عاث الصدأ فسادا في مصفاة الدورة على مشارف بغداد. ووحدات تقطير
الخام فيها عمرها 60 عاما. والاضرار التي الحقت بالمصفاة من القصف
الامريكي عام 1991 مازالت قائمة كما أن قذائف المورتر تسقط عليها كل
يوم تقريبا.
ويقول المهندسون الامريكيون الذين يرسمون خطة لاعادة بناء المصفاة
انها معجزة مجرد أن المجمع مازال يعمل ناهيك عن أنه يكرر 110 الاف
برميل يوميا.
ويدير العمليات دثار الخشاب وهو مهندس اشيب الشعر في الخمسين من
عمره يأتي لعمله في وقت مبكر من صباح كل يوم ويرتدي حلة العمال الزرقاء
ويتنقل بين الوحدات ومكتبه.
وصاح عبر شبكة تليفونات بدائية تصله بالمسؤولين عن التخزين في
الجنوب "لا يمكننا أن نترك الانتاج يختنق." وأضاف "اللعنة على أمن
الطريق. لم يعد لدينا مكانا للفائض من زيت الوقود."
ووسط المصافي العراقية الصدئة وعمليات التخريب ونقص الوقود ظهرت
مجموعة من المصرفيين الحكماء والمديرين الاكفاء والمهندسين الذين تلقوا
تعليمهم في الغرب الذين يعتقدون أن النفط قد يساعد في اقامة دولة حديثة
نشطة تكون مصدر الهام للشرق الاوسط.
والمهمة الواقعة على عاتقهم هائلة. فالعراق لديه ثاني أكبر
احتياطيات نفطية في العالم بعد السعودية. وصدام حسين كان يشتري الولاء
بأموال النفط مما خلق ثقافة تواكلية فنشأ جيل من العراقيين متوقعا أن
توفر له الدولة وظائف.
والخشاب واحد من الاف المهندسين والفنيين الذين أبقوا على قطاع
النفط يعمل على مدى ثلاثة حروب و13 عاما من العقوبات الاقتصادية فقط
ليروا عائدات النفط تبدد على جيوش صدام وقصوره وعلى التحف والرشا.
وكان الخشاب من اخر جيل من العراقيين تربى في عهد كانت البلاد فيه
تتمتع بمستوى عالي من التعليم وكانت جامعة بغداد تجتذب الطلاب من مختلف
أرجاء الشرق الاوسط. والحرية رغم أنها لم تكن مطلقة كانت أمرا مفروغا
منه.
وقال الخشاب الذي حصل على درجة الماجستير من بريطانيا وظل بعيدا عن
السياسة "كان هناك شعور بتسامح الحكومة واستقامتها."
وبدأت الحكومة الجديدة في العراق في التعامل مع الميراث المكلف الذي
تركه صدام والعقوبات الاقتصادية.
وتشكل مجلس من خبراء التنمية لادارة عائدات النفط والمساعدات
الدولية ليتم التخلي بشكل تدريجي عن الدعم ورفع مستويات التعليم واعطاء
السكان الوسائل والحرية اللازمة للخروج من الفقر.
لكن نصف الميزانية مازال يوجه الى الدعم والباقي الى دفع رواتب
العاملين في الحكومة وقوات الامن. ويمثل النفط 75 بالمئة من اجمالي
الناتج المحلي و93 بالمئة من عائدات الحكومة.
ويقول المحللون ان ظاهرة الاقتصاد المعتمد على دخل مستمر من موارد
طبيعية ليست ظاهرة عراقية فقط بل شرق أوسطية. ويقولون انها تخلق حالة
من التواكل وتخنق روح المبادرة وتحبط الديمقراطية.
ويقول براد بورلاند من مجموعة سامبا المالية ومقرها الرياض ان
الصيغة بسيطة وهي أن الدول الغنية بالنفط تصدره وتستخدم عائداته لتمويل
الدولة والزمرة الحاكمة. وليست هناك حاجة لفرض ضرائب على السكان أو لان
يكونوا ممثلين.
والنتيجة هي وجود قطاع خاص ضعيف ونظام تعليم لا ينتج خريجين مؤهلين.
وأبلغ بورلاند واضعي السياسات العربية الامريكية في واشنطن أن الدول
قليلة السكان الغنية بالموارد الطبيعية مثل بروناي ينطبق عليها هذا
النموذج تماما.
لكن هذه الصيغة لا تنطبق على دول مثل الجزائر أو ايران أو العراق أو
نيجيريا لان عدد السكان كبير.
وتابع بورلاند "في هذه الحالات فان النموذج يمثل كارثة. وهناك دولة
رئيسية تمثل هذه الصيغة - وهي السعودية فهي تتمتع بموارد طبيعية هائلة
لكن لديها عدد كبير من السكان يتزايد بمعدلات كبيرة."
وقال خبراء ماليون انه على عكس السعودية فان العراق لديه ثروة من
ابنائه المغتربين في الخارج الذين يتمتعون بدرجة عالية من التعليم
وهؤلاء مستعدون للعودة لبلادهم فور تحسن الاوضاع الامنية. كما أن شعب
العراق تعلم التعامل مع العقوبات الصارمة التي فرضت عليه بعد غزو صدام
للكويت عام 1990 .
والتحرك نحو الديمقراطية والاتحادية -وهي أهداف تقول واشنطن انها
تدعمها- قد يساعد كذلك العراق في الافلات من نمط الاقتصادات النفطية في
الشرق الاوسط.
وقال كريم سويد رئيس قطاع تمويل شركات الشرق الاوسط في بنك
اتش.اس.بي.سي ان الديمقراطية تساعد في ضمان أن يعاد استثمار عائدات
النفط بشكل ملائم في البنية الاساسية.
وتابع "تقسيم عائدات النفط على المناطق (الكردية والشيعية والسنية)
قد يكون له دور كبير في ربط الاجزاء ببعضها مع انفاق عائدات الميزانية
بشكل متوازن وعادل."
المصدر: رويترز |