لاشك ان الخطوة التي اقدم عليها ثلاثة من المحسوبين على الخط
الليبرالي العربي وهم الدكتور جواد هاشم (العراق)، والدكتور العفيف
الاخضر (تونس)، والدكتور شاكر النابلسي (الاردن)، تعد بكل المقاييس
خطوة شجاعة تستحق الوقوف عندها لاكثر من مقال.
بداية لم يشهد الوسط الثقافي العربي ولو على استحياء عبر تاريخه
الطويل المجاهرة بخطة واضحة المعالم كتلك لجمح لجام مرض يستشري في
واقعنا العربي كالسرطان ان لم يكن اسرع واشد فتكا بالامة. ولقطع الطريق
امام المتصيدين، فمن المؤكد ان الارهاب في تلك القضية محدد ومصنف
ولاحاجة لخلط الاوراق فيه فالمقاومة مقاومة والارهاب ارهاب وشتان بين
الثرى والثريا. يعني ان حز رؤوس البشر وقطع الاعناق والارزاق ليس من
المقاومة في شئ رغم تبريرات الطرف الاخر المفلس.
الامثلة التي ساقها البيان لم تكن وليدة الساعة والا فانها من
مستحدثات المسائل ولاحجة لنا على هؤلاء وغيرهم في تطويع الدين لاغراضهم
الدنيوية. تلك الفتاوى سلسلة من المنهجية المنحرفة التي تراكمت على مدى
قرون واخيرا وجدت من يغذّيها من ثروات الامة ويعيد صياغتها وبما يتناسب
مع الواقع الاستثنائي المؤلم. لمزيد من الواقعية ولاستكمال صورة هذا
البيان الشجاع فالجميع يعرف ان هناك اكثر من دولة عربية تغذّى هذا
التطرف اعلاميا وتساعده ماديا ومعنويا بل وتحاول ان تبنى له مجدا على
جماجم الشباب الواعي المدرك، وذلك بناءا على قاعدة "التحالف" الذي يجرى
بين الحركات الاصولية العنفية المتشددة كحركات سياسية مذهبية وبين
العائلة الحاكمة كسلطة بحاجة الى مفتين مطوّعين يتفذون اوامر سلاطينها.
وبذلك استفادت تلك الحركات الظلامية من الدعم الغير محدد والحساب
المفتوح للوصول الى ما من شانه ان يبسط حكم الملك على المملكة.
لو قُدّر للعالم ان يرى حجم وضخامة الفتاوى التي تضج بها كتب هؤلاء
والتي تنصب جميعها على الكيفية والطرق الكفيلة لهدر الكرامة الانسانية
والروح الادمية لاستشاط غضبا وملئ الدنيا قيحا. فهاهي مثلا نص فتوى من
ما يسمى بالرابطة العراقية الاسلامية والتي تحث على قتل كل فرد يتعامل
مع الامريكان الموجودين في العراق بقولها: "إن هؤلاء حكمهم حكم الغزاة
وشأنهم في هذا شأن اليهود والمنافقين الذين تحالفوا مع المشركين في
غزوة الأحزاب"؟! وغير ذلك العشرات ان لم يكن المئات والالاف. الواجب "العيني"
الذي حدده مفتي السلطة القرضاوي من دولة قطر على كل مسلم ومسلمة واعلنه
كجهاد على كل المسليمن في العراق لم يشمل الاخوة القطريين ولا الاخوات
المسلمات القطريات رغم ان العدو واحد في تلك القضية وهو القوات
الامريكية. ثم هل من فارق بين الامريكي الذي يعمل في قاعدة العيديد في
قطر وبين اخيه الذي يعمل في قاعدة على ارض العراق؟! لماذا تزويد
السفارة الاسرائيلية والسفارة الامريكية في عمّان بالمؤن حلال زلال
وتزويد الشعب العراقي المنهك حرام رغم ان سائق الشاحنة هو هو في
الحالتين؟! والانكى من ذلك انه في المرة الاولى يُثاب وفي الثانية
يستحق القتل وتُفصل رقبته عن جسده! لماذا يكون الجهاد "فرض عين" على كل
مسلم في العراق والجيوش العربية تسرح وتمرح من دون شغل ولا مشغلة؟
لماذا يفتي السلطويون الظلاميون للفقراء بالنزول الى المحرقة ويبقون هم
على كراسي الافتاء منعّمين مرفّهين لايستهويهم الا اسعار البورصة وفتح
البنوك بحجة الاسلام والحلال والحرام؟
حقيقة لم يعد خافيا ان امثال هكذا مفتين وفتاوى ما هو الا دليل على
افلاس هؤلاء من كل مقومات الدين الصحيح فضلا عن التحضر والانسانية.
فالجهاد الذي تطلقه تلك الجماعات الارهابية هو في حقيقته خطاب ديني
عنفي بدأت معالم أدبياته تسفر عن وجه متخلف يستبطن أصولية مقهورة فشلت
في أن تعطي وجهًا حقيقيا تجديديا يستند إلى معطيات الحاضر. وبالتالي
فنحن جميعا مطالبون للوقوف صفا واحدا ضد هذه الظلامية والعنف الذي بدأ
يأكل فلذات الاكباد وينهك كل مقومات الامة وثرواتها، فطوبى لكم يا دعاة
محكمة الارهاب، وطوبى لكم ياليبراليو الامة العربية.
* كاتب وسياسي عراقي /
كندا
www.geocities.com/numnmat |