدائهم) إلى دماء الشهداء الذين أرخصوا كل غال ونفيس، من اجل أن يحيا العراق مستقلا، والعراقيين أحرارا وسعداء .

اليوم فقط أثمرت دماء الشهداء، واليوم فقط سجل العراقيون كل الحب والتقدير والوفاء لدماء شهدائهم، واليوم فقط حقق الشهداء ما ضحوا بدمائهم من اجل إنجازه ، فالحمد لله أولا وأخيرا .

اليوم فقط، سيرقد الشهداء في قبورهم هانئين مطمئنين، وهم يرون دماءهم قد أينعت شجرة طيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، فلتقر عيونهم في المقابر الجماعية والأنفال وحلبجة وحملات تنظيف السجون وكل دم طاهر أريق من نحر عراقي أو عراقية، كبير أو صغير، في سجون النظام الشمولي البائد .

  اليوم فقط، ستسكن آهات الأرامل ويهدأ أنين الأيتام، وتعود البسمة إلى شفاههم، بعد غياب دام عقود طويلة من الزمن .

لقد أحيت الانتخابات ذكرى الشهداء وعوائلهم وأسرهم على أحسن وجه، ليس بالخطب الرنانة والكلام المعسول، وإنما بالفعل الحضاري والإنجاز التاريخي الكبير الذي سيصونه العراقيون في مآقيهم خوفا عليه من السراق واللصوص والإرهابيين، أن يسرقوه أو يقتلوه، وهو بعد في المهد صبيا .

ومن اجل أن نكون منصفين أكثر، يلزم أن نسجل هنا مدى عظمة الدور الذي لعبته المرجعية الدينية، وأخص بالذكر المرجع السيستاني، في إرساء دعائم الديمقراطية الجديدة في العراق الجديد .

سيسجل التاريخ للأجيال القادمة، حقيقة أن من أبرز من ساعد على انتزاع الحرية التي سلبها منهم النظام الشمولي، والتي حاولت مجموعات العنف والإرهاب، أن تختطفها منهم، هي المرجعية الدينية، أولا وقبل أي طرف آخر، فهي التي أصرت على إجراء الانتخابات في موعدها المحدد، وتمسكت بقرار العودة إلى رأي الشعب مهما كان الثمن، وتشبثت بالنظرية التي تقول بأن الشعب العراقي بالغ سن الرشد، وهو عاقل بما يكفي للتمييز بين ما هو لمصلحته وما هو ضدها، ولذلك يلزم أن نمنحه الفرصة للوقوف أمام صندوق الاقتراع، ليدلي برأيه، ويقول كلمته، من دون وصاية من أحد، فهو الأقدر على التفكير بعقله السليم، من دون الحاجة إلى أن يفكر الآخرون بالنيابة عنه. كل ذلك، بالرغم من ضخامة الضغوطات التي مورست ضد المرجعية الدينية، لثنيها عن عزمها الراسخ، وبالرغم من كل العنف والإرهاب والتهديد والوعيد الذي مورس ضدها من قبل أطراف عديدة، كان من بينها المحاولات المحمومة التي بذلها ملك الأردن في هذا الصدد، عندما طعن بولائها واتهمها في انتمائها، إلا أن عزيمة المرجعية كانت هي الأقوى، وان تصميمها كان هو الأمتن، لان عزيمتها من عزيمة العراقيين، وان تصميمها من تصميم العراقيين، وصدق الله العظيم الذي يقول في محكم كتابه الكريم : (فأما الزبد فيذهب جفاءا، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).

ثالثا: لقد حملت الانتخابات، ثلاث رسائل هامة:

الأولى، إلى الشعوب المقهورة والمضطهدة والمغلوب على أمرها، لتقول لهم، أن بامكانكم، كذلك، أن تنجزوا مثل ما أنجزه العراقيون، بالإصرار والثبات والتمسك بإرادة الاختيار .

