يقول محللون ان الهجوم على الميليشيا الشيعية في النجف ربما قصد أن
يكون دمويا لردع المقاتلين في شتى أنحاء العراق غير أنه عزز من قوة خصم
يزداد قوة كلما ضرب أكثر.
وقالوا انه حتى اذا ما قضت الحكومة العراقية المؤقتة والقوات
الامريكية المساندة لها على رجل الدين الشيعي مقتدي الصدر فان قادة
اخرين سيظهرون لاخذ مكانه.
وأدت المواجهات بمدينة النجف منذ عشرة أيام الى مقتل المئات وهددت
بتقويض حكم رئيس الوزراء اياد علاوي.
وقال جاريث ستانفيلد من المعهد الملكي للشؤون الدولية "المشكلة تكمن
في أن الخصم الذي يحاولون دحره هو من نواح عدة غير قابل للتدمير.
"ان حركته قوية وواسعة النطاق بحيث أنه حتى في حالة تمكنهم من
اعتقال الصدر او قتله فان رجلا اخر سيظهر."
وأشارت اخر التقارير الى ان الصدر الجريح يتفاوض مع الحكومة لمغادرة
احد أكثر المواقع الشيعية قداسة الذي تطوقه القوات الامريكية والعراقية
وانه وضع شروطا للانسحاب.
وتقول مصادر عسكرية انه لا يمكن أن تتغلب قوة الصدر المتواضعة الحال
في المدينة على الولايات المتحدة. غير أن الحكومة العراقية سيتعين
عليها خوض كفاح لبسط نفوذها عبر البلاد حتى لو أمكن السيطرة على الصدر
أو اعتقاله أو قتله.
وقال توبي دودج خبير الشؤون العراقية بالمعهد الدولي في لندن
للدراسات الاستراتيجية ان علاوي والامريكيين أرادوا توجيه رسالة عبر
النجف الى مئات الالاف من المقاتلين في مختلف العراق.
لكنه قال ان الصدر حقق ما لم يحققه أي سياسي عراقي منذ الغزو
الامريكي للعراق بحشده حركة جماهيرية والهيمنة على شريجة كبيرة من
مخيلة الرأي العام العراقي.
وقال دودج أيضا "في حالة قتله أو شل حركته او استقطابه فان منظمته
ستبقى وسيلتقطتها شخص اخر ليستخدمها."
وأنتشر التمرد الشيعي المتشدد في سبعة مدن وعرقل صادرات النفط كما
ضرب جهود اعادة الاعمار في البلاد التي عصفت بها الحرب.
ويتصاعد الغضب من الهجوم الامريكي قرب أكثر المواقع الشيعية قداسة
حتى من جانب المعارضين للصدر.
وقالت ريم علاف من برنامج الشرق الاوسط في المعهد الملكي للشؤون
الدولية "واضح أن الحكومة العراقية تحتاج الى انتصار. انهم يريدون
تسجيل نقطة. لكن لا أعتقد انهم قدروا بصورة ملائمة تأثير ذلك على
صورتهم أو صورة الحكومة العراقية المؤقتة على المدى البعيد."
وتابعت "رأينا في العديد من المدن أن المزيد من المظاهرات تخرج
للشوارع."
وقال دودج ان الصدر قد يثير المتاعب لو سعى للوصول للقاعدة الحقيقية
لقوته في مدينة الصدر وهي حي عشوائي للشيعة تغير اسمه من مدينة صدام.
وأضاف "هناك مليونان من الشيعة الغاضبين في مدينة الصدر. انه مركزه
الاساسي والقوات الموجودة هناك محلية ولديها الدافع وهي منظمة للغاية."
ويحظى الصدر (30 عاما) بما هو أكثر من التأييد الدولي في أوساط
الاغلبية الشيعية بالعراق غير أن الاحباط السائد بين الفقراء يصب في
مصلحته.
وأدى التعامل مع الصدر بالقوة الى دعم موقفه خاصة بين الفقراء
والعاطلين عن العمل كما يقول رجل الدين الشيعي المعتدل محمد بحر العلوم.
وأضاف بحر العلوم لرويترز "تفقد الحكومة تأييد منطقة الفرات الاوسط
والجنوب حتى اذا ما سعت لتهدئة هذه المناطق مؤقتا باستخدام القوة
المفرطة."
