في العراق الآن أزمة سياسية كبرى سببها والآتي بإرثها الثقيل النظام
السياسي الذي أدعى ظلماً وجوراً أنه نظام قومي عربي في حين أن قيادته
لم تكن عربية بل ولا حتى مسلمة فمنذ انقلاب 1968م المشبوه صعد إلى سلم
الحكم (أحمد حسن البكر) ورفيقه (صدام) الذي اختير لأبيه المجهول اسم
حسين والأول معروف بأسلمة أبيه منتقلاً من الدين اليهودي إلى الدين
الإسلامي زوراً واسم (حسن) قد اختير له مستبدلاً اسمه اليهودي القديم
والذي قيل أنه كان (حسقيل).
والناظر إلى جمجمة (البكر) يتيقن أنها تمثل رأس وبمواصفات لا تشجع
على إطلاق كلمة تمثل سمة واحدة من سمات السنحة العراقية أما جمجمة صدام
فإن تعابير وجهه لا توحي إلا إلى سكان مدينة تكريت القديمة ومن اليهود
فيها رغم أنه من المتفق عليه أن أمه (صبحة طلفاح) هي يهودية الأصل
وتعود إلى يهود تركية وقيل تركمانيا، وطبيعي فإن الأمر هنا لا يعدو
تجاوزاً على معتنقي الدين اليهودي وبالذات من هم ينحدرون من أصول غير
عربية أو غير عراقية بدرجة أخص لكن أن يخدم الزمن تمرير لعبة هؤلاء ثم
يصبحوا (قادة) على العراقيين ثم يدعون أنهم (عرب) فتلك أول المصيبة.
والمصيبة الأكبر التي حلت بالعراقيين أن هناك من انجرف إلى التنظيم
السياسي القوماني المزيف في العراق بشطريه (الحزبي) و(التجمعي) اللذان
قادا انقلاب سنة 1963م وطبقا قرارات الاشتراكية (من ذيلها في العراق)
الذي تحول شعبه خلال أقل من سنة من شعب الخيرات إلى شعب جائع بوقت لا
يحتاج العراق إلى من يحاول أن يزوق له الاشتراكية الحرامية الذين وجدوا
في رفع شعارها مجرد شعار لتحقيق غاية نهب موارد الدولة في العراق
والشبع حتى التخمة من مال العراق الكثير فإذا أنفضح حال ما سمي آنذاك
بقرارات الاشتراكية وتأميم بعض قطاعات الاقتصاد العراقي التي كانت
تابعة للقطاع الخاص فإن الجيل السابق من العراقيين لا ينسون أنه في عهد
– عبد السلام عارف وبالذات الجاهل بالأمور السياسية وكيفية إدارة
البلاد – كان قد تم إنشاء الاتحاد الاشتراكي العربي على غرار التنظيم
المصري من أول نتائجه إحداث المجاعة في العراق آنذاك بما يوازي نسبة
المجاعة التي كانت تتحكم في المجتمع المصري وتم كل ذلك تحت تنفيذ
شعارات ذاك الاتحاد الذي ألصقت به كلمة العربي لصقاً.
أما في حقبة حكم انقلاب سنة 1968م التي بدأت على يد العربي حديثاً
والمسلم زوراً واليهودي القديم والأصل أحمد حسن البكر وصنوه (صدام) من
ذات المواصفات في المرحلة الثانية من ذاك الحكم فقد لاحظ الشعب العربي
الأصيل كيف أن هذين الحاكمين مجردان تماماً من أي شعور عروبي سليم
لدرجة أنهما كانا يرفعان شعار الوحدة العربية لكنهم يعملون ضدها عملياً
إذ لم يشهد بقاء تلك السلطة العدوة للعروبة إن قامت وحدة عربية حقيقية
مع أي بلد عربي وذلك ربما يعود إلى فقدان الثقة من قبل بلدان العرب
بنظامي (البكر) ثم (صدام).
وبخصوص العروبيين المزيفين المنتفعين من الحكم الصدامي الذي لم يبقى
في السلطة التي حكمت العراق إلا ليخرب البلاد ويشتت الشعب العراقي
تنفيذاً لخطة جهنمية استعمارية معروفة إذ كان هؤلاء العروبيون قد اتخذو
من شعارات السلطة الصدامية الكاذبة ذريعة لتأييد كل إجراءاتها بما فيها
تفجير الحربين ضد إيران والكويت.
وكانت مفصلية تحركات النظام الصدامي تبدو متحركة ضد كل ما هو تحرري
في العالم العربي إلا أن شراء بعض الذمم الإعلامية العروبية وجهلة
المبادئ الذين ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا أبواق دعاية لصالح صدام وحكمه
وفريقه السياسي الخائن هم ذاتهم اليوم الذين يحاولون عدم المس حتى
بسمعة صدام وحكمه الإرهابي ولو بالكلام أو التعريف به للرأي العام.
ولأن الزمن قاسي بطبيعته في نهاية المطاف فقد لوحظ وبما لا يقبل
النكران كيف أن صدام حين أطبق الزمن على حكمه لم ينصره أحد من هؤلاء
المرتزقة والمجرمين والحرامية منها.. إن صدام أصبح قبل غيره من بين
هؤلاء الذين شاركوه بتمرير كل ألاعيبه الإجرامية واعتداءاته الفائقة
بحق العراقيين يواجه مصيره المجهول.
إن الرؤية الاستراتيجية اليوم في العالم العربي ينبغي أن تفرز تماماً
بين العرب الشرفاء والعروبيين المزيفين الذين خانوا الشعب العربي منذ
سنين ليست قليلة. |