ضمن ملف شامل، أجرت مجلة النبأ الدراساتية التي تصدر في العاصمة
العراقية بغداد، وبالاشتراك مع شبكة النبأ المعلوماتية الالكترونية،
حوارا مفصلا مع نـــزار حيدر، مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن،
بشأن الانتخابات المزمع إجراؤها مطلع العام القادم في العراق، وسبل
ضمان نزاهتها، والطريقة الأفضل التي يراها مناسبة لوضع بلد كالعراق،
الخارج للتو من تحت ركام النظام الديكتاتوري الشمولي البائد، والذي لا
زال يرزح تحت نير الاحتلال والعنف والارهاب. وفيما يلي نص الحوار..
**ـ ماذا يعني تأجيل الانتخابات برأيكم ؟ وهل أنتهم مع التأجيل أم لا ؟
ولماذا ؟.
ـ إن أي تأجيل للانتخابات المزمع إجراؤها في العراق، بداية العام
القادم، له تفسير واحد لا غير، وهو إنتصار الارهاب الاعمى الذي لا زال
يحصد الأبرياء من العراقيين، محاولا زرع الخوف والرعب في نفوس الناس،
حتى لا يفكروا بالوقوف أمام صندوق الاقتراع للادلاء بأصواتهم، للمشاركة
في بناء العراق الجديد.
لقد أثبتت الفترة الزمنية التي أعقبت سقوط نظام الطاغية الذليل ولحد
الآن، أن الهدف الأول والأخير للارهاب هوعرقلة تقدم العملية السياسية
برمتها، أما شعارات المقاومة والجهاد وما
أشبه، فليست سوى ورقة التوت التي يحتمي بها الارهابيون ومن يقف
وراءهم من أجهزة مخابرات دولية وإقليمية، إلى جانب الفتوى الدينية
المزيفة المدعومة بالمال الحرام، ولذلك فإن تأجيل الانتخابات، يعني أن
الارهاب قد حقق هدفه الوحيد والاستراتيجي.
إن هنالك حربا يومية بين العراقيين الذين يصرون على مواصلة التقدم
بالعملية السياسية، لينهوا عهد الاحتلال البغيض، ويعيدوا بناء بلدهم
الذي دمرته سياسات النظام الشمولي البائد وحروبه العبثية، وبين قوى
الظلام والعنف والارهاب التي تريد عرقلة كل ذلك، وهي حرب وجود، فإما أن
ينتصر العراقيون أو ينتصر الارهاب، والانتخابات هي المحك، فإذا أجريت
في موعدها الزمني المحدد، يكون العراقيون قد انتصروا في هذه الحرب، أما
إذا أجلت، فسينتصر الارهابيون ويحققون هدفهم، وعندها، فعلى العراق
السلام.
كذلك، فإن إستغلال التدهور الأمني في بعض مناطق العراق، للتلاعب
بالجدول الزمني الذي تم الاتفاق عليه بين العراقيين، والذي وقعته
الأحزاب السياسية التي تصف نفسها بالاساسية، والذي تم تدوينه كذلك، في
القرار الدولي الأخير الذي كان قد صدر في حزيران الماضي عن مجلس الأمن
الدولي، إن ذلك يعني بشكل واضح وصريح أمرين خطيرين ؛
الأول، هو فشل الحكومة الانتقالية، التي تشكلت في الأساس لتسيير
الأمور في الفترة الانتقالية، والعمل على ترتيب كل الاجراءات اللازمة
لانجاح الانتخابات العامة القادمة، ولقد قبل العراقيون بهذه الحكومة
على مضض، على أمل أن لا تنشغل بغير الاعداد للانتخابات العامة.
