تلقى العراقيون وعودا كثيرة بمساعدات بمليارات الدولارات خاصة من
الولايات المتحدة لإعادة بناء بلدهم بعد الغزو الأمريكي العام الماضي
إلا أن الاوضاع المضطربة المتصاعدة حالت دون الوفاء بهذه الوعود.
الوضع الأمني سيء للغاية لدرجة أن السلطات لم تتمكن من إنفاق أكثر
من خمسة في المئة فقط أي نحو 1.5 مليار دولار من اجمالي 30 مليار دولار
وعدت الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بتقديمها من أجل إعادة البناء
والخدمات الاساسية.
والعراق قضية أساسية في الانتخابات الرئاسية الامريكية التي تجري
يوم الثلاثاء واضطر الرئيس الامريكي جورج بوش الذي يزعم ان الحرب ناجحة
للدفاع عن استراتيجيته ضد منافسه الديمقراطي جون كيري بل وضد بعض
الجمهوريين البارزين.
ويعترف المسؤولون العراقيون الذين خصصوا في الآونة الأخيرة 15 مليار
دولار من ايرادات مبيعات النفط الآجلة من أجل الاستثمار وإعادة البناء
بأن أغلب العراقيين لم يلمسوا فائدة كبيرة من جهود الإعمار المحدودة.
وقال مهدي الحافظ وزير التخطيط العراقي "الاولوية للقطاعات التي قد
تجعل حياة العراقيين مختلفة مثل الأمن والخدمات الأساسية والبنية
التحتية والاصلاح الاقتصادي."
وتابع "نريد من المواطن العراقي أن يعيد بناء نفسه. ليس فقط من
زاوية متوسط العمر والرعاية الصحية والثروة المالية بل أيضا من خلال
التعليم واحترام حقوق الانسان والبيئة."
وبعد سنوات من القمع في ظل حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين
وعقوبات الامم المتحدة القاسية مازال العراق يعاني من الاضطرابات
والفقر.
وكشفت دراسة لوزارة التخطيط في الآونة الأخيرة ان ثمانية في المئة
من الاطفال يعانون من سوء تغذية وأن 12 في المئة آخرين تقل أوزانهم عن
المعدل الطبيعي.
وكشف المسح الذي لم يذكر أرقام ما قبل الحرب ان 40 في المئة أيضا من
الأسر ليس لديها مياة نقية للشرب وان متوسط دخل الأسرة شهريا بلغ العام
الماضي 186 الف دينار عراقي (130 دولارا).
الا ان سلسلة التفجيرات الانتحارية والغارات الجوية وأعمال الخطف
والقتل تجعل التقدم بطيئا وصعبا وخطرا.
وتراجع عدد العراقيين العاملين في مشروعات إعادة الإعمار الى نحو 85
الفا بدلا من أكثر من مئة الف في الاشهر القليلة الماضية على حد قول
مسؤولين أمريكيين.
ونقل عدد كبير من العاملين الاجانب الذين يواجهون خطر الاختطاف وقطع
الرأس على أيدي متشددين مقار اقامتهم الى الاردن أو الامارات مما يعرقل
أكثر خطط إعادة الإعمار.
واختطف مسلحون عشرات العمال الاجانب والعراقيين وقتلوهم في خضم
المعركة بينهم وبين الحكومة العراقية المؤقتة والقوات الامريكية ويلتهم
الامن ما يصل الى نصف تكاليف بعض المشروعات.
وأثار ذلك غضب البعض في حزب بوش الجمهوري.
وقال السناتور تشاك هاجل عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ
الشهر الماضي "الأمر يتجاوز حدود الأسى ... انه الآن في منطقة الخطر."
وحولت الأموال من إعادة الإعمار الى تجهيز وتدريب قوات الامن
العراقي لمحاربة المقاومة المسلحة بصورة جيدة.
ويقول المسؤولون العراقيون ان اجمالي مرتبات المديرين والمتعاقدين
الامريكيين تلتهم ميزانيات هائلة.
وقال أحدهم "وفود وراء وفود تأتي وتسألنا عن أولوياتنا ونعطيهم
القائمة نفسها."
ويسهم الفساد والبيروقراطية أيضا في عرقلة توفير المعدات والتوريدات
اللازمة للمستشفيات العامة.
وتتحسن بعض الخدمات ببطء لكن ظل انقطاع الكهرباء متكررا حتى في
العاصمة بغداد.
وقال مهندس عراقي يعمل لحساب شركة أمريكية "إدخال جيل جديد الى نظام
تآكل تحت وطأة العقوبات أمر صعب."
وبجانب 18.6 مليار دولار خصصت لإعادة إعمار العراق ضخت الولايات
المتحدة مليارات الدولارات من مصادر اخرى منها الجيش في مشروعات البنية
التحتية.
ويقول المسؤولون الامريكيون ان الانفاق لن يغير الاوضاع في العراق
بين عشية وضحاها إلا انه يستهدف ترسيخ الحد الأدنى لتشجيع الاستثمارات
الخاصة وتحسين مستوى اداء الحكومة.
وقال مسؤول "ارتكبنا خطأ. لم نقم بتشييد مشروعات يراها الناس
بأعينهم لنكسب ثقتهم سريعا مثل تمهيد الطرق."
