تراهن لجنة تنظيم الانتخابات العراقية على مشاركة واسعة في عمليات
الاقتراع التي تقررت في 30 يناير (كانون الثاني)، بما في ذلك المناطق
السنية رغم استمرار تدهور الاوضاع الامنية فيها ورغم تزايد الدعوات الى
مقاطعة او إرجاء الانتخابات التشريعية التي صدرت عن نحو 60 فصيلا سنيا.
وقال رئيس المفوضية المستقلة لتنظيم الانتخابات عبد الحسين الهنداوي
لـ «فرانس برس»: «هذه أول انتخابات حرة ومتعددة تجرى في العراق منذ عام
1954. ويؤكد مندوبونا (ستة الاف) المنتشرون في مختلف ارجاء العراق وجود
حماسة للمشاركة حتى في المناطق السنية».
في 31 يناير 2005، ينتخب العراقيون جمعية وطنية مؤقتة تضم 275 عضوا
اضافة الى مجالس محافظات الثماني عشرة. وفي شمال العراق تنتخب منطقة
كردستان في اليوم نفسه برلمانها (أنشئ عام 1992 مع خروج هذه المنطقة عن
سيطرة النظام البعثي السابق).
يشارك في عمليات الاقتراع نحو 14 مليون عراقي بالاستناد الى البطاقة
التموينية التي صدرت عن وزارة التجارة في إطار برنامج «النفط مقابل
الغذاء». كما يشارك فيها العائدون الى العراق بعد سقوط نظام صدام حسين
في ابريل (نيسان) عام 2003، اذ يتطلب تسجيلهم على اللوائح الانتخابية
ان يبرزوا وثيقتين تؤكدان هويتهم العراقية.
ويشارك كذلك في الاقتراع نحو ثلاثة ملايين عراقي ما زالوا يقيمون في
الخارج بعد ان غادروا بلادهم خصوصا منذ مطلع التسعينات في اعقاب حرب
الخليج الثانية ولم يرجع سوى جزء ضيئل منهم اثر سقوط النظام. ويقترع
هؤلاء في 28 و30 يناير في 14 بلدا: الولايات المتحدة، كندا، بريطانيا،
هولندا، فرنسا، المانيا، الدنمارك، السويد، استراليا، ايران، تركيا،
سورية، الاردن، الامارات العربية المتحدة. اما المجهول الاكبر فيتمثل
في مشاركة ابناء الطائفة السنية التي تشكل نحو 20% من العراقيين والتي
حكمت البلد لأكثر من 70 عاما. بالمقابل أكد الهنداوي تفاؤله بمشاركة
السنة. وقال: «في الموصل يجري التحضير للانتخابات رغم قيام المتمردين
بحرق المستندات الانتخابية. وبإمكاني أن أؤكد أن عمليات التصويت ستجرى
في محافظة الانبار (في غرب البلاد حيث توجد الرمادي والفلوجة)». واضاف
«الآن لا يمكنني الكشف عن الطريقة التي سنعتمدها لتنظيم الانتخابات لكن
الاهالي سيقترعون ضمن محافظاتهم».
وذكر الهنداوي بحالة مدينة النجف المقدسة (وسط) ومدينة الصدر في
بغداد. وكانت هذه المناطق الشيعية قد شهدت منذ بضعة اشهر حركات تمرد
واسعة قادها الزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر، لكن التحضير للانتخابات
يجري فيها حاليا بكل هدوء. وأضاف الهنداوي، «ما زال أمامنا 69 يوما حتى
يحين موعد الاقتراع. الكثير ممن يدعون اليوم الى مقاطعة هذه الانتخابات
سيشاركون لأن الشعب يرغب بالتصويت بعد سنوات من الديكتاتورية.
العراقيون يريدون ان يعبروا عن ارائهم».
