لن يحتفل مسيحيو العراق بعيد الميلاد هذا العام.. فقد ألغي قداس
منتصف الليل المظهر الرئيسي للاحتفال بسبب حظر التجول الليلي.
ولن يذهب كثيرون إلى الكنائس صباح يوم عيد الميلاد خوفا من أن يوجه
المسلحون الذين هاجموا من قبل كنائس ومساجد واحتفالات اسلامية ضربة
جديدة.
وقال بشارة جرجس (31 عاما) وهو عامل نظافة "كنا عادة نحضر قداس
منتصف الليل ثم نحتفل ونعود لديارنا حيث تجتمع الاسرة على العشاء...
لكن هذا العام لن نذهب للكنيسة لان الجميع خائفون من الارهابيين."
ورغم أن المسيحيين العراقيين الذين يمثلون نحو ثلاثة بالمئة من
السكان لم يكن لهم نفوذ يذكر في عهد الرئيس السابق صدام حسين إلا انهم
كانوا يمارسون شعائرهم الدينية دون خوف من اعمال عنف طائفية.
ومع سعي الحكومة العراقية المؤقتة لوقف الهجمات وعمليات القتل
والخطف يقول المسيحيون ان قلة عددهم تجعلهم يشعرون أنهم أكثر عرضة
للخطر.
يجلس حارس يحمل بندقية يتأرجح بمقعده خارج كنيسة سيدة الخلاص
الكاثوليكية السريانية في حي الكرادة في العاصمة العراقية بغداد.
المبنى محاط بأسلاك شائكة وكتل خرسانية لمنع السيارات من الوقوف
بقربه. وأقيمت هذه الاستحكامات بعد الأول من أغسطس آب عندما كانت هذه
الكنيسة ضمن خمس كنائس أخرى في بغداد ومدينة الموصل الشمالية تعرضت
لهجمات متزامنة سقط فيها 12 قتيلا.
انفجرت القنابل وقت صلاة المساء لايقاع أكبر قدر من الخسائر في
الأرواح فيما يبدو.
وأصبح الهجوم على الكنائس والمساجد أمرا معتادا في العراق منذ ذلك
الحين.
وهوجمت خمس كنائس في بغداد يوم 16 أكتوبر تشرين الاول الموافق أول
أيام شهر رمضان. وسقط ثمانية قتلى في تفجير كنيستين يوم الثامن من
نوفمبر تشرين الثاني. وانفجرت سيارة ملغومة قرب رجال شرطة يحرسون
المستشفى الذي نقل إليه الجرحى.
ولم يعد مسيحيو العراق وعددهم 650 ألفا بعد أن كانوا يعرفون بحرصهم
على التردد على الكنائس يجرؤون على حضور القداس حتى قداس الاحد.
لم تفتح كنيسة اليوم السابع التابعة لطائفة السبتيين في بغداد
أبوابها للمصلين منذ ان حطمت قنبلة زجاج نوافذها الملون وأشعلت النار
في جزء من المبنى في سبتمبر أيلول.
ستظل الكنيسة التي مازالت نوافذها الضخمة مغطاة بألواح الخشب مغلقة
يوم عيد الميلاد. وسيقوم القسيس بزيارة ابناء الابرشية التابعة له في
منازلهم للاحتفال بميلاد السيد المسيح في مدينة بيت لحم بالضفة الغربية
قبل أكثر من ألفي عام.
في كنيسة السيدة العذراء في العاصمة العراقية بغداد اعتاد مئات
المصلين التكدس في الممرات وعلى الدرج للاحتفال بقداس عيد الميلاد. لكن
هذا العام تبدو الحالة العامة أكثر قتامة.
وقال الاب بطرس حداد "الكنائس المسيحية لن تحتفل رسميا بعيد الميلاد
هذا العام... كل ما سنقيمه هو صلاة الصباح التي سنطلب فيها من الرب أن
يعيد السلام للعراق."
ولا أحد يحجز أماكن في المطاعم أو الفنادق أو الملاهي الليلية
لحفلات عيد الميلاد الصاخبة المعتادة.
ويقول المسيحيون العراقيون وأغلبهم من اتباع الكنائس الاشورية
والكلدانية القديمة انهم سيحتفلون في ديارهم. وحتى في المنازل وضعت
أشجار عيد الميلاد ذات الكرات والزينات الملونة وعرائس بابا نويل بعيدا
عن النوافذ. فلا أحد يريد جلب المشاكل.
وقال رعد الذي خاف ان يذكر أسمه كاملا "نشعر وكأن ليس هناك عيد هذا
العام. لا يمكننا الذهاب إلى أي مكان. لم نحضر أي طعام خاص."
وأضاف "لماذا يريد أي شخص أن يحرم الاطفال من بهجة العيد التي
يتطلعون اليها طوال العام. من هؤلاء الذين يهاجمون المواطن العراقي
العادي."
وحتى قبل أن يبدأ استهداف الكنائس كانت هناك هجمات على متاجر الخمور
والموسيقى ومصففي الشعر.
وتعرضت النساء بشكل متزايد للمضايقات لانهم لا يغطين رؤوسهن مما
أثار مخاوف المسيحيين من أن يضطهدهم المتطرفون الاسلاميون الذين زاد
نفوذهم منذ الحرب التي قادتها الولايات المتحدة للاطاحة بحكومة البعث
العلمانية.
تركت الفوضى التي سادت البلاد العراقيين من كل الطوائف في حالة خوف.
لكن بعض المسيحيين الذين يفتخرون بجذورهم في العراق التي تمتد لما
قبل ظهور الاسلام في القرن السابع الميلادي يشعرون بأنهم أكثر عرضة
للخطر بسبب الاعتقاد بأن دينهم هو عامل مشترك بينهم وبين المحتلين
الامريكيين.
وقال وليام وردة المتحدث باسم الحركة الديمقراطية الاشورية ان
المسلمين والمسيحيين مستهدفون على حد سواء.
وأضاف "عندما يقتلون استاذا جامعيا أو يقصفون خط انابيب نفطيا هم
يهاجمون العراق بأسره. انها مؤامرة لتقسيم البلاد. لكن المسيحيين ضعاف
وليس لنا نفوذ أو ميليشيات أو هياكل عشائرية."
ومضى يقول "نأمل أن يقبل الناس على الانتخابات لان مع وجود حكومة
منتخبة لن يشكو أحد من الاحتلال."
وتجري الانتخابات العراقية يوم 30 يناير كانون الثاني ويقول باعة
أشجار وزينات عيد الميلاد أنهم لم يشهدوا موسما أسوأ من هذا. لا أحد في
حالة تسمح بالاحتفال.
وقالت سيتا صاحبة متجر زهور وزينات "عادة في مثل هذا الوقت يكون ما
لدي من الزينة قد نفد لكن هذا العام لا أحد يشتري.
"نحن نعيش في العراق بلد الحرب لا في نيويورك. حتى نحن قللنا من
الزينة هذا العام خوفا من يأتي أحد ويفجرنا."
المصدر: رويترز |