حين سقط النظام الصدامي في نيسان من السنة الماضية 2003م وتم إلغاء
الدولة (عملياً) وألغي الجيش العراقي وتم إصدار قرار باجتثاث التنظيم
السياسي لقطعان الإرهاب في فريق صدام المكون من طابور من الجواسيس
الذين كانوا قد حولوا العراق إلى نار جهنمية طالت كل شرفاء العراق من
كان يصدق أن الوضع الحاكمي الجديد سوف يتراجع ويعيد كل ما كان إلى حيث
المكان في السلطة الجديدة.
إن بعض الأخبار المتسربة عما يدور بين كواليس الحكومة العراقية
المؤقتة نقلت ما يفيد بأن كل أفراد الجيش العراقي – ودون أي استثناء –
ممن كانوا في الخدمة العسكرية إبان فترة نجاح الاحتلال الأنكلو –
أمريكي للعراق قد قررت الحكومة المؤقتة إعادتهم إلى مراكزهم العسكرية
السابقة وبتزامن تام مع اعتراف الإدارة الأمريكية من كونها قد أخطأت في
قرار حلها للجيش العراقي وهذا ما يمكن تفسيره بأن القوة العسكرية
الضاربة للشعب العراقي كما حدث حين سولت الأنفس للعسكريين السابقين
وقصفوا مدينة (حلبجة) الكردية العراقية بالأسلحة الكيميائية وأبادوا
فيها الأطفال والنساء والشيوخ وهم نفس العسكريين الذين شنوا الحروب
الداخلية الأخرى في الجنوب والوسط وهم ذاتهم الذين نفذوا أوامر الجاسوس
الغربي صدام وهجموا على كل من إيران والكويت وسبوا الشعبين فيهما.
إن ما سببته قنبلة هيروشيما من مآسي وخراب ودمار في اليابان إبان
حقبة الحرب الدولية الثانية تكرر الآن في العراق رغم حدوث ذلك بعيداً
عن قنبلة شبيهة ممكن أن تكون نظيرة لقنبلة هيروشيما السيئة الذكر التي
كانت إحدى إفرازات دول تحارب أخرى لكن في العراق الحاضر تجري حرب
الإرهابيين ضد الشعب العراقي باعتباره المستهدف الأول من الحرب وليس
العسكريين الإنكليز أو الأمريكان بالرغم من أن الأطروحة الكاذبة
للإرهابيين الصداميين والإرهابيين المستوردين من بعض الحكومات العربية
الخائنة لشعوبها تقول بأنها حرب مع المحتلين والمتعاونين معهم فإذا كان
هؤلاء الإرهابيون ما يقولونه حق فلماذا لا يوجهوا إرهابهم ضد حكوماتهم
المشبوهة؟ ولماذا اختاروا العراق ساحة للمواجهة بدلاً من أي بلدان
عربية أو إسلامية أخرى ممن عرفت كـ(بلدان عميل للغرب).
إن الحرب الإرهابية المشنة ضد العراقيين قد فضحت نفسها بنفسها
والحكومة المؤقتة ببغداد وهي تواجه عمليات الإرهاب ضد شعب العراق وهي
شبه متفرجة تجازف كثيراً بمستقبل البلاد ومشاعر العراقيين هي الآن
باتجاه مواجهة المواقف العملية ضدهم وحالة تراخي الحكومة وتأرجح بعض
قراراتها التي منها تسليم الإرهابيين إلى قوات الاحتلال الأنكلو –
أمريكية بدل من إجراء محاكمة ثورية عادلة وسريعة بحقهم بحيث تؤدي إلى
إنزال عقوبة (الموت الحق) فيهم قد شجع الإرهابيين لاقتراف مزيد من
عمليات الإرهاب والتفجيرات العشوائية التي راح ضحيتها آلاف العراقيين
الأبرياء.
أما عن موضوع السجون في العراق التي تشرف عليها قوات الاحتلال فلم
يسمع أحد أن المجرمين فيها ممن تم إلقاء القبض عليهم بـ(القرينة
الإرهابية المشهودة) أنهم يعاملون كمجرمين بل العكس من ذلك تماماً.
ومن النكايات السياسية الجارية الآن في العراق أن إقصاء المدراء
العامين والمسؤولين الكبار السابقين ممن كانوا أدوات وقوف النظام
السابق على رجليه قد أعيدوا معظمهم إلى مراكزهم السابقة وهكذا يتبين أن
تغير الحكم العراقي من حكومة بائدة إلى حكومة مؤقتة خدمت التوجهات
الاستعمارية كما خدمت إسرائيل وهذا ما يعني بحسب المؤشرات الملموسة أن
تمثيلية تغير الحكم لم تقدم سوى عرض تمثيلي فاشل فالأشخاص الذين كانوا
يقودون الحكم مع رئيسهم صدام هم الوحيدون الذين ابعدوا عملياً وربما
مؤقتاً عن السلطة في حين أن امتدادهم السياسي قد وضع كل من أفرادهم في
مكانه القديم الذي استعاده.
وبذا فإن يوم 9 نيسان 2003م الذي تم تغيير الحكم منه لم يتغير منه
سوى القيادة وهذا يعني أن الخطر مازال يهدد العراق والعراقيين إذ أن كل
شيء بقي على حاله رغم تلوين بعض الديكورات بألوان أخرى أكثر فقاعة وتلك
هي الحقيقة المرة التي لم تعطي القوى السياسية المعارضة لحكم صدام
الرأي القاطع فيها. |