يذكر بأن الحزب الإسلامي (سني) الذي يشارك في الحكومة ورغم موافقته
على المشاركة في الانتخابات، دعا امس الاحد الى إرجائها ستة اشهر بسبب
تدهور الاوضاع الامنية، خصوصا في المناطق السنية.
وقال اياد السامرائي، المتحدث باسم الحزب: «ندعو الى مشاركة مكثفة
في الانتخابات التي يجب ان تكون حرة ونزيهة. الا انه من المستحيل إتمام
هذا الامر في الوقت الذي تتزايد فيه حدة العنف» في البلاد. وأضاف: «لهذا
السبب نريد إرجاء الانتخابات لمدة ستة اشهر لإجراء تقويم للوضع».
وكانت عشرات التنظيمات والفعاليات السنية قد دعت الى مقاطعة
الانتخابات، بعد ان اعتبرت ان اجراءها يكرس الاحتلال الاميركي للعراق.
يشار الى ان المرجعيات الدينية والسياسية الشيعية تدعو في المقابل
الى المشاركة بكثافة في هذه الانتخابات. وتبذل الدولة العراقية جهدها
لإجراء الانتخابات التي تصل كلفتها الى 250 مليون دولار. فمستندات
الاقتراع تطبع في سويسرا للحؤول دون تزويرها، كما ستقوم شركة متخصصة
بتوزيعها على تسعة الاف مركز تصويت تضم 40 الف صندوق اقتراع. وتحمل كل
لائحة انتخابية رقما وشعارا. وقال الهنداوي: «منعنا استخدام أي شعار
يجسد العنف او المفاهيم الدينية. فقد رفضنا لائحة اختارت الدبابة شعارا
لها، واخرى اختارت القرآن الكريم، وثالثة اختارت صورة عن المقابر
الجماعية».
وحتى الآن نالت 127 لائحة موافقة المفوضية الانتخابية، لكن دراسة
الترشيحات تستغرق وقتا اطول. وعلى المرشح ان يكون قد تجاوز الثلاثين من
عمره ويحمل شهادة البكالوريا ولم ينتم الى صفوف حزب البعث، او يتوجب
عليه ان يوقع وثيقة مكتوبة ينكر فيها أفكار التنظيم الذي حكم العراق
مدة 35 عاما.
وتصر الحكومة العراقية المؤقتة على ان اول انتخابات ديمقراطية
تشهدها البلاد خلال عقود ستجرى كما هو مقرر في الثلاثين من يناير كانون
الثاني وهو الموعد الذي تم تحديده يوم الاحد.
لكن المخاوف من اعمال عنف ينفذها مقاومون تنتاب مسؤولي الانتخابات
والناخبين المتوقعين بصورة متكررة فيما يستعدون للاقتراع.
وقال محمد حامد رئيس اللجنة الانتخابية بغرب بغداد "أكون كاذبا لو
قلت انني لست خائفا. عندما تشعر انك في خطر تصبح خائفا. ولكننا لن نذعن."
وادت امكانية تنظيم الانتخابات الى تقسيم الجزء الاكبر من العراق
عبر خطوط طائفية.
ويرغب افراد الغالبية الشيعية التي تشمل 60 بالمئة من سكان العراق
وعانت طويلا من القمع خلال حكم نظام الرئيس المخلوع صدام حسين في ان
يتم اجراء الانتخابات لاضفاء الشرعية على دورهم القيادي في العراق
الجديد.
في حين يطالب الكثير من ابناء طائفة السنة بتأجيل الانتخابات.
وهيمنت طائفة العرب السنة الذين يشكلون 20 بالمئة من السكان على
الحياة السياسية في العراق لفترة طويلة خلال حكم صدام حسين والفترة
التي سبقته ايضا.
ويقطن ضاحية ابو غريب التي يوجد بها السجن الرئيسي في بغداد العديد
من السنة بينهم عائلات ذات صلات بالمدن السنية المجاورة مثل الفلوجة.
