الهجمات على متاجر الكحول والموسيقى عصفت بالاقلية المسيحية الصغيرة
في العراق لكن تفجيرات الشهر الماضي التي استهدفت بعض الكنائس قضت على
أمل راود البعض في امكانية البقاء للمساعدة في اعادة اعمار البلاد.
عندما سمعت وفاء دوي انفجار في كنيسة قريبة سحبت طفليها ورحلت الى
سوريا التي سبق أن أمضت فيها أربعة أعوام هربا من حكم الرئيس المخلوع
صدام حسين.
وقالت وفاء التي رفضت ذكر اسمها كاملا "أردت البقاء في العراق لكن
الامور تسوء."
وكانت التفجيرات هي القشة التي قصمت ظهر البعير. فوفاء أصلا كانت
تخاف الخروج من المنزل بدون تغطية شعرها في بلد يتزايد فيه عدد النساء
اللاتي يرتدين الحجاب حتى بين المسيحيات اللواتي يخشين من المسلمين
المتشددين.
وأضافت وفاء "بعد التفجيرات أدركت أنني لا أستطيع الذهاب للكنيسة
بعد الان. كنت خائفة."
ولعقود كان العراقيون يهربون الى سوريا التي ترحب بكل العرب والتي
تستضيف الان ما يصل الى 250 الف عراقي أغلبهم من الشيعة الذين عانوا من
قمع صدام حسين.
وفي مواجهة مستقبل غامض بعد الغزو تزايد عدد أفراد احدى أقدم
الطوائف المسيحية في العالم الذين يفرون من العراق سعيا للجوء للنظام
العلماني السوري حيث تمارس الاقلية المسيحية هناك عقيدتها بحرية.
وقال اجمال خيباري المسؤول القانوني في وكالة غوث اللاجئين التابعة
للامم المتحدة في دمشق "لقد زاد عدد العراقيين الذين يلجأون لمكاتبنا
في الشهرين الماضيين بنسبة طفيفة. ويعكس هذا بوضوح زيادة في عدد
المسيحيين."
وتابع "نحو 20 في المئة من المسيحيين مقارنة بالاحصائيات
الديموجرافية التي تقل النسبة فيها عن خمسة في المئة."
ويشكل المسيحيون ثلاثة في المئة من سكان العراق البالغ تعدادهم 25
مليون نسمة وقد تجنبوا على الدوام لفت الانظار على الساحة السياسية
واضعين في أذهانهم حساسية وضعهم في مجتمع أغلبيته الساحقة من المسلمين.
وحتى قبل تفجير السيارات في خمس كنائس في بغداد والموصل في شمال
البلاد في أول اغسطس اب زادت الهجمات على متاجر الخمور ومحلات تصفيف
الشعر والاهانات اللفظية للسافرات من مخاوف المسيحيين من اساءة
معاملتهم.
وقال ايمانويل خوشابا المتحدث باسم الحركة الديمقراطية الاشورية وهي
حزب مسيحي عراقي ان هناك عشرة الاف مسيحي عراقي على الاقل في سوريا.
وأغلبهم حسبما يقول وصلوا خلال الاشهر الستة عشر التي أعقبت الغزو
الامريكي للعراق.
وقال المتحدث "اعتاد المسيحيون المجيء هنا لاسباب اقتصادية لكن
بأعداد صغيرة. غير أن الحرب والمخاوف الامنية زادت من الاعداد."
وقال المسيحيون وأغلبهم من الطائفة الاشورية والكنائس الكلدانية
الكاثوليكية انهم يشعرون بالامان والحرية في اداء شعائرهم الدينية في
سوريا التي هي أكثر قربا وأقل أسعارا من دول مجاورة اخرى مثل الاردن.
لكن كثيرين يشكون من أنه من الصعب العثور على عمل. والبعض يسعى لبدء
حياة جديدة في استراليا او كندا.
وخلال الاعوام الثلاثة الماضية أخذت منظمة خيرية تابعة لكنيسة
ابراهيم خليل الكاثوليكية في جرمانا على مشارف دمشق تقدم وجبات غذائية
اسبوعيا ورعاية صحية لنحو 06 عائلة.
وقالت حياة شاهين رئيسة معهد العساف الخيري "نفتح أبوابنا لكل الناس
من مختلف الجنسيات والاديان. يتزايد عدد العراقيين الذين يأتون إلينا
للصلاة منذ الحرب وزاد العدد أكثر فأكثر."
وبقي أبو ستيفان في العراق حيث يعتني بحديقة السفارة الالمانية رغم
تلقيه تهديدات مجهولة المصدر كي يتخلى عن وظيفته هذه.
ثم صدمت سيارة ابنه ستيفان البالغ من العمر تسعة أعوام وخطفه مسلحون
داخلها فيما كان في الطريق إلى مدرسة الاحد مع والدته. وطالب الخاطفون
بفدية 03 الف دولار ودعوا الوالد للتخلي عن العمل في مزرعة المانية.
وفيما كان يهرع لجمع المبلغ عثر على جثة ابنه في الطريق.
وقال وهو يجلس على الارض في منزله حيث كان جهاز التلفزيون هو قطعة
الاثاث الوحيدة "قالوا اني عميل حتى رغم أني أعمل مع الالمان وليس
الامريكان."
ومع أن المسيحيين مثل معظم العراقيين كانوا يكرهون صدام حسين بسبب
قمعه فإنهم كانوا يتمتعون بحرية نسبية في اداء الشعائر كما أن أحدهم
وهو طارق عزيز شغل منصب نائب رئيس الوزراء.
والواقع أن الاضطرابات الامنية الحالية التي شملت هجمات على مساجد
وأضرحة للمسلمين جعلت العراقيين من جميع الاديان في حالة خوف.
لكن بعض المسيحيين الفخورين بجذورهم في تلك البلاد منذ ما قبل ظهور
الاسلام في القرن السابع الميلادي يشعرون على نحو خاص بعدم الامان نظرا
لقلة عددهم والاعتقاد السائد بأن ثمة ما يربط بينهم وبين الامريكيين.
وقال ابو ستيفان "لقد هوجمت جميع الاديان. لكن عندما جاء الامريكيون
بدأ بعض السذج في الانقلاب علينا معتقدين أننا نؤيد الاحتلال لمجرد
أننا نعتنق الديانة نفسها قائلين أن علينا أن نغادر."
وأضاف "لكننا عراقيون. إننا السكان الاصليون للعراق. لماذا يتعين
علينا أن نغادر؟"
المصدر: رويترز |