يرتبط الإصلاح في العراق بالانتخابات، فكما أن تأجيل الإصلاح دعوة
للمجهول كذلك تأجيل الانتخابات معناهُ المزيد من الويلات والدمار
والعنف والقتل. إنه تحد كبير أن يتحدث المرء عن الإصلاح بعد أن قدمت
بشأنه مقترحات ومشروعات عديدة عربية وأجنبية، فالكل يصيح ويهلل ويرفع
راية الإصلاح السياسي والاقتصادي والأمني للبلد لكن التحدي الحقيقي لكل
مكوّن من مكونات إعلان الانتخابات هو الانتقال من الإعلان إلى الإعمال
ذلك أن البون شاسع جداً بين القدرة على صياغة وثيقة بليغة وجريئة وبين
إمكانية بث الروح في هذه الوثيقة وتنفيذها على أرض الواقع. صحيح أن
الخيار السلمي هو الأفضل والأجدى للوصول إلى الأهداف التي يتمناها كل
الشعب للوطن ولكن إذا استرسل الموضوع واستدرج إلى خيار تأجيل
الانتخابات فهذا معناه التناقض مع الخيار السلمي المتخذ من قبل هذه
الشرائح السياسية.
أما التحجج بالدقة في مسألة المنطقة الانتخابية الواحدة التي هي في
إطارها العام أسلوب رائع لبلد متعدد القوميات والمذاهب والأديان مثل
العراق تشترك أكثر من طائفة أو قومية في المدينة الواحدة والحي الواحد
وكذلك انتشار أبناء هذا التشكيل الموزائيكي في طول البلاد وعرضها
يُعتبر نموذجياً شريطة أن تكون جميع المدن والمناطق تنعم بالأمن
والاستقرار الثابت، لكنها في ظل أوضاع العراق الأمنية المضطربة – كما
يقال حيث تشهد سبع محافظات اضطراباً أمنياً وتفقد الحكومة السيطرة على
ثلاث مدن كبرى بشكل أشبه بالمطلق وأنه سيحرم أبناءها من المشاركة في
الانتخابات – وتفسيرها بتفضيل طائفة أو مجموعة معينة على مجموعة أخرى
وتمكين إحداهما من الاستحواذ على مقاعد البرلمان وحرمان الأخرى منها
فلا تخلو من مبالغة وشدة في انتماء.
والآن على سبيل التذكير أنه أولاً لا يمكن بحال من الأحوال تحقيق
إصلاح اقتصادي أو اجتماعي أو أمني وثقافي بدون الإصلاح السياسي الذي
جوهره الانتخابات، كما أنه لا يمكن تغيير المجتمع بمجرد إشراك علماء
الاقتصاد الممتازين، ولا يمكن تغيير المجتمع بتكليف ثلاثين أو أربعين
وزيراً جيدين، ومعهم عدد من الموظفين التكنوقراطيين والبيرقراطيين. فلا
بد من تحقيق تنمية مستدامة، ولا بد من إشراك الجماهير، ولا يمكننا
إشراك جماهير غير معترف بها ولا تحظى بالتقدير أو الاحترام. وبذلك يكون
مفهوم الإصلاح السياسي هو السعي لخلق الشروط اللازمة لأي تغيير فعّال
في المجتمع وتفعيل هذه الشروط.
وثانياً: تحقيق مثلث الديمقراطية، والمثلث يتكون من ثلاثة مكونات
أساسية. أولها المشاركة الفعالة والعريضة من خلال التصويت والعملية
الانتخابية وصناديق الاقتراع.
إصلاحات أخرى، وخاصة إصلاحات نظام الأحزاب السياسية، ذلك أن
التعددية هي اسم لعبة الديمقراطية.
المكون الثاني: هو ضمان الحقوق الإنسانية والسياسية والمدنية التي
ينص عليها الدستور وتنفيذها.
المكون الثالث: هو حكم القانون ومعناه ببساطة حسب المصطلح المستخدم
في مجال القانون ومجال العلوم السياسية، هو تحويل نظام الحكم من حكم
الرجال والنساء إلى حكم القوانين.
وفي ظل حكم القانون، يشعر الناس بالأمان، وبدون الشعور بالأمان، فإن
جماهير الناس تلجأ إلى العصيان المدني، بغض النظر عن قوة الحكومة.
والوضع في العراق لا يصلح دون إجراء الانتخابات، إذ كيف يمكن
الإصلاح السياسي وضمان حقوق الناس وتنفيذ حكم القانون وتحقيق الأمن
والرفاهية الاقتصادية والمجتمع الثقافي دون حكومة.
فجوهر الإصلاح الذي ينبغي الانطلاق منه في العراق هو التمسك بموعد
الانتخابات وتأييد إجراءها والمشاركة فيها بكل فاعلية ونشاط حتى يتم
سيرها النظامي. |