صحيح أن ما حققه العراقيون في يوم الانتخابات، كان معجزة وحلما بعيد المنال، إلا انه قابل للتكرار إذا ما صمم شعب من الشعوب على أن ينال حريته ويقرر أن يختار، فإرادة الشعوب أقوى من كل إرادة أخرى، وان تحدي الإنسان للمعوقات، أشد من أي تحد آخر مهما اشتد خطره، والى هذا المعنى أشار الشاعر بقوله:

إذا الشعب يوما أراد الحياة ... فلابد أن يستجيب القدر  ولا

بــــد لليــل أن ينجـلــي ... ولابـــد للقيد أن ينكســر

أما الرسالة الثانية، فقد وجهها الحدث إلى الأنظمة الاستبدادية الشمولية التي تقهر شعوبها، وتحكمها بالحديد والنار .

مفاد الرسالة، أن على مثل هذه الأنظمة، أن تتعظ بمصير الطاغية الذليل صدام حسين، فتبادر إلى الإصلاح الجذري والحقيقي قبل أن تجبر عليه، بطريقة من الطرق ، وسوف لن تأسف شعوبها عليها إذا ما عثر على زعاماتها في حفر حقيرة كحفرة العنكبوت التي وجد فيها الطاغية الذليل من قبل .

لا تكابروا، فشعوبكم ليس معكم، لأنها، وببساطة، لم تنتخبكم، وإذا كنتم في شك من ذلك، فدعوا الشعوب وشأنها ساعة من نهار، وارفعوا عنها سياطكم يوما أو بعض يوم، ليرى العالم ماذا ستفعل حينها .

أما الرسالة الثالثة، فهي موجهة إلى فقهاء التكفير والجهل والأمية الدينية (إن صح التعبير) ممن حرموا الانتخابات وكفروا أدوات العملية الديمقراطية، واعتبروا صندوق الاقتراع هدفا عسكريا مشروعا لعملياتهم الإرهابية الإجرامية .

تقول الرسالة، بان الديمقراطية، هي مفهوم ديني في جوهره، وان وسائلها وأدواتها، مشروعة لا زالت تنجز للناس ما هو أفضل من الاستبداد والديكتاتورية، فلقد أحل كبار فقهاء وعلماء ومراجع العراق هذه الممارسة الإنسانية، بعد أن اعتبروها أفضل الطرق وأسلمها لمنح الشعب حقه في الاختيار، ومعلوم، فان الحاكم الذي يلي أمور الناس بلا مشورة وانتخاب واختيار منهم، لهو حاكم غير شرعي، لا من الناحية الدينية ولا من الناحية القانونية، فضلا عن السياسية، حتى إذا كان أعلم الناس وأفقههم وأحسنهم عملا، لان الملاك في قياس شرعية الحاكم ــ أي حاكم ــ هو رأي الناس، ولذلك رفض أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) تولي أمور المسلمين بعد مقتل الخليفة الثالث، إلا بعد عقد البيعة العامة في المسجد ، يشترك فيها الكبير والصغير، المرأة والرجل، كما رفض ابنه الإمام الحسن بن علي (عليه السلام) تولي أمور المسلمين بعد استشهاد أبيه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، إلا بعد عقد البيعة العامة في مسجد الكوفة كذلك، وان ممارسة (الكفار) ــ على حد وصف فقهاء التكفير للآخر ــ لقيمة من القيم الإنسانية الحضارية، كالانتخابات مثلا، لا يحرمها على المسلمين، أو يسقط شرعيتها أو لا يجيز للمسلمين ممارستها، والحديث الشريف عن رسول الله (ص) يقول : (الحكمة ضالة المؤمن) .

رابعا ــ لقد أنجز العراقيون يوم الانتخابات، خطوة تاريخية مهمة وكبيرة، ولكنها ليست كل شئ، بل أن المشوار طويل أمامهم، يلزم أن يقطعوه بخطوات متتالية ومتواصلة، الواحدة بعد الأخرى .