الثاني، إنه ــ التأجيل ــ سيكشف عن عدم جدية هذه الأحزاب التي
تصدرت المشهد السياسي العراقي بعد سقوط النظام البائد، وبالتعاون
والتنسيق مع المحتل، في الالتزام بتعهداتها التي قطعتها على نفسها،
أمام العراقيين والعالم، إما لأنها تخشى النتائج والتي لا يستبعد أنها
ستكون مفاجئة للكثيرين، إذ قد تقصيهم أو بعضهم عن المشهد السياسي، أو
بسبب إنصياعها للضغوط التي تمارس ضدهم من قبل عدد من الجهات الدولية
وعلى رأسها الولايات المتحدة التي تخشى، هي الاخرى نتائج مثل هذه
الانتخابات، إذ من غير المستبعد أن لا تفرز أصدقاء كثيرون لها، الأمر
الذي لا ترغب برؤيته واشنطن، وهي بعد في أول المشوار العراقي، أو
الاقليمية، وعلى رأسها الاردن، الذي يمثل حاليا النظام السياسي العربي
السني، الذي يخشى أن تفرز الانتخابات دورا متناميا للأغلبية، وأقصد بها
شيعة العراق، وهذا ما يفسر، ربما، الهجمة المصرية ــ الأردنية الرسمية
المشتركة ضد الانتخابات القادمة في العراق.
إن التحجج بتدهور الوضع الأمني في بعض مناطق العراق، لحرمان
الأغلبية الساحقة من العراقيين، من التمتع بحق الانتخاب، يتنافى وأبسط
قيم العدالة والانصاف، فضلا عن أنه يتعارض مع مبادئ الديمقراطية التي
بات يتحدث بها الجميع.
ثم، وهذا هو الأهم، إن على المناطق غير المستقرة أمنيا، خاصة مناطق
ما بات يعرف بالمثلث السني، أن تحرر نفسها من أسر مجموعات العنف
والارهاب، لتلتحق بالمسيرة الديمقراطية الجديدة التي يشهدها العراق، لا
أن ندفع العراق الجديد ليلتحق بركب العنف والارهاب، أو نضطره ليكون
أسيرا لارادة قوى الظلام، بتأجيل الانتخابات.
لكل ذلك، فأنا لست مع تأجيل الانتخابات، لأن الالتزام بالجدول
الزمني لتقدم العملية السياسية برمتها، ينزع سلاح الارهابيين، كما أنه
دليل إحترام إرادة العراقيين، وإحترام الأحزام لنفسها وكلمتها، ما يعني
الجدية في الالتزام بما إتفق الجميع على تحمل مسؤولياته، وأقصد بناء
عراق جديد، سماته، الحرية والمساواة والمشاركة والكرامة، واحترام إرادة
المواطن العراقي التي لا يمكن أن نلمسها ونتصورها إلا عند عتبة صندوق
الاقتراع، إذ لا كرامة لمواطن من دون حرية، ولا حرية من دون إرادة، ولا
إرادة من دون صندوق الاقتراع.
** طريقة الانتخابات بالقائمة المغلقة، هل هي الأمثل ؟ أم أن هناك
طريقة أخرى تلائم الواقع العراقي ؟ وما هي تلك الطريقة ؟.
ـ لست مع نظام الانتخاب بالقائمة المغلقة، لعدة أسباب ؛
أولا ـ أنها تكرس سلطة مجموعة الأحزاب التي استحوذت على السلطة
لأسباب كثيرة، ليس منها بكل تأكيد سعة القاعدة الشعبية التي تتمتع بها،
ما يعني أن العراقيين الذين إنفكوا للتو من سلطة الحزب القائد سيئة
الصيت، سيقعوا من جديد في دوامة سلطة مجموعة الأحزاب القائدة، وهذا خطأ
فضيع، يجب أن لا يرتكبه العراقيون، إذا كانت في نيتهم تشييد نظام سياسي
ديمقراطي حقيقي.
ثانيا ـ إنها تكرس المحاصصة وطريقة التوافق، التي هي في جوهرها، ضد
الديمقراطية، لأنها تستند إلى أسس الاعتبارات الحزبية والولائات
العشائرية والشخصية، وإلى الانتماءات الدينية والمذهبية والقومية، وهي
لا تمت إلى قاعدة ــ الرجل المناسب، في المكان المناسب ــ التي تعتمد
قيم النزاهة والكفاءة والخبرة، بأية صلة.
