ما يجري اليوم في بعض مدننا العزيزة أمر يبعث على الشعور بالمرارة
والأسف وربما اليأس في بعض الأحيان.. ولكن الحقيقة التي يجب أن ندركها
هي أن الارتقاء لن يكون سهلا طالما كانت القبضة الحديدية هي التي تتحكم
بسلوك الأفراد وحتى مشاعرهم طوال العقود الماضية.. لن يكون سهلا على
الإنسان أن يتغير لمجرد تغير الأنظمة السياسية التي تحكمه، فالتغيير
ينجم عن قراءة صحيحة لوقائع المحيط وتجاربه، وهذه القراءة تحتاج لأسس
وآليات فهم يجب أن توجد في الضمير أولا، وللأسف فأن ما يوجد اليوم في
ضمائر الكثيرين هي أسس خاطئة بنتها الشعاراتية والمزايدات وغذاها
الانقطاع التام عن العالم الخارجي، هذا فضلا عن لجوء الأفراد لا شعوريا
لآلية اجتزاء التاريخ وتطبيقه على وقائع اليوم بطريقة قسرية مستندين
على كم شحيح من المعلومات والثقافات والأحكام تسرب بطريقة مشوهة
لضمائرهم..
لدينا اليوم في مجتمعنا العزيز طبقة واسعة لا تدرك ما تريد وفوق هذا هي
تصر على أنها الأفهم والأعلم والأقدر على تحديد الموقف الصحيح.. هي
ديكتاتورية اجتماعية يستبد فيها شباب وربما رجال نشأوا في ظروف غير
طبيعية كانت الحرب والحرمان والخوف أهم سماتها فنشأ فيهم أسلوب من"
ثقافة المشاكسة" التي تعارض أي راي آخر يختلف عن متبنياتها وآرائها..
هي تريد توجيه مرجع الدين للإقرار بمواقفها مع إن هذا الأخير هو الموجه
الفقهي لسواه، وهي تريد أن يتبنى السياسي أفكارها، مع أن السياسي هو
الأقدر على التعاطي مع اللعبة السياسية..
هذه الطبقة ربما يصدق عليها مصطلح" المراهقة السياسية" فكما يحتاج
المراهق إلى بعض التجارب الفاشلة والمواقف المحرجة كي يكبر وينضج،
سيحتاج هؤلاء لمواقف مماثلة كي يكبروا وينضجوا ويصبحوا فاعلين وحريصين
على وطن أثقلت كاهله الأزمات وغاص طويلا في بحر دم أبنائه النازف هباء..
لذلك ربما يصح القول أن الأحداث التي نمر بها الآن هي مواقف ضرورية كي
نكبر ونتعلم ونختار الطريق الصحيح للحياة.. أظن أننا سندرك قريبا أن
حوار البنادق ولغة الرصاص لن توصلنا إلا إلى طريق مسدود |