إن ولادة الديمقراطية في العراق الجديد، تشبه إلى حد بعيد ولادة الجنين من بطن أمه، فلا يكفي انعقاد النطفة ليرى نور الحياة، بل لا بد على الأبوين أن يتابعان خطوات الحمل خطوة فخطوة، ويظلان يسهران على الحمل حتى تكتمل شروطه، وان أي قصور أو تقصير من قبلهما خلال فترة الحمل، يعرض الجنين إلى الخطر، وربما الموت في بطن أمه، أو عند الولادة .

وتلك هي شروط عملية بناء الديمقراطية، فهي كذلك، بحاجة إلى المداراة والمراقبة المستمرة لرفدها بكل شروط ومقومات النمو والتكامل والاستمرار، للحيلوية دون اعتداء اللصوص عليها أو القتلة المحترفين أو حتى أعدائها،

وللحيلولة كذلك دون انحرافها واختطافها من قبل أي كان .

على العراقيين أن يفتحوا عيونهم جيدا، ولا يشغلوا أنفسهم بنشوة الانتصار التاريخي الكبير الذي تحقق على أيديهم يوم الانتخابات، وليتذكروا ضخامة المسؤولية التي يتحملونها، والتي حملهم إياها نجاحهم يوم الأحد، فالنجاح يزيد من مسؤوليات الإنسان، وان تقدمه خطوة إلى الأمام، يضاعف عليه المسؤولية .  أما بالنسبة إلى الذين انتخبهم العراقيون، وفازوا بمقاعد في المجلس التأسيسي الجديد، فليسمحوا لي أن أقول لهم ما يلي:

أولا: تذكروا أبدا بان ولي نعمتكم هو الشعب العراقي أولا وأخيرا، فلقد فاز كل واحد منكم بمقعده، عن طريق صندوق الاقتراع، الذي أدلى به العراقيون بصوتهم وثقتهم بإرادة حرة، واختيار واعي إلى درجة كبيرة، ولذلك، لستم مرتهنين إلى فضل الأجنبي عليكم، كما هو شأن الأنظمة الشمولية، ولستم أسرى الدبابة التي جاءت بالعديد من الأنظمة العسكرية إلى سدة الحكم بانقلاب عسكري سموه اللصوص (ثورة)، كما كان الحال بالنسبة إلى النظام البائد .

كذلك، فليس لآبائكم أي فضل عليكم، لأنكم لم ترثوا عنهم السلطة في نظام ملكي وراثي، كما هو الحال بالنسبة إلى عدد من أنظمة الجيران، كالأردن مثلا .

أعرف، أن أكثركم يصعب عليه استيعاب هذه الحقيقة، فجلكم لم يمارس الديمقراطية طوال حياته، وكلكم، ربما، لم ير صندوق الاقتراع في حياته، لا على مستوى العراق ولا على المستوى الحزبي الداخلي، ولكنها الحقيقة التي يجب أن تضعوها نصب أعينكم، لتبنوا على أساسها واقعكم الجديد .

إن انتخابكم من قبل العراقيين، هو الأقرب إلى الحقيقة، من بين كل الانتخابات المسرحية التي يشهدها العالم العربي بين الفينة والأخرى، كلما احتاجها الحاكم لذر الرماد في العيون، أو لامتصاص نقمة شعبية، أو للرد على تقرير دولي يهتم بحالات حقوق الإنسان، ولذلك فان تبوءكم لمقاعدكم في المجلس النيابي، لا يشابهه شئ في البلاد العربية، والكثير من البلاد الإسلامية، التي اعتادت شعوبها أن ترى ممثلا واحدا على حلبة المسرح، يفوز دائما بالنسبة الكاملة، كما كان يفعل نظام الطاغية الذليل .

