على استحياء أرسلت الشمس أول خيوطها الذهبية لتعلن ميلاد يوم العيد،
كانت في إشراقتها كالحسناء وقد كساها الحياء خماراً من غيوم، وعلى
الموعد كانت أغاني الطيور حاضرةً تضفي على المشهد لمسةً من جمالٍ لم
تنقصه أصلاً فأضافت له بُعداً صوتياً ليكون مشهداً تام الحسن والجمال.
لم يكن لشيء أن يخفي اشتياق العيون للإغفاء كما فعلت تلك الابتسامات
العذبة وتباريك العيد، راح الجميع يهنىء ويبتسم ويبارك، وفي العين
امتدادٌ لعالم الوسادة، لكن الموعد لايترك للنوم مكاناً في أجندة أحد،
فسهر ليالي شهر الله، لم يكن لينقطع في ليلة العيد، رغم الفارق بين
صبيحة يوم من شهر رمضان وصبيحة العيد، فتلك غالباً أول النوم وهذه
لزاماً مباركاتٌ وتهانٍ قبل وبعد الصلاة.
وقفتُ بين المصلين وأنا أُمنّي النفس أن أكون من الفائزين في يوم
توزيع الجوائز، فبين يدي الكريم، الكل يطمع،، حتى المسيء والمذنب.
اللهم أهل الكبرياء والعظمة، وأهل الجود والجبروت وأهل العفو
والرحمة وأهل التقوى والمغفرة،، لم أكن أكررها بلساني كما فعل قلبي
فجليل الموقف أخذ بلُبّي فسرحت بمخيلتي وطفت في فضاء الذكريات لأرجع
أياماً قليلة إلى الوراء، الله ياشهر الرحمة، بالأمس كنت صاحبنا وكنا
أسعد الناس بك واليوم قد فارقتنا فراق العجِل، فراق من ودعناه ونحن
نشتاقه.. ألنا لك عودة ياشهر الخير ؟؟
كومضٍ صعُب ادراكه رأيتني أُسلم وانتهي من الصلاة فراح الإمام يحمد
الله ويصلي على حبيبه بأفضل الصلوات وهمّ يشنف الأسماع بخطبتي العيد،
عجيبٌ أمرنا، مع كل النعاس الذي استحوذ علينا، لازلنا نستمع له بآذان
صاغيه وبعقول جمعت كل خيوط تفكيرها وصبتها في مركزٍ واحد، انتهى كما
بدأ بالحمد والتسبيح والمُباركة وختم بالصلاة على النبي وآله ,, صل
الله عليه وآله.
وأعلنت الدقائق ساعة السفر، ليس كالسفر في شيء، فالراحلة هنا أجنحةٌ
من نور والمسافرون أرواح وقلوب بلا أبدان أما الوجهة فخير من يمم مسافر
وجهه صوبه.. السلام عليك يا حبيب الله، مُباركٌ سيدي... رحنا نجوب فضاء
الطهر نزور معصوماً تلو الآخر، قطعنا رحلة أكثر من ألف سنة في دقائق
أردنا أن نلقى فيها الأحبة ونبارك لهم، ومع نور الله الأعظم كان الختام
وبه كل البدايات، عجل الله فرجك ياحبيب المؤمنين وآخذاً بمجاميع قلوبهم،
عجل الله فرجك يارويّ الماء تطلبه أفئدة صهرها الظمأ...
وابتدأت رحلة أخرى.. للأهل والأقارب والأصحاب، مٌباركة ٌ وقبلات،
بعضٌ كنت بالأمس معه وبعضٌ لم تلقه منذ شهور... كان فرح الطفولة بادياً
على ملامح الجميع، حتى ذاك الرجل الستيني الذي رسمت يد الدهر على جبينه
مارسمت، كان واضحاً على سيماه مرح طفلٍ صغير بيومِ كهذا... هو عيدٌ حين
كان العيد فرحاً وسرور وخيراً كثيراً.
جادت السماء بشيء من فيضها الوفير فأرسلت السحب دموع فرحها وهي ترى
الكريم أغدق بفيضه على المؤمنين وهنأهم بيوم الجوائز، تبللت الوجوه
واعتلت الصلوات ورفرفت القلوب تحمد الله وتقدسه، فجزاء الخير حمده وأي
حمدٍ يفي الكريم حقه؟!!
مرت الساعات سريعة وشارفت عقارب الساعة على الوصول لمحطة الثالثة
عصراً.. كان التعب قد أخذ من جسمي كل مأخذ أما الروح فمازالت متوقدة،
أما الأطفال فقد أعياهم الركض والضحك وجمع الأموال حتى راح أحدهم يرمي
كل شيء، حتى نفسه، رماها بحضن والده أو على الأرض وأطلق العنان لنفسه
وغط في نومٍ بدا أحدهم فيه كالملاك وقد وسخت الشقاوة ملابسه.
لم نكن أحسن حالاً منهم فالوسادة كانت ترتقب أحدناً ليشبعها حكايا
من حكايا العيد، وما كنت لأتأخر.. أودعتها رأسي المثقل بصداعٍ صنعته
ساعات طوال من قلة النوم، ورحت أستسلم شيئاً فشيئاً بين يدي روايةٍ كنت
أقرأها، ولم أفق إلا بعد ست ساعات، كانت كافية لاستعادة النشاط، نشاطٌ
لنكمل مباركات العيد ولو عبر الهاتف، ثم نمسك بالقلم لنخربش قليلاً
ونكتب... العيد بعيونٍ ناعسة... مباركٌ عليكم |