ثالثا ـ إنها تحدد خيارات الناخب، الذي يسعى حاليا للمشاركة في
صياغة عراق جديد بكل معنى الكلمة، إذ كلما فتحت أمام الناخب خيارات
كثيرة، كلما تمكن بشكل أفضل من المشاركة بفاعلية وإيجابية وثقة بالذات
وحماسة معنوية عالية، والعكس هو الصحيح، فكلما تم تحديد الخيارات،
سيشعر بأن قوة ما تسعى لمصادرة رأيه، وتحاول دفعه بالطريق والاتجاه
المرسوم له سلفا، ما يقلل من حماسه وإندفاعه وإيجابيته.
إنها، إذن، ديكتاتورية بثوب جديد.
رابعا ـ إنها ستستنسخ لنا تجارب مجلس الحكم وحكومته المنحلان،
والحكومة الانتقالية الحالية وبرلمانها، اللذين سينحلان نهاية الشهر
الأول من العام القادم، ما يعني كل ذلك، تكريس قناعات نمت عند
العراقيين، تقول، بأن الجوهر لم يتغير بعد سقوط النظام الشمولي البائد،
وإنما الذي تغير، هو القشور والصور والأسماء.
شخصيا، أميل الى نظام القوائم المفتوحة والمتعددة، وعدم الاقتصار
على القوائم الحزبية، لتتعدد خيارات الناخب، ولنكسر إحتكار النخبة،
مهما كانت، للمشهد السياسي، وبالتالي لنضمن بناء التعددية السياسية
بشكل حقيقي وواقعي وصادق، وإذا كان البعض يحتج بتجارب أميركا وعدد من
الدول الأوربية للتدليل على صحة طريقة إنتخابية أو نظرية ما، فإن ذلك
خلاف العقل والمنطق، إذ كيف يمكن المقارنة بين أنظمة ديمقراطية عريقة،
وبين تجربة وليدة، لا زالت تسعى من أجل أن ترى النور من بين ركام زلازل
سياسية وأمنية كثيرة إستمرت لعقود طويلة من الزمن ؟ وهي تحاول تلمس
الطريق الصحيح والسليم، ومن حولها وحوش متربصة، تنتظر أن يكبو الفرس
لتنهش بلحمه وتشرب من دمه ؟.
فضلا عن ذلك، فإن الأحزاب الحالية لم تقدم نفسها للناخب من خلال
مشروعها وبرنامجها السياسي، وإنما من خلال توظيف تاريخها وأحيانا قوائم
ضحاياها، وهذا لا يكفي، بكل تأكيد، لتقييم أي حزب من الأحزاب، ناهيك عن
أنها لم تحقق حتى الآن أي إنجاز ملموس للناخب، فكيف يجوز أن نحصر
خيارات الناخبين بقوائم حزبية ضيقة ؟ ومن قال أن المستقلين
وغيرالحزبيين، أقل كفاءة وقدرة وتضحية من الحزبي ؟، وإذا أضفنا الى كل
ذلك، المعلومة التي تقول بأن نسبة ثلاثة بالمئة فقط من العراقيين يثقون
بالأحزاب السياسية الموجودة حاليا، والمشاركة في السلطة، طبقا لآخر
إستبيان أكاديمي علمي، عندها سنعرف كم هو حجم الظلم الذي سنلحقه
بالناخب العراقي إذا ما تم تحديد خياراته بالقوائم الحزبية المغلقة فقط.
** لماذا تستهدف العملية الانتخابية برأيكم ؟ وهل أن المسلحين قادرون
على إفشال المشروع الديمقراطي في العراق ؟.
في الحقيقة، هنالك عدة أطراف لا تريد للعملية السياسية الجديدة في
العراق، أن تتقدم بخطوات ثابتة، للوصول بها إلى نهاية المطاف، لأنهم لا
يريدون رؤية عراق جديد، قائم على أسس المساواة والتعددية والمشاركة
السياسية، من خلال صندوق الاقتراع.