ويخشى السنة من ان تكون اعمال العنف التي ستتعرض لها مناطقهم خلال
الانتخابات الاسوأ في العراق مما سيحد بشكل كبير من مشاركتهم في
الاقتراع.
ويقول كثيرون منهم انهم سيقاطعون الانتخابات ما لم يتم تأجيلها.
وتعرض العديد من العاملين في مجال الانتخابات لتهديدات ويقول الكثير
من العراقيين العاديين ان الخوف ربما يمنعهم من الادلاء باصواتهم.
وفي مدينة الموصل في الشهر الحالي اندلعت النيران بشكل غامض في مخزن
كان ممتلئا بسجلات خاصة بالناخبين.
وامر مسلحون العديد من التجار الذين كانوا يوزعون استمارات تسجيل
الناخبين بالتوقف عن ذلك والا تعرضوا للقتل.
وقال حامد ان العديد من مراكز تسجيل الناخبين تلقت تهديدات.
ومن بين 56 مركز تسجيل انتخابيا داخل بغداد وحولها تم نقل نحو عشرة
مراكز بعد ان قال مسؤولوها انهم عرضة لهجمات.
واضاف حامد ان معظم عمليات التخويف تأتي في صورة خطابات تهديد تترك
داخل تلك المراكز.
وتابع حامد قوله "لا يمكننا القول ان الوضع الامني جيد للغاية ولكنه
مستقر. طلبنا من السلطات ان توفر لنا المزيد من الامن والحماية حتى
يمكن لعملنا ان يمضي بسلاسة.. ان مجرد وجود رجلي شرطة مسلحين باسلحة
خفيفة ليس كافيا."
واوضح ان كل موظفي اللجنة الانتخابية في غرب بغداد والبالغ عددهم
760 لايزالون في وظائفهم رغم التهديدات ولكن نحو اثنى عشر شخصا منهم
تركوا عملهم بسببب التخويف.
وحث حامد كافة العراقيين الذين تنطبق عليهم شروط الانتخاب على تسجيل
اسمائهم حتى وان كانوا غير متأكدين اذا كان سيمكنهم المجازفة بالادلاء
باصواتهم في يناير كانون الثاني.
وقال "ندعو جميع الافراد لتسجيل اسمائهم حتى وان كانوا غير راغبين
في التصويت."
واردف "ربما يغيرون رأيهم غدا."
وقال حامد ان الوضع ليس قاتما من جميع جوانبه. فمع ان مراكز التسجيل
في المناطق المضطربة مثل ابو غريب تواجه عمليات تخويف فانها في مناطق
اخرى تشهد اجراء عمليات التسجيل بيسر.
وقال رئيس مركز تسجيل الناخبين في حي الحرية الذي تقطنه غالبية
شيعية في بغداد "الوضع جيد جدا حتى الان. الناس متحمسون."
وتابع قوله "لدينا ما يتراوح ما بين 100 و150 شخصا يفدون الينا كل
يوم لمراجعة بياناتهم واسمائهم من اجل المشاركة في الانتخابات. وحتى ان
البعض يفدون من محافظات اخرى." لكنه رفض الافصاح عن اسمه قائلا انه
يحتاج لتوفير مزيد من الأمن.
وتابع "ليس لدينا حارس واحد. نحتاج للحماية لانني اعتقد انه ستكون
هناك بعض الهجمات الارهابية مع اقتراب يوم الانتخابات."
وقد تم نقل مراكز تسجيل الناخبين الخاصة باليوسيفية واللطيفية وهما
من معاقل المقاومة السنية فيما يسمى "مثلث الموت" الى الجنوب مباشرة من
بغداد الى ضاحية الرشيد ببغداد نظرا للوضع الامني المحفوف بالمخاطر
هناك.
وقال ابراهيم محمد سيد رئيس مركز تسجيل الناخبين في اللطيفية "هبط
ستة رجال مسلحين من سيارة وحطموا باب المركز ووجهوا الينا السباب والى
كل من يعمل لحساب الحكومة." |