وقد رفض الزعيم الشيعي الاعلى في العراق اية الله علي السيستاني
ادانة تحركات الصدر رغم ما سببته من غضب بين الزعماء الشيعة. ولا يعتقد
أن قمع المقاتلين دون شفقة في النجف سيسمح لحكومة علاوي بالتقاط
أنفاسها.
وقال دودج ان القوات الامريكية لم تعد تستطيع فرض سيطرتها عبر
البلاد وان قبضتها قد تراخت في مناطق كثيرة من الشمال بينما القوات
العراقية ليست في حالة تمكنها من ملء الفراغ.
وتحدثت مجلة ايكونوميست عن انقسامات طائفية عميقة بشأن النجف.
وقالت ان الحكومة العراقية تخلت عن محاولة ادارة الكثير من المناطق
السنية في وسط العراق تاركة الاغلبية الشيعية تشعر بمزيد من الاضطهاد.
ومضت تقول "ربما كان الاحساس بان البلد بأسره يفلت من السيطرة هو ما
أقنع الامريكيين بقمع الصدر."
وأضافت "قد يتساءل الشيعة بدهشة عن سبب اختيار المحررين لأضخم طائفة
في البلاد والتي عانت أكثر من السنة في عهد صدام لانزال عقاب تأديبي
بها."
وقد تؤدي هذه الصدامات الى ان تفقد امريكا دعم الحلفاء الشيعة في
العراق
فعندما ارادت الولايات المتحدة الاستعانة برجل دين شيعي لتعزيز
مصداقية مجلس الحكم العراقي توجهت الى محمد بحر العلوم الذي ابيدت
اسرته تقريبا بسبب معارضتها لصدام حسين.
وبعدما شاهد الرجل بلدته النجف تتعرض للقصف الامريكي لسحق مقتدى
الصدر واتباعه فقد بحر العلوم الثقة في النوايا الامريكية ازاء العراق
وقال ان ملايين المعتدلين من امثاله والذين رحبوا بالغزو في العام
الماضي اصبحوا يعتبرون واشنطن عدوا الان.
وقال الرئيس السابق لمجلس الحكم العراقي المنحل يوم الجمعة ان
الامريكيين حولوا المدينة المقدسة الى مدينة اشباح وينظر اليهم الان
على انهم يحملون كراهية كبيرة للنجف وللشيعة.
وتساءل بحر العلوم عن سبب اصرار الامريكيين على اختلاق أزمة بينما
كان من الممكن التوصل لحل سلمي مع الصدر وقال انه كان يأمل ان يقود
رئيس الوزراء العراقي اياد علاوي هذا الاتجاه "الا انه (علاوي) اتخذ
جانب القمع".
وكان بحر العلوم من أعلى الاصوات انتقادا لاعمال العنف التي اثارها
الصدر واتباعه الذين تحدوا سلطة رجال دين اكبر سنا مثل اية الله العظمى
على السيستاني وبحر العلوم نفسه.
وتعرضت طبقة رجال الدين الشيعة لانتقادات متزايدة من جانب شيعة
عاديين بسبب التزامهم الصمت ازاء الهجوم الامريكي وخاصة السيستاني الذي
أعرب عن اسفه لما يحدث في النجف لكنه لم يستنكر الهجوم الامريكي.
وينظر اتباع الصدر الى السيستاني المولود في ايران على انه رجل دين
اجنبي فضل اتباعه على رجال الدين العراقيين في الحوزة العلمية في النجف.
وتحدى محمد صادق الصدر والد مقتدي الصدر سلطة السيستاني وصدام. وقتل في
عام 1999.
ويقول بحر العلوم الذي يعترف بأن السيستاني مرجع ديني انه كان من
المفترض ان يستنكر الاخير الهجوم الامريكي لو كان يعلم بكل تفاصيله.
وقال بحر العلوم "السيد السيستاني مريض". واضاف انه لا يعتقد انه
يعلم بكل تفاصيل الدمار والقتل الذي يحدث في النجف.
واضاف بحر العلوم انه كان من الممكن منح الصدر دورا سياسيا في
الحكومة العراقية لتجنب المواجهة العنيفة وانه ليس هناك حكمة فيما يقوم
به الامريكيون وعلاوي لان نتائج ما يحدث لا يمكن التنبؤ بها.
المصدر:
وكالات |