فهناك الارهابيون الذين تسللوا من وراء الحدود، من الذين يتمنون أن
يبقى العراق ساحة مفتوحة للعنف والارهاب، من أجل تصفية حساباتهم مع
الشيعة الذين أهدر هؤلاء دمهم بفتاوى طائفية متخلفة.
إنهم يريدون أن يبقى العراق كذلك، ليظلوا خارجين على القانون
كعصابات للقتل والتدمير والخطف والذبح، وما يؤسف له حقا، أن هؤلاء
وجدوا ملاذا آمنا ودعما ماديا ولوجستيكيا من عدد من دول الجوار.
وهناك فلول النظام البائد، والذين تحالفوا مع مجموعات من الطائفيين
والقوميين المتعصبين والمتطرفين، من الذين يريدون أن يعيدوا عقارب
الساعة الى الوراء، لأنهم لا يتحملوا رؤية عراق جديد، للشيعي فيه دور
ومكانة ومنزلة في الحياة السياسية، كما للسني، وللكردي دور كما للعربي،
إلى جانب التركماني والآشوري وبقية شرائح ومكونات المجتمع العراقي.
إنهم يريدون أن يعودوا بالعراق الى سابق عهده، لتحتكر فيه السلطة،
مناطق محدودة وعشائر قليلة وحزب واحد وطائفة واحدة.
إنها الأقلية، سواء الطائفية أو القومية العنصرية، التي تتصور أن
بإمكانها أن تعود بالعراق إلى الوراء، ولذلك فهي سوف لن تضع السلاح
جانبا، إلا إذا يئست من تحقيق هذا الهدف الرجعي الظلامي، ولا أعتقد أن
بإمكان أحد إقناعها بفشل مشروعها ليصل بها إلى نقطة اليأس، إلا
العراقيين بإصرارهم على الالتزام بالجدول الزمني المحدد لتقدم العملية
السياسية، ومن بين ذلك، بل وعلى رأسها، الانتخابات العامة المزمع
إجراؤها مطلع العام القادم.
إن المسلحين لوحدهم، لا يستطيعوا أن يحققوا شيئا، فهم لوحدهم لا شئ،
إنما قوتهم بقوة القوى الدولية والأقليمية التي تقف وراءهم وتتبنى
نهجهم التخريبي.
ولافشال خططهم، يلزم:
أولا ـ الالتزام بالجدول الزمني المثبت للعملية السياسية برمتها،
وعدم التراجع أمام الارهاب، فعدم مشاركة حفنة من المسلحين في
الانتخابات العامة، لا يقسم العراق، كما يدعي البعض، كما أنه لا يحاصر
طائفة أو يعزلها سياسيا، إذ مهما تحسنت الظروف الأمنية في العراق، إلا
أنه ستظل هناك مجموعات مسلحة تنشط في الظلام،لأنها لا تؤمن بصندوق
الاقتراع، وهي تكفر بكل جديد.
ثانيا ـ توكيد تصميم العراقيين في الانتصار بحربهم مع قوى الظلام
والتطرف والعنف والارهاب، فإرادة العراقيين، أولا وقبل كل شئ آخر،
فبالارادة تصنع الشعوب مستقبلها الزاهر، وبالارادة تفعل المستحيل
وتتغلب على كل المشاكل، وبها تتجاوز العقبات، وإن الالتزام بموعد
الانتخابات، دليل قوة الارادة العراقية المرجوة والمطلوبة.
ثالثا ـ يلزم التمييز بين العراقي الذي يقاوم الاحتلال، بغض النظر
عن صحة الطريقة والمنهج والاسلوب، وبين الآخر الذي يتذرع بالمقاومة
ليمارس الارهاب والقتل والتدمير، كما ينبغي التمييز بين من يمارس
الارهاب مع سبق الاصرار والتعمد، وبين من تعرض لعملية غسل دماغ منظمة،
فخدع أو ضلل، من أجل أن يمنح مثل هؤلاء فرص متكررة لاعادة النظر في
وسائلهم، من أجل أن يلتحقوا بالعملية السياسية، إلى جانب كل العراقيين.
