في التوجه لتأسيس مكتبة شخصية بحتة في بيت السكن أو المكتب الخاص
بالمرء نوع من الشعور بالاستقلال الثقافي الذاتي.
من مقومات الإنسان الناجح بهذا العصر أنه إن لم يمتلك مكتبة خاصة به
تضم أمهات الكتب الحائزة على اهتماماته من حيث نوع مواضيعها فهو على
الأقل يمتلك عدداً من الكتب التي يعتبر اقتناؤها الخطوة الأولية المهمة
على طريق تأسيس مكتبة شخصية له خلال المستقبلان المنظور أو الذي يليه
بحسب عيشه في المخيلة.
وبائس حقاً من يمتلك مالاً ويمر على المكتبات العارضة لبيع الكتب (مر
الكرام) ولا يقتني ما يمكن أن يوهج بها نفسيته وثقافته، ومع أن الرغبة
في التصميم هي التي تدفع لاقتناء كتاب ما أو سلسلة كتب محددة فإن معشر
المقتنين من أصدقاؤه لهم الفضل في زرع هواية اقتناء الكتب المهمة بعضهم
مع بعض فـ(الكتاب) ليس مجموعة أوراق كتب عليها كلام مطبوع إذ هو يعطي
من الفوائد ما يمكن أن يجعل المرء يشار له بالبنان نتيجة لتمتعه بثقافة
حقة.
وامتلاك الثقافة إذ هي في التفكير تكاد أن تشكل استراتيجية ثابتة
عند الناس الأسوياء الذين يهمهم أن يكونوا مستقلين في عالم السياسة
ولكن أن يبقوا آرائهم فيها وربما في مكائدها لهذا ترى بعض أجهزة
الرقابة لا تردد في مصادرة أي كتاب مطبوع من المكتبات والأكشاك المخصصة
لبيع المؤلفات حتى بعد أن أجازت توزيع بيعه وذلك لأن أحداً ما في
السلطة السلبية وأعوانها أو المتخاذلين أمامها قد أعطى رأياً بحظر ذاك
الكتاب مما كبر هاجس الرقباء على الكتب أن يفعلوا ما يقدروا عليه
ويتراجعوا فوراً عن قرار منحهم موافقة لتوزيع ذاك الكتاب وحدث مثل هذا
مع الأسف في بلدان عديدة في العالم دون استثناء.
ومن هنا فبقدر ما ينبغي على مقتني الكتاب أن لا يتردد ولو للحظة
كنوع من سد الحاجة الروحية له إلا أن مثل هذه المشروعية الشخصانية هي
ليست ذات شمولية لكل من اقتنى كتاباً أو أكثر فبعض المكتبات الشخصية في
البيوت (مثلاً) قد تأسست على خلفية إظهار صاحبها وكأنها قارئ لما في
نفسه أن المجتمع يقدر المثقف بدرجة أعلى من غيره لذا يلاحظ كم من الكتب
المنسقة الأوضاع على رفوف مكتباتها البيئية تكاد أن تشبه ديكوراً ناجحاً
يعطي شيء من التهيب لصاحبها الذي لا يطالع كتبه تلك إلا ما ندر. ولذا
فمع تجريب مستوى الشخص الثقافي المرتب لمكتبته داخل بيته ممكن أن توصل
شمس الحقيقة إلى كونه مثقفاً أم لا!
إن ضرب المثال عن شخص يقتني كتباً لا يقرأها لا يشكل نموذجاً حيوياً
في الحياة الثقافية كما لا يصلح حتماً أن يكون أحد روادها خصوصاً إذا
ما تم العلم أن تجذير الثقافة ومواكبة أخبارها مسألة في غاية التحبيذ،
فبدون التضامن مع الثقافة الحقة وأنفاسها لا يمكن أن يحصل المرء على
قدر عظيم من الثقافة المتعددة وذات الفعالية في عموم الحياة.
حقاً إن رحلة الثقافة شاقة ورموزها الشخصانيين لم ينالوا لقب (مثقف)
قبل أن يمروا بحالة من تنوير ضمائرهم في ظل مطالعات ومواكبات مستوعبتان
لما يحدث حقاً في الساحات الثقافية المختلفة نظراً لأن الثقافة هي
تفاعل بناء بدونها لا يمكن أن تكون للمرء أي رابطة حقيقية – إنسانية مع
غيره من نظراء الخلق، والكتاب كـ(محتوى) الذي يمثل في أحد جوانبه
تبادلاً بين تجربة (الكاتب – المؤلف) و(القارئ المقتنين) والتي على
ضوئه تتم محاكاة نموذج أطروحة الكتاب مع قرائه.
إن الجمهور اليوم محاصر بإدعاءات الديمقراطيات المزيفة التي خلقت
نوعاً من الاضطراب الملحق ضرراً بماهيات الثقافة فإذا كان الكتاب
الواحد مضافاً له امتلاك المرء لمجموعة كتب يتسبب بغبطة المرء وهو يشعر
أن لديه عدداً من الكتب الثمينة ما يمكن أن يعود لقراءتها مرات ومرات
فإن (مجتمع الحاسوب) الذي يترنم البعض بكونه سيقضي على (الكتاب المطبوع)
بكونه قد أتى بـ(الكتاب المنظور) على الشاشة لم يكن سوى رأياً خالقاً
مزيجاً من الشعور أن ذاك الكتاب أكبر من أن تنال منه صوره غير الملموسة
باليد والمفتقرة إلى تصفيحه بالأنامل. |