لذلك، عليكم أن تكونوا نواب الشعب وليس نواب الحكومة، أو نواب زعيم الحزب، من اجل أن تمارسوا مسؤولياتكم على أحسن وجه، فتراقبوا الحكومة وتحاسبوا المسؤولين وتتابعوا حركة المال العام والتعيينات، بلا خوف أو وجل، لتحاربوا الرشوة والمحسوبية والسرقة والمداراة، وكل عوامل الفساد الإداري والمالي المستشري اليوم في الوزارات العراقية ودوائر الدولة .

وعليكم أن تضعوا نصب أعينكم مصالح العراقيين، وتدافعوا عنها، لتردوا لهم جميل ثقتهم فيكم، فلا تخيبوا ظنهم فيكم، وفي الحديث عن رسول الله (ص) يقول : (إذا أحسن امرئ بك ظنه، فصدق ظنه)، فلنرى كيف ستصدقون ظن العراقيين فيكم، والا، فان أمامكم مشوار طويل، سيقف فيه العراقيون مرات وكرات أمام صندوق الاقتراع، ليقولوا رأيهم فيكم وفي غيركم، وإذا كان باستطاعة العراقيين أن يحملوكم إلى مقاعد البرلمان في هذه الانتخابات، فان بامكانهم، كذلك، أن يحملوكم إلى مزابل التاريخ في المرات القادمة، إذا أسأتم توظيف الثقة التي منحوها لكم، وأسأتم التصرف، وتذكروا دائما بأن هذه الانتخابات ليست نهاية التاريخ، وأن لهذا اليوم الذي أنتم فيه، له ما بعده، فافعلوا خيرا تجزون خيرا، وأنجزوا خيرا تمنحون ثقة من جديد .

عليكم أن تصونوا ثقة العراقيين بكم، من خلال صيانة شرف مسؤولية الموقع الذي تبوأتموه، ومن خلال صيانة دماء العراقيين وأرواحهم وشرفهم ودينهم والمال العام ومواقع المسؤوليات وأمنهم، وكل ما يرتبط بهم من قريب أو بعيد .

ليكن همكم الذي يؤرق ليلكم ويشغل بالكم، خدمة العراق والعراقيين، فلا تستعجلوا السرقة والغش والتزوير، كما فعل أسلافكم، فان (أعظم الخيانة، خيانة الأمة) كما في الحديث الشريف عن رسول الله(ص).

ثانيا ــ صحيح أنكم تمثلون الأغلبية الساحقة من الشعب العراقي، ولكن عليكم أن لا تنسوا حقوق الأقلية الضئيلة التي همشت نفسها بنفسها، عندما رفضت المشاركة في الانتخابات، أو منعت من ذلك، لأي سبب كان، كالمراهنة، مثلا، على الإرهاب الذي تصورت بأنه سيفل من عزيمة العراقيين، فلا يشتركوا في الانتخابات، أو خوفا منه .

أما الآن وقد فاز العراق وانهزم الإرهابيون، وفزتم بثقة العراقيين، فعليكم أن تضعوا نصب أعينكم مصالح كل العراقيين، من خلال تجاوز مخلفات الماضي وآثار الزمن الذي ولى، فتضعوا الانتماء الطائفي والاثني والسياسي والفكري جانبا، وتستحضروا الانتماء الوطني فقط، من اجل أن تصونوا حقوق كل العراقيين، كمواطنين من الدرجة الأولى، بغض النظر عن أي انتماء آخر، فالوطن هو الوعاء الكبير الذي يحتضن الجميع، مهما اختلفت انتماءات المواطنين .

على كل واحد فيكم، أن يتذكر بأنه يمثل كل العراقيين، وليس دينه أو مذهبه أو قوميته أو حزبه أو تياره، ليشعر كل العراقيين، حتى أولئك الذين لم يحالفهم الحظ في المشاركة في الانتخابات، ولأي سبب كان، بأنهم ممثلون، بالفعل،  في المجلس التأسيسي، وان هناك من سيحرص على تثبيت حقوقه في الدستور العراقي الجديد وفي النظام السياسي الجديد، وان هناك في المجلس من سيقاتل من أجل صيانة حقوق كل مواطن عراقي، فردا فردا، وأنه سوف لن يسمح لأحد، بأن يتجاوز على حق من حقوق المواطن، كمواطن، أو يغمض عينه عنه .