يجب أن يشعر هؤلاء، وكل العراقيين، أن العملية السياسية الجديدة لا
تستهدف أحدا، كما أنها لا تنوي إستثناء أحد، ما عدا القلة القليلة التي
تلطخت أياديهم بدماء العراقيين.
رابعا ـ طمأنة دول الجوار، والمحيط العربي على وجه التحديد، والسعي
لاقناعهم، بأن عراقا حرا ديمقراطيا تعدديا، لا يهدد مصالحهم، بل على
العكس، فإن عراقا متفجرا غير مستقر تحكمه الأقلية بالحديد والنار،
يهددهم في عقر دورهم، إن عاجلا أم آجلا، فالعراق ليس لبنان، إذا شاعت
فيه الفوضى وانزلق إلى الحرب الأهلية، فسيدمرهم، لأنه، وبصراحة، قطب
الرحى في المنطقة، وهو مفتوح على كل جيرانه، بحدود، لو استغلها
الارهابيون، فسيدمرهم، ويحيل نهارهم إلى ليل دامس الظلمة، ولا أظن أن
جيران العراق نسوا تجربتهم مع نظام الطاغية الذليل، وكيف أنه كان سبب
عدم إستقرار المنطقة لعقود طويلة، وأنه أرق ليلهم وسلب النوم من عيونهم،
بسبب سياساته الرعناء والمتهورة، سواء في داخل حدوده، أو خارجها.
** كيف تقرؤون التفاعل الجماهيري، ونسبة المشاركة في الانتخابات ؟.
ـ أعتقد، أن المشاركة الشعبية في الانتخابات العامة القادمة، وبشكل
عام في العملية السياسية برمتها، واجب وطني قبل أن تكون حقا من الحقوق
الأساسية لكل مواطن، الآن على وجه التحديد، لأن ملامح العراق الجديد
باتت تتشكل في هذه اللحظات التاريخية التي يمر بها، ولهذا السبب، يجب
أن يشترك الجميع في رسمها وصياغتها.
وبرأيي، فإن المشاركة المطلوبة يلزم أن تتجلى معالمها فيما يلي:
أ ــ في الحضور الفاعل والحقيقي أمام صندوق الاقتراع، فالصوت
مسؤولية قد يساهم في بناء العراق الجديد إذا رجح كفة تيار وطني مخلص
حريص على العراق، همه خدمة الناس ورفع شأن العراق عاليا، وقد يساهم في
تدمير البلد وتحطيم أهله، إذا رجح كفة مجموعة من العصابات المشبوهة
التي لا يهمها من العراق إلا نهب أمواله، والبقاء في السلطة أطول مدة
زمنية ممكنة، وإن كان الثمن مقابر جماعية جديدة، وحلبجة ثانية وأنفال
أخرى.
ب ــ في مراقبة السلطة بشكل مستمر، إذ لا يكفي أن تشارك في
الانتخابات، لتعود بعدها إلى
بيتك، لتغط في نوم عميق، تاركا حبل الأمور على غاربها، بل يجب أن
يظل المواطن حذرا دائما، يراقب الامور وتصرفات المسؤولين عن كثب، ينام
بعين واحدة، لتظل العين الثانية تراقب المسؤول المنتخب، منذ لحظة فوزه
بالانتخابات، ولغاية آخر لحظة من فترته الدستورية، ليعرف أن رقيبا
يتابع كل حركاته وسكناته، وأن مواطنا مسؤولا يقف على رأسه، يحاسبه إذا
أخطا، ويراقبه ليل نهار إذا حاول أن يجرم خفية، فكم من مرشح حسن السلوك
والتفكير وطيب القلب، إنقلب الى وحش كاسر ومصاص للدماء، بعد إنتخابه
لتولي منصب أو مسؤولية ؟.
أما بالنسبة إلى نسبة المشاركة الشعبية، فأعتقد أنها ستكون أوسع
وأكثر جدية، إذا:
ألف- تعددت القوائم الانتخابية، ليشعر المواطن بأنه أمام خيارات
كثيرة، ليس هناك من يحاول خداعه بقائمة محددة، كما حدث ذلك في تجربة
المؤتمر الوطني العراقي، الذي إنبثق عنه المجلس الاستشاري، أو ما بات
يعرف بالبرلمان المؤقت، فلقد شعر كل الحضور بأن القائمة التي جرى
تمريرها عليهم، ليست إلا أمر دبر بليل.
