ربما اعتاد الكثيرون عند راس كل سنة ميلادية ان يصبوا باعينهم نحو
عواصم الجمال والسحر مثل باريس ولندن وربما نحو واشنطن ولاس فيغاس
ليرقبوا عن كثب كيف تمر اخر ساعات السنة الميلادية وسط الانوار
والافراح والرقص في شوارع تلك العواصم.
غير ان بغداد ابت على نفسها الا ان تشاطر تلك العواصم اعين الناس
واهتمامهم وان تبقى محتفظة باكبر عدد من المراسلين والاعلاميين ليس
لاحياء حفلات الرقص هنا او للغرق بانوار راس السنة الميلادية بل لان
بغداد مازالت حتى الان فى مخاضها الذي ستلد عنه عاصمة جمال .
هذه المدينة التي زرعها ابو جعفر المنصور على ضفاف دجلة اعتادت منذ
سنوات ان تحيى راس السنة الميلادية بالكعكة والتهاني والغناء والرقص
ومع ان هذا ليس من الارث الاسلامي لعاصمة دولة المسلمين بشىء غير ان
بغداد اصرت ان تستورث اعياد كل الشعوب والطوائف الدينية لانها مهد كل
حضارات الارض ومنبع اديانها. الكعكة مثلا كانت تقليدا لم يستغن عنه
العراقيين رغم ايام الجوع والقحط التي عانوا منها كثيرا ابان سنين
الحصار العجاف ورغم انها لم تكن في ذلك الوقت نظرا للشحة والقحط كعكة
بمعنى الكلمة ولا تمثل نسبة لكعكة الطاغية في عيد ميلاده اي شئ الا ان
اجتماع العائلة عليها في اخر ايام السنة كان له اكثر من مغزى.
فالعراقيون اعتادوا ان يلملموا جراحات الحروب وويلات الحصار
ليركنوها في زاوية ضيقة عندما ياتى اليوم الاخير من السنة فهناك متسع
للفرح رغم انف الاحزان وهناك وقت لارتداء قبعة بابا نويل وتقديم الحلوى
والهديا للصغار في العراق رغم ويلات الحروب. ام محمود وهي معلمة
متقاعدة قالت " لقد اعتدنا منذ سنين ان نجتمع في بيتنا الصغير في اطراف
الناصرية عند اليوم الاخير وادعوا بناتي وازواجهن فضلا عن ابني الكبير
وزوجته اللذين يسكنان معي في نفس البيت على مادبة عشاء اجمل مافيها هو
اجتماعنا معا فضلا عن صنع الكعكة والدعاء اخر الليل". اما حيدر الطالب
الجامعي فهو يذكر انه قضى ليلة راس السنة الماضية عند احد اصدقاءه رغم
الوضع الامنى المتردي في العاصمة العراقية بغداد انذاك وقد قرر ان
يقضيها هذا العام كذلك بصحبة رفاقة ضاربا بعرض الحائط وصايا والدته
التي اكدت ان ابنها لايريد لها ان تنام هانئة مطمئنة في اخر ايام العام.
الامر اختلف بعض الشئ مع يوسف وهو مسيحي فهذا العام ليس كسابقه
فمعظم اصدقاءه واقاربه المسيحيين قرروا ان ينهوا اعياد الميلاد خارج
العراق ربما كان هذا نتيجة واضحة لاستهداف المسيحيين العراقيين داخل
العراق في الاونة الاخيرة لكن يوسف حدثني وهو يشتري لصغيره قبعة بابا
نويل من بائع متجول قائلا "لايزال هناك بعض الامل بان يعود السلم
والامان ليعم كافة العراقيين من سنة وشيعة ومسيحيين عرب واكراد".
فيما اشار صفاء بعلامة تفائل كبيرة سيشهدها العراقيون في ليلة راس
السنة الميلادية هذه فقد ذكرني ان هذه الليلة ستكون اخر ليلة من اخر
سنين الحكم اللاديمقراطي في العراق فبغداد على مفترق طرق بعد ان اتفقت
كل الفصائل الشعبية والاحزاب والتكتلات السياسية على ان يكون العام
المقبل 2005 عام الانتخابات العراقية الاولى في تاريخه وان اختلف البعض
في رغبته في اي شهر من هذا العام يود ان تقام فيه الانتخابات.
لم تشهد بغداد في تاريخها القديم او التاريخ المعاصر قيام دولة
دستورية منتخبة بصورة كاملة وشرعية من قبل الشعب بل ان هذه العاصمة
التي حكمت العالم لسنين طويلة كانت ضحية القمع والاستبداد وحكم الفرد
الواحد لاكثر من عقد.
اذا سيحتفل العراقيون براس السنة الميلادية مثلما احتفلوا دائما رغم
ويلات الحروب ونهش القحط والجوع تحت قنديل من الامل وشئ من الحرية ووعد
جميل بانهم فى القادم من الاعوام سينعمون بحياة افضل ومستقبل اجمل لهم
ولاطفالهم الذين اعتادوا ان يكونوا قرابين للمقابر الجماعية واجسادا
طرية تنهشها السيارات المفخخة.
المصدر: كونا |