ضاق ذرع اهل الفلوجة، على الرغم من تدينهم ومعاداتهم للأمريكيين،
بتصرفات بضع مئات من المقاتلين الاجانب استباحوا هذا المعقل السني
وفرضوا سيطرتهم لنحو ثمانية اشهر قبل الهجوم الأمريكي الاخير، كما روى
سكان هربوا من المدينة.
رفض الشهود الذين التقتهم وكالة فرانس برس في بغداد الكشف عن
هوياتهم لكن لكل منهم حكاية عن سلوك المقاتلين العرب.
ويؤكد مواطن من الفلوجة انهم «فرضوا سيطرتم على المدينة فدب الذعر
بين الاهالي وخصوصا ان المقاتلين من ابناء الفلوجة تركوا لهم حرية
التصرف».
ويضيف آخر «اتقنوا عمليات الذبح فأثاروا الرعب بين الاهالي».
ويقول رجل في الاربعين من عمره من سكان حي الجغيفي في شرق المدينة
التي تقع على بعد 50 كلم غرب العاصمة العراقية «اختفت صورة الفلوجة
المنتصرة في المعارك الاولى، وتحولت المدينة معهم الى عاصمة للجرائم».
بذلك يستعيد الرجل جرأة وشجاعة مقاتلي الفلوجة الذين نجحوا في
الربيع الماضي بمواجهة مشاة البحرية الأمريكية ومنعوهم من السيطرة على
مدينتهم.لكن حكم الاسلاميين السلفيين على مدى ثمانية اشهر للمدينة
المعروفة بتدينها قضى على سمعة «مدينة المساجد»وحولها الى «ملاذ
لمجرمين»نفذوا تحت ستار الدين عمليات اختطاف وقتلوا اجانب وعربا
وعراقيين بعد تعذيبهم.
«في النهاية وصل الامر بالاهالي، المعروفين بكرههم للأمريكيين، الى
تمني اي تدخل أمريكي ينقذهم من براثنهم» يقول الرجل الاربعيني. ويشير
الى ان عدة شعارات مناهضة لوجودهم ظهرت على جدران المدينة على الرغم من
حالة الخوف ومنها «لا لوجود المقاتلين العرب» و«ابناء الفلوجة قادرون
على الدفاع عنها».
يؤكد عدد من الذين هربوا من المدينة قبل بدء الهجوم في 8 نوفمبر ان
المقاتلين العرب بدأ وجودهم الفعلي في الفلوجة بعد «انتصار» ابريل و«ان
معظمهم ينتمون الى (حركة التوحيد والجهاد) والاخرين الى تنظيمات سلفية
اخرى»كما يقول مسؤول سابق من المدينة.
مؤخرا استبدلت الحركة اسمها ليصبح تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين
واقرت بتبعيتها لتنظيم القاعدة بزعامة اسامة بن لادن بعد ان تبنت عشرات
من الهجمات ومن عمليات الاختطاف واعدام الرهائن الاجانب والعرب حتى
العراقيين.
دخل المقاتلون الاجانب الى الفلوجة عبر عمر حديد «بطل» مواجهات
ابريل، ابن الفلوجة والزعيم المحلي ل (حركة التوحيد والجهاد) الذي
يرتفع عدد مقاتليه الى نحو الفي مسلح.
وينتمي عمر حديد الى عشيرة المحمدي ويقارب الثلاثين عاما وفق القوات
الأمريكية.وهو معروف منذ عهد النظام السابق بقربه من التيارات السلفية
ولم يكن يوما من حراس الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين كما ذكرت
معلومات صحافية وفق ما يؤكده رجل يعرفه منذ سنوات بعيدة.
عام 1995 طوقت عناصر من اجهزة الاستخبرات منزله في حي الجولان
واقتحمته.جرى اشتباك قتل خلاله محمد العيساوي، افضل اصدقائه، ونجح هو
في الهروب.
ثم انقطعت اخباره لمدة ثماني سنوات.وتقول التكهنات انه سافر الى
افغانستان حيث التقى مسؤولين في تنظيم القاعدة ليعود الى العراق بعد
سقوط النظام على يد قوات التحالف الأمريكي-البريطاني.
اكتسب شهرته كقائد عسكري لحي الجولان الذي صمد في معارك ابريل ولم
تنجح القوات الأمريكية باختراقه.
قتل ثلاثة من اشقائه: الاول في معارك ابريل والثاني عندما استهدف
القصف الأمريكي منزله في الجولان قبل بدء الهجوم ولقي الثالث مصرعه
خلال المعارك الاخيرة التي اصيب فيها عمر بجروح.
ويردد العديد من اهالي الفلوجة رواية موحدة عن عقاب الله للمقاتلين
الاجانب: فجأة وقبيل غروب الشمس في شهر رمضان دخل سبعة من المقاتلين
العرب الى احد المنازل للافطار.قصف الأمريكيون المنزل مباشرة.قتل
المسلحون السبعة على الفور فيما نجت العائلة المكونة من ثمانية اشخاص
بأعجوبة.
ويقول رجل مسن «هذا دليل على ان الله بذاته لا يحبهم».
من جهتها كشفت القوات متعددة الجنسيات عن صور ووثائق توضح مخابىء
الاسلحة ومخازن تفخيخ السيارات وسجلات مقاتلين عرب وعراقيين في الفلوجة
اضافة الى صور تظهر مختبرات تسجيل الافلام وصور لبنايات كانت تستخدم
لاعتقال المختطفين والرهائن.
وقال بيان لهذه القوات تلقته وكالة الانباء الكويتية (كونا) هنا
انه لاتزال هناك عدة اسابيع قبل ان يتمكن اهالي الفلوجة من العودة
للمدينة وان المهمة الرئيسية للجيش الامريكي تستمر خارج المدينة في
تعقب المتمردين الذين يحاولون الهرب لعزل الفلوجة بحيث لا يتمكن العدو
من تعزيز مواضعه فيها مرة ثانية .
ونقل البيان عن عقيد في الجيش الامريكي فضل عدم الكشف عن اسمه
قوله "ان عددا كبيرا من الاعداء لقوا حتفهم في المدينة و بعضهم تمكنوا
من مغادرتها".
واضاف "ان المتمردين الذين تمكنوا من الفرار من مدينة الفلوجة قد
يذهبون الى مدينة بغداد وان ما يحدث في الفلوجة قد يكون له تأثير
مباشر على بغداد ولاحظنا تاريخيا ان العدو ينتقل من الغرب الى الشرق
باتجاه العاصمة".
وذكر البيان ان اعادة اعمار المدينة هو عمل كبير ولكنها ستعود في
النهاية الى المواطنين في الفلوجة وان كل الرعب والتعذيب والاعمال غير
الانسانية التي حدثت في هذه المدينة اصبحت وراء ظهورهم ولم يبق سوى
اعادة الاعمار.
وقال مسؤول عسكري اخر "لم تكن الكميات التي عثرنا عليها كافية
للدفاع عن المدينة فحسب بل كانت تكفي للقيام بعصيان مسلح يعم ارجاء
العراق". |