باء- تحسن الوضع الأمني، وعدم سعي الأحزاب المهيمنة الآن على المشهد
السياسي، لممارسة سياسات الترغيب والترهيب مع الناخب، فكما يلزم تحسين
الوضع الامني العام ليشعر الناخب بالأمان، فيدلي بصوته بكامل الحرية
وبارادة قوية، كذلك ينبغي ضمان سلامة الناخب من إرهاب الأحزاب المهيمنة
التي ستحاول التحكم باتجاهات نتائج الانتخابات، بصورة أو بأخرى.
جيم- كما أن تحسن الوضع المعيشي للمواطن العراقي، سيزيد من فرص نجاح
الانتخابات، وتوسع من حجم المشاركة الشعبية، حتى لا يظل المواطن أسير
لقمة العيش، له ولأولاده وعائلته، ففي الحديث الشريف عن رسول الله ـ ص
ـ ,, من لا معاش له، لا معاد له،،.
دال- إذا أبدت مراكز القوى الحقيقية في المجتمع العراقي، رأيا
إيجابيا في العملية الانتخابية، بعد أن تتشكل عندها قناعات حقيقية في
نزاهتها وصحة مسارها، وصدق نوايا المشرفين عليها، وأقصد بمراكز القوى
الحقيقية هنا، المرجعيات والقيادات الدينية، والزعامات السياسية
الحقيقية والعريقة.
** إذا لم تجر الانتخابات في موعدها المقرر، كيف سينعكس ذلك على
العملية السياسية في العراق ؟.
ـ أعتقد، أن أي تلاعب بالجدول الزمني المحدد والمتفق عليه لتقدم
العملية السياسية، سيهدد العراق ويضع مستقبله على كف عفريت.
إنه سيزيد من فرص نجاح مخططات الارهابيين ومجموعات العنف والتطرف
والكراهية، التي تتربص بالعراق الدوائر، فهي سترقص فرحا إذا تم التلاعب
بالمواعيد المقررة، لأنها ستشعر وكأنها اقتربت أكثر من هدفها الحقيقي
والوحيد، والذي ينحصر بالعمل على عرقلة تقدم العملية السياسية، ليقف
الزمن عند خط العنف والارهاب.
إن أكبر هدية يمكن أن تقدمها الحكومة الانتقالية إلى الارهابيين،
إذا تلاعبت بالجدول الزمني للعملية السياسية، خاصة موعد الانتخابات
العامة المقبلة.
ولذلك، فإن أي تأجيل سيدعم مشروع الارهابيين، وسيساهم في توسيع نطاق
العنف والارهاب، وسيشجع على إنخراط المترددين في تيار الارهابيين، إذ
ليس كل الناس يزنون الأمور بميزان الحق والباطل، أو الصح والخطأ، بل أن
هنالك الكثيرين الذين يلتحقون عادة بصف المنتصرين، بغض النظر عن صحة أو
خطأ وسائلهم أو أساليبهم، ولذلك، فإذا أردنا أن نسلب الفرصة من
الارهابيين، ولا نمنح المترددين ذريعة للالتحاق بهم، يجب أن نتمسك
بالجدول الزمني للعملية السياسية برمتها، فتجري الانتخابات العامة في
موعدها المقرر والمحدد سلفا.
إن التلاعب بالجدول الزمني، سيزيد كذلك من سقوط مصداقية الولايات
المتحدة، كما سيزيد من كراهية العراقيين لها، فبعد كل هذا الكم الهائل
من الأخطاء والفضائح التي إرتكبتها أميركا في العراق، منذ سقوط النظام
الشمولي ولحد الآن، لا أعتقد أنها بحاجة إلى المزيد منها لتدفع
العراقيين إلى إتخاذ قرار الطلاق البائن معها، وإلى الأبد.