لكن رغم التقدم البطيء ومليارات الدولارات التي لم تنفق استفاد بعض
العراقيين الى حد ما من جهود اعادة الاعمار المحدودة.
شاب مثل احمد صالح (30 عاما) من المثلث السني حيث معقل المقاومة ضد
الحكومة المؤقتة والقوات الامريكية يحقق دخلا كبيرا من القيام ببعض
المقاولات من الباطن وتوريد مولدات.
وصالح الذي يخشى استخدام اسمه الحقيقي نموذج لعراقيين تأمل واشنطن
في كسبهم من أجل المساعدة في بناء نظام مشروعات حر وتهيئة فرص عمل
للشباب العراقي.
ويحقق صالح دخلا يقدر بمئات الالاف من الدولارات وهو الذي كان يعيش
بالكاد أثناء حكم صدام. وهو الان يفكر في التوسع والدخول في مشروعات مع
شركات اقليمية للفوز بعقود أكبر.
وقال صالح "العراقيون يتلهفون على فرص العمل وتعلم التكنولوجيا
والتقنية. من يسمون بالمقاومة يضرون بمصالح البلاد."
وقال تقرير لمراجعي حسابات يوم الاثنين ان محققين أمريكيين فتحوا
أكثر من مئة قضية تتعلق بمزاعم سوء استخدام جزء من مليارات الدولارات
من أموال أمريكية وعراقية مخصصة لإعادة بناء العراق.
وأوضح التقرير أن معظم المزاعم تتعلق بالاحتيال وتبديد وسوء استخدام
الأموال بينما يتصل 40 في المئة منها بأعمال ثأرية وسرقة وغيرها من
القضايا الأخرى. وأضاف ان 75 قضية أُغلقت أو أُحيلت الى وكالات أمريكية
أخرى ولا تزال 38 قضية مفتوحة.
وأعد التقرير الذي يرفع الى الكونجرس مكتب المفتش العام في سلطة
التحالف المؤقتة وهي سلطة الاحتلال الامريكية التي حلت في يونيو حزيران
وتم تغيير اسمه الان الى مكتب المفتش العام المختص باعادة البناء في
العراق.
وعلاوة على تحقيقات سلطة التحالف المؤقتة يقول التقرير ان مكتب
التحقيقات الاتحادي لديه على الأقل خمس قضايا مفتوحة ومعلقة تتعلق
بالعراق اثنتان منهما تتعلقان بالفساد العام والاحتيال الحكومي. ولم
يقدم أي تفاصيل.
وفي الاسبوع الماضي قالت أكبر مسؤولة عن التعاقدات بسلاح المهندسين
في الجيش الأمريكي ان مكتب التحقيقات الاتحادي أجرى مقابلة معها في
أعقاب شكواها بشأن صفقات أُعطيت لشركة هاليبرتون وهي شركة في تكساس كان
يديرها ديك تشيني نائب الرئيس الامريكي قبل ان ينضم الى سباق البيت
الابيض عام 2000.
ومضى التقرير يقول ان هيئة التحقيقات الجنائية بوزارة الدفاع لديها
أيضا 16 قضية مفتوحة تتعلق بالعراق وتم إغلاق 22 قضية. ولم يتسن الحصول
على مزيد من التفاصيل بشأن هذه القضايا.
وبدأت إعادة الإعمار بالعراق بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة
العام الماضي ولازمتها طويلا مزاعم على نطاق واسع تتراوح بين المحسوبية
والاحتيال.
وقال مكتب المفتش العام في سلطة التحالف المؤقتة انه يتوقع كشف
النقاب عن مراجعة في نوفمبر تشرين الثاني بشأن تعامل سلطة التحالف
المؤقتة مع الأموال من صندوق تنمية العراق وهي من عائدات مبيعات النفط
العراقي والأصول المُجمدة من الحكومات الاجنبية والفائض من برنامج
النفط مقابل الغذاء.
وقالت مسودة مسربة من المراجعة ان 8.8 مليار دولار على الاقل من
الاموال العراقية قدمتها سلطة التحالف المؤقتة الى وزارات عراقية ولا
يعرف اين ذهبت؟.
واشار أحدث تقرير الى قضية دارت فيها الشبهات حول قيام شركات إعمار
عراقية بشكل غير مشروع بازالة معدات تخص الحكومة العراقية المؤقتة
بمساعدة جنود أمريكيين هناك ومزاعم بانهم حصلوا على أموال مقابل
خدماتهم.
وفي قضية أخرى اعتقل خمسة مواطنين عراقيين بينهم ضابطا شرطة ووجهت
المحكمة الجنائية الرئيسية في العراق اتهامات اليهم فيما يتصل بنشاط
إجرامي يتعلق بعقد أمريكي.
وأصبحت المقاومة تستهدف المقاولين بشكل متزايد في الهجمات وعمليات
الخطف في الشهور الأخيرة وقال التقرير ان هذه المخاطر الكبيرة عرقلت
وأبطأت أعمال إعادة الإعمار الأمر الذي تترتب عليه نفقات اضافية غير
معروفة. |