حين انتهت معارك مدينة النجف منذ فترة وجيزة ظن المجتمع العراقي أن
النتيجة السلمية التي أسدل بها.. الستار على تلك المعارك ستؤدي إلى
اتفاقات سلمية مماثلة في بعض المدن العراقية الأخرى التي شهدت
استعدادات لتأزيم الأوضاع في العراق بنفس القدر الذي كان سابقاً بمدينة
النجف إلا أن المفاجأة كانت على العكس تماماً.
وحتى لا يكون هناك تضخيم لما يجري في العراق من عمليات إرهابية
عشوائية فإن اليقين العراقي الثابت الآن يتجه نحو استحالة استتباب
الأمن في عراق تنشط فيه عصابات النظام الصدامي السابق وبتنسيق إجرامي
واسع مع مرتزقة العربان من خونة الشعب العربي وأعداء شعب العراق الذين
تدعمهم جهات عربية وأجنبية مشبوهة من أجل زيادة القلاقل السياسية في
العراق وبذلك يمكن وصف العمل الإرهابي المشترك الآنف الذكر بأنه يمثل
اصطفافاً لأكبر (استقواد سياسي) تشهده المنطقة.
وما يخطط ضد العراق كـ(شعب ثوري) و(وطن خيرات) و(مكان حضارة) هو
موضوع قديم – جديد إذ ليس بهذا أي هاجس ممكن أن يعرب عنه على كونه وليد
لحظة المأساة العمومية التي تعصف الآن بالعراق وتحاول أن تزيد الجروح
بجسده الطاهر الأكثر طهراً مقارنة مع البلدان الحضارية الأخرى.
إن فرصة إتاحة المجال للمجتمع العراقي ليساهم في الانتخابات المزمعة
في أوائل السنة القادمة 2005م رغم ما يعتريها من تحليلات وأقاويل ستبقى
مسألة غير مهمة ولا يمكن أن تتحقق ضمن احتمالات استمرار عمليات الإرهاب
في العراق الحاضر ومسألة الانتخابات إذا وصفت بكونها (غير مهمة) فلأن
إجراؤها أو عدم إجرائها لا يغير من الأمر شيئاً وتجربة العراقيين
السابقة حين كانوا يعتقدون بعد مرور أكثر من سنة على تغيير الوضع في
العراق إلى كون أن في تشكيل الحكومة العراقية المؤقتة الذي تم في شهر
حزيران الماضي 2004م إنهاء للعمليات الإرهابية لكن مثل ذاك التوقع ثبت
قصر النظر فيها وهذا ما يمكن البناء عليه بأن إجراء الانتخابات
المستقرة والإيجابية يحتمل أيضاً أن لا يكون لها أي اثر لوضع حد يوقف
بموجبه الإرهابيون عملياتهم الإجرامية.
أن أفكاراً عديدة تطرح الآن لإنهاء الإرهاب المفتعل في العراق لكن
أملاً حقيقياً يضع الأمور ويعيدها إلى نصابها غير مستبانة حتى الآن في
الأفق العراقي فلقد فشل أسلوب استعمال القوة المضادة للإرهابيين كما
فشل أسلوب الدبلوماسية مع هؤلاء الإرهابيين القتلة وأن المؤامرة ضد
العراق تبدو أكبر بكثير من أي تخيل لما ستكون عليه البلاد. ولعل من
صعوبة المعادلة السياسية في الميدان العراقي أن كل طرف لاغٍ للطرف
الآخر، فحجة الإرهابيين أن الذين يديرون شؤون العراق هم محتلون أجانب
وهذا صحيح وحجة الحكوميين في العراق أن المعارضين للوضع العراقي الجديد
هم إرهابيون ومرتزقة وهذا صحيح أيضاً.
إذ من المعلوم تماماً في حكم الضمير العراقي الحي أن كل من يؤيد
الآن التنظيم السياسي الصدامي السابق وذيوله العربانية من مرتزقة
السياسة المتواجدون الآن داخل العراق ويقوموا بعمليات القتل العشوائي
ضد المدنيين هم بصورة موحدة من خونة الشعب العراقي وخونة الشعب العربي
ولا يحق لهم تحت أي تبرير أن يدعو حرصاً على الدفاع عن العراق ويحتمل
أن يكون هؤلاء المرتزقة تنسيقاً لافتعال الأعمال الإرهابية مع قوى
الاحتلال ذاتها وأن الحقيقة ستظهر عاجلاً أم آجلاً. ودافع ضريبة الدم
هو شعب العراق. |