يقدر بعض المتابعين أن عدد الصحف الصادرة في العراق الآن قد وصل
لزهاء (250) صحيفة بين يومية وأسبوعية ونصف شهرية وشهرية وفصلية أي
بزيادة أكثر من (100) صحيفة عما كان عليه عددها خلال السنة الأولى التي
أعقبت سقوط النظام الصدامي الدموي.
لقد ولى عهد الرعب الدائم الذي كان يحيط برقاب العراقيين إبان زمن
الفريق السياسي المشبوه الذي حكم العراق وتحكم بمقدراته (بلداً وشعباً)
طيلة فترة أمتدت من سنة 1968 وحتى سنة 2003م وهذا ما أعطى درساً بأن
الحكام العملاء والأنظمة السياسية التابعة لا تشفع لهم بالخيانة العظمى
لصالح الأجنبي عند الأجنبي ذاته إذا اقتضت مصلحة الأخير إجراء تغيير
على الوضع السياسي في نفس البلد المعني..
لقد تأثرت كل شرائح المجتمع العراقي بعملية التغيير الذي جرى وأطاح
بنظام الفريق السياسي الصدامي الذي أصبح جزءه الأكبر على ذمة التاريخ.
وفيما يتعلق بالمؤثرات السلبية أو الإيجابية على عموم الوضع الثقافي
العراقي سواء في الداخل أو في المنافي فإن تفعيل الثقافة في الداخل
العراقي آنذاك كان موجهاً لتمجيد سياسات الظلم ورمزه المستحدث رئيس
النظام صدام الذي قفز بفضل اسياده الأجانب عليه من ابن شارع إلى سياسي
ثم إلى رئيس للدولة بفترة مرتبكة جداً من تاريخ العراق المعاصر وكان
ذلك سبباً لتراجع العراق تراجعات مخيفة عما كان قد بناه في نهضته التي
بدأها رويداً أثر اكتشاف مادة النفط فيه فبدلاً أن يكون النفط مادة
لدعم مستقبل العراق وازدهار حياة مجتمعه ظهر فيه جانب من التثقيف
السياسي الذي كان يضع الشبان لكل ما هو أصيل في الثقافة وبدأ ذلك جلياً
حين تم سحب جوهر الديمقراطية من الوضع المتشبه بـ(الديمقراطية) التي
كانت عليه البلد إبان العهد الملكي الذي شهد ظهور مؤسسات ديمقراطية
شكلية مثل (البرلمان) الذي ضم بعض الأميين ممن لم يعرفوا.. القراءة
والكتابة وكان يغفون في نوم عميق أثناء انعقاد بعض جلساته وهذا ما أثر
في تقييم المجتمع العراقي لتلك المؤسسات الخالية من مستوى الطموح
الشعبي المطلوب.
وحين جاءت فترة انقلاب 1968م بدأ أن الانقلابيين أخذوا يراجعون
الوضع الاجتماعي والثقافي في البلاد وبدأت الدعاية تبرز وكأن النظام
الجديد حريص على احترام الرأي الآخر لكن أحداثاً غير متوقعة حدثت إذ
لمس المجتمع العراقي أن ادعاءات الانقلابيين فيما يؤكدون عليه من ذاك
الاحترام هو العكس تماماً إذ وجه النظام جام حرابه ضد طبقة المثقفين
قبل غيرهم ومعروف أن كل مثقف قد سيق إلى التحقيق تحت تهم جاهزة هي
تنسيبه إلى أحد جهات أو أحزاب المعارضة وظهرت آنذاك مقولة تفيد إذا كان
المثقف غير منتم إلى جهة سياسية معارضة فما الذي يمنعه من الانتماء إلى
حزب السلطة!
وهكذا فقد كان المثقفون العراقيون أول من استهدفتهم نظام الانقلاب
البكري – الصدامي وأجرى تصفية الحسابات معهم ظناً من سلطة أنه هؤلاء
يشكلون خطراً على وضعهم في السلطة التي اغتصبوها من حكم الرئيس (عبد
الرحمن محمد عارف) ففي خضم تلك الفترة العصيبة وخلاصاً من الموت غادر
أو هرب العديد من المثقفين العراقيين إلى الخارج طلباً للملاذ وإنقاذاً
من سياسة البطش والقمع التي أخذت بالتصعيد ضد الشعب العراقي عموماً
والطبقة المثقفة خصوصاً، فشهد العراق نكسة ثقافية يكفي الاستشهاد عنها
أن قراءة كتاب سياسي مطبوع قبل سنة 1968م كافياً لإنزال عقوبة الإعدام
بقارئه فكيف كان الحال لو عثر على كتاب وصل إلى العراق بطريق فردي
ومطبوع بعد تلك السنة المشؤومة التي أدخلت المجتمع العراقي في دهليز
فترة مظلمة أضحى بعض المثقفون يتمنون الموت وهم في السجون الخاصة التي
يشرف عليه الفريق السياسي للسلطة الصدامية الغاشمة فقد وضعوا الحواجز
بينهم وبين إطلاق سراحهم على كونهم متهمين بـ(احتمال أن يكونوا خطرين!).
أما في المنافي فلم يكن مثقفوا العراق في (بحبوحة ثقافية) كما يعتقد
البعض البعيدون عن التجربة. إذ دلت المماحكات في المنفى أن الصدمة كانت
أكبر حيث كانت بعض السلطات العربية والأجنبية تفتش بين هؤلاء المثقفين
ممن هم مستعدون لبيع أقلامهم لحساب تلك السلطات البعيدة عن قضية الشعب
العراقي من الناحية العملية – الواقعية.
واليوم ففي عهد الانفتاح شبه الثقافي في العراق الراهن يأمل مثقفوا
العراق أن لا يندس بين صفوفهم شياطين الثقافة من أي جهة أرسلوا فشمولية
الثقافة تحتاج إلى توفير أجواء مستقرة تعلوها رايات الديمقراطية
الحقيقية والحريات المسؤولة من أجل تحقيق أفضل تواصل ثقافي في المرحلة
الجديدة في البلاد. |