إضافة إلى كل ذلك، فإن التأجيل أو التلاعب بالجدول الزمني، سيدق
إسفينا فيما بين العراقيين والأحزاب السياسية المشاركة في المشهد
السياسي العراقي الحالي، فيما سيكون، بالنسبة لبعضها، آخر مسمار تدقه
بنفسها في نعشها المتجه الى القبر، فهل، يا ترى، سترتكب مثل هذا الخطأ،
الخطيئة ؟.
** ما هي شروط نجاح العملية الانتخابية في العراق ؟ ومدى شفافيتها ؟.
ـ برأيي، فإن أهم شروط نجاح العملية الانتخابية، هو هوية الرقيب
والمشرف.
أعرف سلفا، أن الانتخابات العامة القادمة، سوف لن تكون نزيهة بدرجة
كبيرة جدا، كما أن العراقيين لا يتوقعون منها أن تصنع لهم المعاجز،
ولكن، لأن مسيرة الميل خطوة، كما تقول الحكمة، ولأننا نريد لهذه الخطوة
أن تكون إلى الأمام وفي الاتجاه الصحيح، لذلك يجب أن نعمل جميعا ما
أمكننا، لتأتي على أفضل ما يرام، لأنها الأمل المعقود، واللبنة الأولى
التي سيشاد عليها بقية البناء الجديد.
شخصيا، لا أثق كثيرا بالأمم المتحدة، لأنها ليست سوى قطع غيار،
تستفيد منها الولايات المتحدة متى ما رغبت في ذلك، وتتجاوزها عندما لا
ترى أية ضرورة للجوء إليها.
كما لا أثق بالحكومة الانتقالية، والأحزاب السياسية المشاركة فيها،
لأنها طرف في الموضوع، وصاحبة مصلحة مباشرة في نتائج الانتخابات العامة.
ألذي أثق به كأفضل رقيب على الانتخابات العامة، هو مؤسسات المجتمع
المدني، التي ليست طرفا في المنافسات الانتخابية، كما أنها ليست لها
أية مصلحة مباشرة بنتائجها، إن مصلحتها من مصلحة العراق، ولذلك لا
يهمها من سيكون الفائز في أية إنتخابات عامة، إنما الذي يهمها، هو أن
تكون الانتخابات، حرة ونزيهة بدرجة عالية، كما يهمها أن يدلي الناخب
برأيه، بكامل إرادته، من دون خوف أو وجل أو ترغيب أو ترهيب.
طبعا، ثقتي بهذه المؤسسات، لا يعني أن نلغي دور من ذكرتهم آنفا،
إنما يعني أن نعول على هذه المؤسسات في التحقق من نزاهة الانتخابات،
أكثر مما نعول على غيرها، وليكن الآخرون حاضرين كذلك.
إن مثل هذه المؤسسات المستقلة، ستحرص على أن تكون الانتخابات، نزيهة
غير مزورة، وحقيقية وليست مسرحية.
أما من أقصد بمؤسسات المجتمع المدني، فهي المؤسسات الدينية ومنظمات
حقوق الانسان، طبعا المستقلة، وليست تلك التي أسستها الأحزاب السياسية
في المنفى، والتي عادت إلى العراق لتواصل نشاطها السياسي تحت لافتات
العمل الانساني والحقوقي، إلى جانب جيش المحامين والحقوقيين، بالاضافة
إلى مشاركة عينات عشوائية من المواطنين، في لجان المراقبة والاشراف على
سير العملية الانتخابية، وبرأيي، فإن ظروف العراق الحالية تتطلب مثل
هذا النوع من الرقابة، التي ربما تكون الفريدة من نوعها في العالم، لا
أدري، لأن العراق حالة خاصة، يتربص به المتنافسون، بعضهم بالبعض الآخر،
فمن أجل التقليل من نسبة الطعون المحتملة، فإننا بحاجة إلى مثل هذا
الاشراف الصارم والرقابة القاسية.
أخيرا، أشكر مجلة النبأ الدراساتية، وشبكة النبأ المعلوماتية
الأليكترونية، لاتاحتها لي هذه الفرصة الثمينة والكريمة. |