لا نريد أن نشهد تضخما لحقوق شريحة من العراقيين، على حساب ضمور حقوق شريحة أخرى، أبدا، فاستقرار العراق الجديد مرهون بالتوازن الحقيقي والفعلي لحقوق كل مكونات الشعب العراقي، بغض النظر عن أي انتماء .

لا نريد لأية أقلية أن تشعر بالغبن، ولا نريد لأية أكثرية أن تزهو بالطغيان على حقوق الآخرين، فالديمقراطية لا تعني حكم الأكثرية التي تفرزها صناديق الاقتراع، فحسب، وإنما تعني بالدرجة الأولى، قدرة الأكثرية على صيانة حقوق الأقلية، وكذلك تعني قدرة الأقلية على أن تكون في يوم من الأيام أكثرية عند صندوق الاقتراع، وهذا بحاجة أولا وقبل كل شئ، إلى أن يتحول مفهوم الأكثرية والأقلية في العراق الجديد، من الأكثرية أو الأقلية الدينية أو المذهبية أو القومية (الاثنية) إلى الأكثرية أو الأقلية السياسية فقط، والتي ستتنافس عند صندوق الاقتراع، على أساس برامجها السياسية وليس على أساس انتماءاتها الدينية أو المذهبية أو الاثنية أو ما إلى ذلك، من الانتماءات التي لا تخدم العملية الديمقراطية الجديدة ــ إذا استمرت ــ بأي شكل من الأشكال .

ثالثا ــ تذكروا دائما، بأنكم تؤسسون للتاريخ، بالإضافة إلى الحاضر، وهذا يتطلب منكم أن تكونوا رجالا استراتيجيين، فلا تنشغلوا بملايين التكتيكات التي لا تعادل بوزنها وأهميتها، استراتيجية واحدة، فمثل التكتيكات كمثل النار في الهشيم، تشتعل بسرعة وتنطفي بسرعة، أما النار التي تشتعل في الحطب، فصحيح أنها تأخذ وقتا لتلتهب، إلا أنها تستمر طويلا طويلا قبل أن تخمد، ولذلك فهي أكثر نفعا للناس من نار الهشيم .

تذكروا بأن عراقا جديدا طور التأسيس والتكوين، وإذا كان جيلكم سينقرض بأجساده خلال الزمن المنظور، فان عليكم أن تنجزوا ما يؤسس لبناء عراق ثابت ومستقر، تمتد آثار إنجازاتكم فيه إلى عشرات، بل مئات السنين، وعندها، فبدلا من أن تشملكم الأجيال القادمة باللعن مع كل طاغوت مر على العراق، فإنها ستترحم عليكم، وتتذكركم بكل خير، ووقتها، سيفخر أبناؤكم وأحفادكم بإنجازاتكم الاستراتيجية التاريخية .

لقد شاء الله تعالى أن تتبوءوا مقاعد المسؤولية في العراق، في ظرف تاريخي هو من أخطر وأعقد المراحل التاريخية التي مر بها العراق، فإنكم ستساهمون في صياغة الدستور الدائم، وأنكم ستساهمون في الانتقال بالعراق من منعطف إلى آخر، وأن عيون العراقيين، ومعهم عيون العالم، شاخصة إليكم، فهل ستقروا عيوننا، ام ماذا ؟ .

نتمنى أن تكونوا بمستوى المسؤولية التاريخية، وبمستوى تحديات الحدث العراقي الكبير، من خلال الانشغال بالأهم من الأمور وسحق الأنانية وتجاوز الانتماءات المختلفة، إلا الانتماء إلى العراق وشعبه، لتصونوا العراق من مخاطر التقسيم والحرب الأهلية وغياب السيادة والمؤسسات الدستورية، وتصونوا حرية العراقيين وكرامتهم وشرفهم وتضحياتهم ودماء شهدائهم،  ولتكونوا ضمير العراقيين الذين منحوكم ثقتهم، من خلال الإصغاء إلى نبض الشارع العراقي، وليس إلى أي شئ آخر .

