يقول فنانون عراقيون انه أصبح بمقدورهم الان ولأول مرة في حياتهم
الفنية انتقاد الاوضاع الداخلية في بلدهم بصراحة الا أنهم يخشون التطرف
ويشعرون بالقلق لغياب سياسة عامة واضحة وللانفلات الامني.
فبعد سقوط حكم حزب البعث الذي استمر أكثر من 30 عاما لم تعد هناك
تقريبا أي خطوط حمراء خاصة في ظل حالة الاضطراب التي تصل الى حد فراغ
السلطة في بعض المناطق.
علي جابر ممثل كوميدي شاب يقدم اعمالا كوميدية على شاشة تلفزيون
قناة الشرقية العراقية مع مجموعة من الفنانين الذين شكلوا فريقا ينتقد
الاوضاع الداخلية للمجتمع العراقي.
قال جابر ان الاوضاع تغيرت كثيرا عما كانت عليه في الماضي "فالفنان
العراقي اصبح الان قادرا على انتقاد مايجري في البلد دون ان يشعر بأي
تخوف."
واضاف ان باستطاعته الان التعرض الى المسؤولين وانتقادهم "بعد ان
كنا نخشى الشرطي في الشارع... أشعر الان أني أستطيع ان انتقد أي مسؤول
بالدولة وأن أسخر من تردي الاوضاع الداخلية للبلد من دون اي شعور
بالخوف."
لكن كثيرا من الفنانين يرون أن الانفلات الامني أفرز الكثير من
المعطيات السلبية وأوجد تيارات وحركات بات الجميع يخشاها ويخشى التطرف
الذي يمثله بعضها وهو ما يشكل عائقا حقيقيا امام حرية التعبير انعكس
بشكل مباشر على اداء بعض الفنانين.
وقال جابر "من السهولة الان انتقاد المسؤول... لكني أخشى ان أفعل
الشيء نفسه لانتقد مجموعات بعينها خوفا من تطرف هذه المجموعات."
واضاف "المشكلة اننا شعوب لا تعي أن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود
قضية وان الانتقاد لا يعني بالضرورة انني ضد من أنتقده. يجب ان نفهم أن
الاختلاف في وجهات النظر نعمة وهو يوفر الارضية المناسبة للفنان لكي
يعبر عن التزامه تجاه اهله وتجاه شرف المهنة."
ويقتصر العمل الفني في العراق الان على اعمال تلفزيونية محدودة ينصب
أغلبها على انتقاد الشأن الداخلي العراقي. وبسبب غياب الامن أغلقت كل
المسارح في العراق أبوابها منذ بدء الحرب الاخيرة في مارس اذار من
العام الماضي باستثناء الاعمال المسرحية النخبوية او الاكاديمية
الموجهة الى شريحة بعينها.
لكن الممثل والمخرج المسرحي عبد جعفر النجار يرى أن الخطوط الحمراء
ما تزال قائمة وان اختلف الشكل.
وقال النجار "كنا نعرف أين تكمن الخطوط الحمراء ولم نكن نقترب منها.
ولكن مع هذا كنا نعرف كيف نتعامل معها على الرغم من سطوة السلطة
وجبروتها من خلال ما يسمى بالكوميديا المغلفة أو المبطنة وكان المتلقي
يفهم المعزى بسهولة."
واضاف "أما الان فالخطوط الحمراء موجودة. لكنها غير معلنة وهي اكثر
لمعانا من السابق.. تضعها وتقف وراءها جهات عديدة لا تمثل الدولة اي
طرف فيها.
"نحن كممثلين نعرفها والجميع هنا يعرفها. ولكن لا أحد يستطيع الحديث
عنها لان عقوبتها لا تقف عند حد القتل بل تتعداه لتصل الى ما هو أسوأ
من ذلك."
وقالت بشرى اسماعيل وهي من الفنانات العراقيات التي لها حضور متميز
من خلال اعمالها المسرحية والتلفزيونية المتواصلة ان الحال في الوقت
الحاضر قد اختلف كثيرا عن السابق "يوجد تحرر ملموس من القيود. بامكانك
الان أن تنتقد اي مسؤول بدون تحرج او تخوف. هناك شيء من الحرية
والديمقراطية. تستطيع ان تقول ما تريد بدون احساس بالخوف."
لكنها أضافت ان "الخطوط الحمراء بداخلنا لا يمكن تجاوزها لان الفنان
هو الذي يجب ان يضع هذه الخطوط لنفسه لا أن يضعها الاخرون له."
واكدت ان "توجه الدولة بشكل عام مازال مبهما وكثير من الامور لم
تحسم وخطوطها مازالت متشابكة وغير واضحة المعالم وهذا مايولد الكثير من
التردد."
وعبرت بشرى عن معاناتها بشكل يختلف كثيرا عن معاناة زملائها من
الرجال "مجرد خروجي من البيت في هذه الظروف وانا امرأة أمر فيه كثير من
التحدي حيث لا أمن ولا أمان. فما بالك بكوني ممثلة كوميدية تحاول ان
تنتقد الوضع وتسخر منه."
واضافت ان المشكلة الان ليست في المسؤول او الحاكم "أعتقد ان الجهات
الرسمية الان مثقفة وواعية بقدر يجعلها تتفهم دور الفنان وغرضه."
ومضت تقول " المشكلة في مجموعات واتجاهات معينة نشات مؤخرا وهي لا
تفهم الدور الحقيقي للفن والفنان ... هذه الجهات تتعامل مع الفنان اما
مع او ضد."
وقال حيدر منعثر وهو مخرج ومؤلف غلبت على ادواره الكوميديا ويمثل
الجيل المثقف من الفنانين العراقين الشبان "لا أحد ينكر ان الكثير من
المحاذير وما يسمى بالخطوط الحمراء قد ازيلت. فقد كنا نعيش في ظل نظام
شمولي معروف في تسييره للفن كواجهة وبوق لتلميع صورته."
واضاف منعثر أنه رغم كل هذا "لا شيء يدعو للتفاؤل لان الخارطة
السياسية في بلدي مازالت غير واضحة وليست لها معالم واضحة. انا لا أفهم
الان من يقود البلد او اي جهة سياسية ستقود البلد."
ومضى يقول "وهكذا فعلينا نحن الفنانين استثمار فرصة غياب مايسمى
بالخطوط الحمراء لنتحدث بجرأة الفنان وموضوعيته عن كل ما يحدث في
العراق. فمن يعلم قد يأتي حاكم جديد او حزب جديد يضع خطوطه حمراء جديدة
في مسيرة الفنان. وهذا مانخشاه."(رويترز) |