تتوالى المستجدات في العراق بشكل رهيب فحالة التوتر السياسي والنهج
العملياتي العنيف هو سمة الوضع العراقي العام الذي لا يمكن تفسير
الإصرار على أحداثه إلا بالتمهيد الذي لا يستبعد استهداف تقسيم العراق
في نهاية المطاف.
ممكن الرجوع قليلاً إلى أوائل سنين العقد الأخير من القرن العشرين
المنصرم الذي شهد هزيمة العساكر العراقيين من معارك ساحة الكويت وتقهقر
عنجهية الفريق السياسي الصدامي المشبوه أن أعقب ذلك نشر المخطط الغربي
الأنكلو – أمريكي الخاص بدراسة تقسيم جغرافية العراق إلى ثلاث دول –
دولة كردية في الشمال ودولة سنية في الوسط ودولة شيعية في الجنوب –
ويومها لم يؤخذ ما قيل عن ذاك المشروع بعين الاعتبار على اعتباره هلوسة
سياسية لا يفضل الاعتداد بها أو تصديقها ولكن النشاطات الدراماتيكية
التي صنعت مشاكل العراق وتفليس شعبه من أن يعيش حراً على أرضه وزيادة
الخناق على حياة المجتمع العراقي اليومية بواسطة قرارات العقوبات
المفروضة آنذاك والمؤيدة من قبل هيئة الأمم المتحدة لم ينتبه أحد إلى
أن ما لم يعلن عن غاياتها كان هو الجدير بالبحث عنه.
منها أن الأوضاع العراقية تمتد وتختفي بين مد وجزر ولا تصب إلا في
إعطاء نتف من المكاسب للشعب العراقي المظلوم والمعتدى على حقوقه
والمسيطر على خيراته، ولعل من التفرج على ما أكاله النظام الصدامي ضد
شعب العراق أصبح مضرب الأمثال على مستوى العالم ولكن مع هذا فإن اللغط
هو الحالة السائدة اليوم لتمويت الفهم عما يجري حقيقة في العراق فبعد
زوال الدولة في البلاد وحل الجيش الذي كان موالياً للنظام السابق إذ لم
يكن واضح الغايات في بداية الأمر حين انتصرت القوات البريطانية
والأمريكية في حرب سهلة جداً تقرر فيها سلفاً أن يهزم فيها أكثر من (4)
ملايين مسلح من عناصر النظام الصدامي القاتل بوقت كان يسمى الجيش
العراقي فيه بـ(جيش عقائدي) بوقت كان فيه ما تبقى من العسكريين الشرفاء
ينظرون إلى تلك التسمية بكثير من الاشمئزاز إذ كانوا يلاحظون أن هؤلاء
العساكر الموالون للنظام السابق هم شرذمة من السرسرية وأولاد الشوارع
الذين نبذهم الشعب العراقي لـ(لا أخلاقياتهم) المعروفة لكن النظام
احتظنهم لأنه كان بحاجة لذاك النوع فقط من الحثالات التي لا شرف عسكرياً
لها ولا حباً للوطن لديها ولا تحمل أي احترام لشعبها وهؤلاء العسكريون
الفاشلون الذين كانوا يوماً قد أنعم النظام السابق عليهم ومنحهم رتب
ضباط ومناصب عسكرية رفيعة لم يكونوا أهلاً لها هم الآن يشكلون القوة
العسكرية الغالبة العدد مع ما يقلق عليها بـ(المقاومة).
إن المشهد المأساوي الجار الآن في العراق لا يعفي أي جهة من أداء
دوره الذي تثار حوله العديد من الأسئلة السياسية وبغض النظر عمن يقود
منطلقات الحكومة العراقية المؤقتة مقابل ادعاءات قيادة تلك المقاومة –
اللامقاومة فإن اللعبة تبدو وكأنها فصول متفق على ترتيبها بين جميع
الأطراف كأن يكون هنا الاتفاق وهناك الاختلاف والتنسيق لا يجري إلا مع
قيادة خفية بيدها كل خيوط اللعبة السياسية في العراق بدليل أن مسايرة
الوضع الجديد المطروح في العراق لتصفية الأجواء فيه والمساهمة من قبل
الجميع للنهوض به من جديد أصبح يلاقي المعارضة والمقاومة حتى مع هؤلاء
الذين شملهم قرار العفو العام الذي أصدرته الحكومة العراقية المؤقتة
لصالح أولئك المجرمين.
دارت المعارك لليوم الخامس على التوالي في عدة مناطق بالعراق بين
قوات الجيش العراقي الجديد المدعومة من قبل القوات الأنكلو – أمريكية
وقوات المقاومة – اللامقاومة ووقعت أعداد كبيرة من القتلى بين الجانبين
في ساحات النجف والبصرة وصاحب ذلك تهديد كل طرف للآخر حتى اضطر (كوفي
انان) الأمين العام للأمم المتحدة أن دعى لوقف فوري لإطلاق النار لكن
أحداً لم يستجب له في حين كرر (جورج بوش) الرئيس الأمريكي دعمه
لإجراءات الحكومة العراقية المؤقتة هذا في حين هددت بعض قيادات الساحة
العراقية بأن الأمر لا يتحمل أكثر مما يجري من عنف داخل العراق وأن
الأمر إذا ما استمر على هذا المنوال فإن إعلان انفصال إقليم الجنوب عن
العراق هو الذي سيكون، وجاء هذا على لسان سلام المالكي نائب محافظ
البصرة هذا بوقت قد تم فيه وقف ضخ النفط من البصرة مما أحدث أزمة في
أسعار النفط على المستوى العالمي.
إن ساحة العراق أصبحت ملغومة بسلاح الاختطاف كـ(سلاح جديد) دخل
المعركة كما فرض حظر التجوال في بعض مناطق الشيعة. والتنبؤ بوقوع حالة
كارثية سياسية تؤدي إلى تقسيم العراق وإحياء هذا المشروع الغربي أمر
وارد وغير مستبعد وبالذات في ظل الظروف السياسية الراهنة حيث أن القوى
السياسية المؤتلفة مع الحكومة العراقية المؤقتة أضعف من أن تستطيع أن
تقول كلمة (لا) واحدة تستطيع أن تجبر قيادتا لندن وواشنطن على تغيير
فكرة قرارهما بـ(تقسيم العراق) إذا ما أرادتا ذلك. |