رابعا ــ بادروا إلى تشكيل حكومة وطنية قوية، قوامها العناصر الكفوءة والنزيهة،  صاحبة الخبرة والتجربة والتاريخ النضالي والجهادي الطويل .

لا تطعموا حكومتكم بأيتام النظام البائد محاباة أو أثرة، كما فعل الأخضر الإبراهيمي من قبل، فلستم مضطرين إلى هذا الأمر، وإذا غفر العراقيون لمجلس الحكم المنحل ذلك، بحجة الضغوط التي مورست عليه من قبل الأمم المتحدة وغيرها، فإنهم سوف لن يغفروا لكم ذلك إذا ما تكرر الخطأ مرة أخرى، إذ ليس لكم حجة إذا ارتكبتم الخطأ من جديد، لأنكم تستمدون قوتكم من الشعب وليس من المحتل أو الأمم المتحدة، كما كان في السابق، وليس عليكم من وصي سوى العراقيين أنفسهم، فلماذا تنتهجوا الخطأ في تشكيل الحكومة القادمة ؟ .

بادروا إلى تنظيف أجهزة الدولة من أيتام النظام البائد، وطهروا مرافقها من المجرمين والإرهابيين ومجموعات العنف والطائفيين والفاشلين والموتورين .

بادروا، كذلك، إلى تصحيح مسارات تشكيل بعض الوزارات والأجهزة الحساسة، التي قسمت خطأ على أساس طائفي أو ترضية للقومجيين العرب ولأيتام النظام البائد، كوزارتي الدفاع والداخلية وجهاز المخابرات .

طهروا هذه الوزارات، على وجه التحديد، من أيتام النظام البائد ومن الطائفيين والعنصريين الحاقدين، ومن الموتورين والفاشلين والمهزومين، ومن العناصر التي ثبت تواصلها وتعاونها مع أعداء العراق، بصورة من الصور، فهي وزارات وأجهزة حساسة جدا، حتى لا تتكرر المقابر الجماعية والأنفال وحلبجة ولعبة الانقلابات العسكرية من جديد .

ليدخل الحكومة وأجهزة الدولة، ضحايا الاستبداد والديكتاتورية والعنف والإرهاب فقط، وما أكثرهم، وفيهم أفضل الكفاءات والخبرات، وليترك الوزارة أيتام النظام البائد وأيتام الاستبداد ومجموعات العنف والإرهاب، إلى غير رجعة، حتى يتوفاهم الله أو يجعل لهم سبيلا، فمثلهم كمثل الارضة، يبدأ عملها صغيرا، لينتهي بخراب البيت وانهدام المنزل على رؤوس ساكنيه .

كلمة أخيرة أقولها لمن لم يفز بمقعد في هذه الانتخابات .

إنها ليست نهاية التاريخ، فأمامكم مشوار طويل، إن أحسنتم الأداء فستفوزون في اللاحق منها، إذ ليس المهم الموقع، وإنما المهم هو الأداء، فإذا صفيت النوايا لخدمة العراقيين، فسيمنحونكم الثقة في المرات القادمة .

أما الذين جاءت حساباتهم خاطئة، عندما قاطعوا الانتخابات لسبب من الأسباب، فعليهم أن يتذكروا كذلك، بأن بامكانهم تصحيح الخطأ إذا أصغوا إلى نداء العقل، والى نداء العراقيين الذين اختاروا ما أرادوا في يوم الأحد، شريطة أن لا يحنوا إلى الماضي، ولا يتأسفوا على ما فقدوه بسقوط النظام الشمولي البائد، وان ينظروا إلى الأمام، والى الأمام فقط .

 10 شباط 2005

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية - الأحد 13/2/2005 - 4/ محرم الحرام/1425