من مكتبه في الطابق السادس بوزارة الداخلية في بغداد أخذ احمد
الخافجي المنشق العراقي السابق يتطلع إلى جنود أمريكيين يحرسون المجمع
تحت أشعة الشمس اللافحة.
قال اللواء البالغ من العمر 55 عاما "إنهم هنا لمساعدتنا حتى نقف
على أقدامنا بصرف النظر عما تسمعه من الفضائيات العربية. أغلبية
العراقيين يعرفون اننا نحتاج إليهم."
والخافجي من الضباط الذين خاضوا الحرب ضد إيران في الفترة من 1980
إلى 1988. وقد هرب ثم عاد إلى العراق بعد غزو العام الماضي لقيادة
عمليات ضد المقاتلين والمسلحين في البلاد.
والمنفيون السابقون الذين شكلتهم حرب مع إيران سقط فيها ما يصل إلى
مليون قتيل من بين طلائع المدافعين عن حقوق الانسان وحكم القانون
ولديهم رؤية راسخة عن "العراق الجديد".
ومعظمهم يعارض نموذج الدولة المركزية التي هيمن عليها عملاء
المخابرات كما كان الحال في عهد الرئيس المخلوع صدام حسين وهم يعتقدون
أن بقاء الوجود الأمريكي في العراق قد يساعد في استعادة البلاد عافيتها
كما حدث في ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية.
ويقول الخافجي إن الحرب ضد إيران جعلته يزدري نظام صدام بصورة
متزايدة. فهو لم يستطع نسيان فظائع الحرب بما في ذلك حصد أعداد هائلة
من الصبية الايرانيين المجندين.
وكثير من الذين فروا بعد الحرب العراقية الايرانية يقولون إنها
زادتهم نقمة على ايديولوجيات نظامي صدام في بغداد واية الله الخميني في
طهران.
وبعدما فر من العراق قاد الخافجي عمليات ضد قوات صدام في الأهوار
وفي الشمال الكردي.
وقال الخافجي وهو أيضا عضو بمجلس قيادة المجلس الأعلى للثورة
الاسلامية في العراق "جيلي من المنفيين ضحى بكل شيء من أجل بناء مجتمع
تعددي. حتى لو جاءت الانتخابات برئيس من عبدة الشيطان فواجبي أن اخدمه."
وتأسس المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في 1982 على يد محمد باقر
الحكيم الذي قتل في انفجار سيارة ملغومة في أغسطس آب من عام 2003 .
ويشيد المسؤولون الامريكيون والبريطانيون في أحاديثهم الخاصة بجهود
نشطاء المجلس وحزب الدعوة من جيل الخافجي لاحلال السلام في مدن مثل
البصرة.
ويتسم منهج هؤلاء النشطاء بالعملية ربما لأنهم عرفوا عواقب
ايديولوجيات مثل تلك التي تبناها البعثيون أو الخمينيون. ويقول الخافجي
وهو الآن مسؤول بارز في وزارة الداخلية العراقية إن هيمنة ايديولوجية
واحدة على الحكومة أمر لن يتكرر.
وأغلب أبناء جيل الحرب الايرانية يعارضون حزب البعث والتطرف
الاسلامي لكنهم مع القومية العربية.
وهم يتذكرون بفخر ارسال العراق قوات إلى فلسطين في 1948 ودبابات
ومقاتلات لحماية سوريا ومصر خلال حرب 1973.
وهم يصبون جام غضبهم على "الأشقاء" العرب لعجزهم عن المساعدة في وقف
تسلل المسلحين ونشر الدعاية السياسية التي يقولون إنها تشجع الهجمات
على البنية التحتية وعلى المدنيين في العراق بتصوير منفذيها باعتبارهم
أبطالا.
وسعد العبيدي منشق آخر من المنفيين الذين عادوا إلى العراق وتولى
منصبا رفيعا في الحكومة بعدما كان يوجه يوما برنامج الحرب النفسية في
البلاد.
وقد سجن لعدة أشهر بعد حرب الخليج عام 1991 لانتقاده أداء الجيش.
وتوقع العبيدي نشوب حرب لاسقاط صدام إلا أنه حذر من صعوبة تجاوز
الكراهية الطائفية وانعدام الثقة التي بذرها الرئيس السابق بين
العراقيين.
وقال "الناس أقل أمانة وتقوضت الثقة أكثر بعد الحرب. لم تتمكن
الدولة من القيام بدور لاصلاح الوضع لأنها منهمكة في شؤون الامن."
وفي المنفى عمل العبيدي مع توفيق الياسري لتأسيس حركة للضباط تعمل
من أجل فصل الجيش عن السياسة في مرحلة ما بعد صدام.
والياسري أصيب عندما هاجمت طائرات هليكوبتر منزله في انتفاضة عام
1991 ضد صدام بجنوب العراق.
ويقول الياسري وهو حفيد أحد قادة الثورة العراقية على الحكم
البريطاني في 1920 إن القوة الحقيقية تعني احترام حقوق الانسان.
وقال "الحرب علمتنا الحكمة. أراد صدام بدافع الكراهية الطائفية
تدمير أكبر قدر يستطيع تدميره من إيران. وقد دمر العراق أيضا."
والضباط المنفيون الذين انقلبوا على صدام وجدوا أنفسهم يعملون جنبا
إلى جنب مع آخرين من جيلهم بقوا على ولائهم لصدام.
واستعانت الولايات المتحدة والحكومة المؤقتة بعناصر من البعث في
المخابرات وقوات الامن الجديدة.
وذهل أحد الضباط المنفيين عندما وجد أن أحد عملاء صدام الذي حاول
قتله يوما عاد إلى موقع بارز في المخابرات العراقية الجديدة. ويشعر
المنشقون بأن الاستعانة بالبعثيين السابقين أمر تحتمه الضرورة لكنهم
يقولون إن الحكومة ذهبت أبعد مما ينبغي في هذا الصدد.
وقال الياسري "نشعر بالاستياء للاستعانة بهذه العناصر. لابد من
محاكمتهم وطردهم."
المصدر: وكالات |