من الإرهاصات القديمة الجديدة خطة تقسيم العراق إلى خمسة أقاليم
وكركوك تحت الوصاية الأمريكية. وهذا مما يجعل نوم إسرائيل هانئاً، يقول
كاتب صهيوني في معاريف، تقسيم العراق أهم الموضوعات المطروحة على طاولة
اللقاء بين المسؤولين في الدولة العبرية والمسؤولين في واشنطن منذ عام
(1991) حيث لاحت في الأفق مرحلة ما بعد الحرب الخليج الثانية إمكانية
التقسيم.
وتقسيم العراق حلم يرواد بعض دول الجوار العراقي، فالكويت تطمح إلى
التقسيم لتطمئن إلى أن نظاماً عراقياً قوياً في العراق لم تقم له قائمة
وبالتالي ستكون بمأمن عن ضمها إلى العراق من جديد، وإيران تحلم بقيام
نظام حكم شيعي موالي لها ولو على قسم من أرض العراق. والسعودية بدورها
تحلم بعراق ممزق وضعيف لكي تأمن جارها القوي الذي دافع عن وجودها ذات
يوم من الخطر القادم من الشرق. وتقسيم العراق حلم طالما رواد القيادات
الكردية التقليدية، لتبدأ من العراق تكوين إمبراطورية كردستان الكبرى
ولو كان تحقيق هذا الحلم على حساب أكراد العراق وعربه وأقلياته.
على هذا تقسيم العراق إذن، أحد أهم أهداف الغزو الأمريكي الذي ستقبض
واشنطن ثمنه من الكويت والسعودية وإيران والقيادات الكردية، إن لم تكن
قد قبضت الثمن أصلاً، إذا ما اعتبرنا تقديم الدعم اللوجستي من قبل
الكويت والدعم النفطي من السعودية وفتح أبواب شمال العراق أمام ضابط
الموساد الإسرائيلي جزءاً من ذلك الثمن.
وبوادر مشروع تقسيم العراق بدأت في لندن أثناء انعقاد مؤتمر لندن
للمعارضة العراقية، حيث حمل عراب المؤتمر آنذاك زلماي خليل زاد، ممثل
الرئيس الأمريكي جورج بوش حيث حمل إلى بعض المشاركين في المؤتمر خرائط
التقسيم باعتبارها البديل في حال وصلت المفاوضات على توزيع الكعكة
قومياً وطائفياً إلى طريق مسدود.
على فرض صحة هذه الإرهاصات لا يمكن للدول المجاورة أو الغريبة
البعيدة التدخل في الشؤون العراقية الداخلية وفرض التقسيم مادام هناك
تماسك شعبي ووعي وحدوي للعراق.
ثم الخطط وإن وضعت لكن لا يمكن تناسي أو إهمال دور أبناء الشعب
العراقي والمطالبة بوحدة أرض العراق، خصوصاً من المتعلمين والمثقفين
والعلماء والشرائح الواعية في المجتمع العراقي والمتوافر بكثرة والحمد
لله، مما يوفر وصاية الآخرين وإشفاقهم عليهم، وأيضاً لو كان التقسيم
وارداً وقيد التنفيذ خصوصاً عند حدوث أحداث تفسر بذلك فأفضل وسيلة
وأنجح طريقة لمنع التقسيم وإحباط خططه هو التمسك بإجراء الانتخابات في
موعدها وعدم التأجيل حذراً من وقوع ما يفسد الأمر.
ثم المقاومة ومدعيها وإن كانت غير مغرمة بالقتل والدم، لكنها وبعد
أشهر من الاحتلال لم تجد بداً من السير في هذا الاتجاه الدموي
والانجراف في تيار العنف والقتل والتمثيل مما شوّهت نزاهة المقاومة
وأفقدتها شرعيتها في الرأي العام وسببت في خفض مؤيديها، بل شوهت الدين
الإسلامي واتهامه بالعنف والإرهاب.
فهل العنف يجابه بعنف أكبر منه؟
وهل العراق بحاجة إلى خسائر أكبر مما خسرتها؟
وهل العنف أفقد أمريكا حجتها في الاحتلال أم زادها شرعية وقانونية؟ |