من المفروغ منه ان الفضائيات العربية لها تأثيرها الكبير على شخصية
المشاهد بالسلب والايجاب بخاصة أن هناك برامج تؤثر على عقلية المشاهد
الذي يتعايش لساعات طويلة يومياً ما يشاهده في الفضائيات من برامج
متنوعة بين الانتاج الداخلي والبرامج المستوردة، وأخْوَفُ ما تخافه
العائلة التي تتسمر أمام العدسة الفضية هي الدراما المدبلجة المستوردة
من بيئات وثقافات تتعارض في أحايين كثيرة مع الثقافة العربية
والاسلامية.
قد تجد الأسرة متعة في الدراما اللاتينية أو الانجليزية المدبلجة،
لكن الثقافات المغايرة تتسرب إلى عقل المشاهد كتسرب الماء من بين فتحات
الخشبية اللوحة دون ان تدرك مباشرة، وقد تطبع هذه الثقافات المستوردة
ببصماتها على سلوك المشاهد ومشارعه وبصورة تدريجية دون أن ينتبه إليها
الوالدان أو المرشد التربوي، فبإمكان البرامج المستوردة أو المنتجة
داخلياً بمفردات ثقافية منزوعة الاصالة أن تخلق الاضطراب الاجتماعي
وعدم الاستقرار في النفوس، وإضعاف الروابط الأسرية. والمشكلة الأكبر أن
بعض الفضائيات الموجهة للعرب والمسلمين تتسابق فيما بينها على جذب
الشباب والشابات والتلاعب بأحاسيسهم ومشاعرهم من خلال البرامج الهابطة
والفيديو كليب الهابط والمسلسلات المستوردة من سوق الدراما الهابطة.
ان الخروج من الدوامة التي يعيشها المشاهد يكون اقرب إلى الواقع
إذا ما توفرت لدى الجميع القدرة على الصراحة والمصارحة والمكاشفة بين
القناة الفضائية والمتلقي من أجل بناء قاعدة فكرية إيجابية وحس فني
رفيع، وخلق الثقة بين ما تعرضه الشاشة الصغيرة والمشاهد، بخاصة وان
القنوات الفضائية تبحث عن المصداقية وتحاول الاستئثار بأكبر عدد من
المشاهدين تجذبهم إليها.
فالمشاهد العربي والمسلم الذي يبذل ساعات حياته في المشاهدة
والمتابعة المرئية ليس متعطشاً إلى برامج الغناء الفاحش والرقص
والأفلام الهابطة والبرامج والمسابقات التي تستغبي عقول الناس، في وقت
أصبحت العولمة تمثل في أحد أوجهها مصداقاً للغزو الثقافي الفكري
لعالمنا وشبابنا، فما الذي تستفيده مجتمعاتنا المحافظة من مسلسلات
لاتينية وغربية تعرض الحوارات الهابطة الجارحة للمشاعر وتعرض الابتذال
الجسدي؟ وفي كثير من الأحيان يصاب المشاهد بالغثيان والقرف لما يشاهد
من برامج زائفة على بعض الفضائيات العربية حتى ليعتقد المشاهد أنه يعيش
في بيئة غير بيئته المحافظة، وفي أجواء تنسلخ به عن اجواء العفة
والسلام والطمأنينة.
ومن المفارقات ان أفلام الصور المتحركة (الكارتون) المعروضة للاطفال
فيها ما يخدش الحياء، وفيها افراط في العنف، بخاصة أفلام الكارتون
القديمة لتوم وجيري التي عزفت بعض القنوات الغربية عن بثها لما فيها من
تشجيع على العنف.
ولا شك ان بعض الفضائيات الناطقة باللغة العربية مدعومة من قبل
رأسماليات عربية وغير عربية تحاول التأثير سلباً على ثقافتنا
ومجتمعاتنا وإعلامنا، وهي مبرمجة هدفها تشويه الحقائق وتخريب الفكر
والوجدان وإحداث إنحرافات في تقاليد مجتمعاتنا العربية والاسلامية ومثل
هذه الفضائيات هي سلاح ذو حدين، بخاصة الفضائيات التي تضرب على وتر
الخلافات المذهبية والطائفية التي تعتقد انها تنتصر لهذه الطائفة او
تلك.
ولكن بالرغم من السلبيات المنبعثة من هذه الفضائيات، فهناك جهود
قيمة لبعض الفضائيات التي تعمل على ربط المسلمين في أنحاء العالم
بشعائرهم ورموزهم المقدسة، بخاصة في المناسبات الإسلامية كأيام الحج
وشهر رمضان المبارك وأيام شهري محرم وصفر لتخليد ذكرى استشهاد الامام
حسين(ع) وذكرى رحيل النبي الاكرم محمد (ص)، كما لا يمكن تجاوز الجهود
التي تبذلها القنوات الفضائية واهتمامها بشؤون الجاليات المسلمة
والمغتربة، وتخصيص برامج دينية مترجمة بلغات أخرى غير العربية موجهة
الى الجيل الجديد الشاب، وهذا دور مميز ذو قيمة معنوية يؤدي الى جمع
شمل المسلمين كأمة.
ومن الإيجابيات التي تحتسب لبعض الفضائيات العربية هي ما توفره من
المتابعة الإخبارية الفورية للأحداث في كل وقت وفي كل مكان، وبصورة
محايدة دون ضجيح أو تهويل، وكذلك ما تقدمه من برامج شرعية ودروس
ولقاءات مع قيادات الأمة وعلمائها، وبرامج علمية متنوعة وتاريخية
وثقافية وتعليمية دراسية، وغير ذلك من البرامج المفيدة.
إن البيت واحة العائلة والقنوات الفضائية أشجارها، فأما أن تقدم
القناة الفضائية ثماراً طيبة أو حنظلاً، ولا أعتقد أن القناة المحترمة
الهادفة ترضى لنفسها أن تقدم ما يؤذي العائلة والمجتمع ويضعف من مناعة
جسد الأمة، أو أن تستبدل الحصرم الذي هو أدنى بالكرم الذي هو خير.
salahmazaj1@hotmail.com |