من مفارقات السياسة في العراق أن (ونّة) إجرام الفريق السياسي
العشوائي بالعراقيين مازال يرعبهم وإن كان ذلك بنسب متفاوتة ومن هنا
فإن من المردود المتحفظ على ما حدث من مظالم ضد المواطنين يخشى هؤلاء
المواطنون أن تعاد ضدهم كرَّة رجوع أو إرجاع النظام الصدامي مرة أخرى
إلى دست الحكم ويعاد دفع ضريبة الدم المسفوك مرة أخرى على أيدي مجرمي
النظام.
ولهذا يمكن التقدير مع الاحتمال البعيد لإرجاع النظام الصدامي
الاستعماري إلى دست الحكم مرة أخرى تحت لافتة الواجهة القديمة إلا أن
ما لا يستبعد في عالم السياسة الرهيب أن يتجمع هؤلاء الأوغاد من أعوان
النظام السابق ويعملوا تحت اسم حزب آخر لا يعلن عن فاشيته أول الأمر ثم
يعلنها بعد ذلك وتجربة انقلابا سنة 1963م وسنة 1968م مازالت ماثلة في
الأذهان.
ومن باب أولى أن ينتبه رجال المعارضة الحقيقية في العراق إلى لعبة
استعادة أركان النظام الصدامي الاستعماري السابق إلى صف السياسة في
العراق مرة أخرى للأسباب الآنفة ويتصدوا لاي ألاعيب محتملة ممكن أن تصب
في هذا الجانب ولعل من المستحسن كثيراً لو تم تضييق المساحة على من
تبقى مطلق السراح من عصابة صدام وهم في أوكارهم وعدم إعفاء أي مجرم
منهم من العقاب القانوني السريع ونظراً لكثرة أعداد الفريق السياسي
الصدامي ومرتزقته الذين تورطوا في اقتراف تجاوزات مختلفة ضد المواطنين
العراقيين فهذا ما يتطلب لتشكيل (عدة محاكم قانونية مختصة) كي يتم
التسريع بمقاضاة هؤلاء الملطخة أيديهم بدماء الشعب العراقي.
إن نعرة تأجيل محاكمة صدام وأعوانه ممن يرزحون الآن تحت سقوف السجون
وضع لا يحتمل وما يقال عن عدم أهلية الحكومة العراقية المؤقتة لإجراء
المحاكمات المقررة إلا بعد إعلان تشكيل الحكومة العراقية الدائمة
المنتخبة في أوائل السنة القادمة 2005م هو هراء في هراء لأن في
الانتظار عدة أشهر أخرى لإجراء تلك المحاكمات فيها من التهاون الواضح
مع هؤلاء المجرمين الذين كانوا خلال فترة حكمهم الطويلة المستمرة لأكثر
من ثلاث عقود لا يتورعون من سوق الناس الأبرياء حتى من غير السياسيين
إلى ساحات الإعدام ودهاليز الشنق وينفذوا بهم حكم الموت لأسباب لا
تتعدى في نهاية الغاية منها سوى تخويف الشعب العراقي كي لا يفكر
بامتهان السياسة المعارضة للحكم الذي أراده المستعمر أن يكون ينكل
بالشعب العراقي انتقاماً من حضاريته التي كان قد عرف بها إذ من المعلوم
أن حضارية الشعب سيرافقها تسييد العدل الاجتماعي وبالتالي الوقوف ضد
المصالح الاستعمارية العلنية والخفية في بلادهم.
واليوم وبعد مرور أكثر من سنة على هزيمة النظام الصدامي من ساحة
المواجهة مع القوات الأنكلو – الأمريكية التي احتلت العراق بترتيبات لم
تبدو فيها أن تلك المواجهة كانت جادة بين جهتين متحاربتين مع ضرورة
الإقرار أن أي يحكم العراق سوف يكون أفضل من نظام الخونة الاستعماريين
الصداميين الذين كانوا يتشدقون ظلماً وزوراً بمبادئ القومية والوطنية (دون
أي حياء يذكر).
لقد كان الارتزاق السياسي لعصابة الحكم البائد هو ديدن الصداميين
الذين يكفيهم خزياً وعاراً أنهم قبلوا أن يكون رئيس عصابتهم ويمتثلوا
بشكل اعمى لكل ما يريده منهم هو شخص منحرف جنسياً وأخلاقياً والشعب
العراقي يعرف ذلك تماماً وما لوحظ من مهازل النتائج المترتبة على
استمرار الحكم الصدامي المقبور أن الحربان في إيران والكويت رغم كونهما
قد دمرتا البنية التحتية للعراق وعرضت الاقتصاد العراقي ومعيشة الناس
إلى درجات مخيفة لكن مصالح وامتيازات الفريق السياسي الصدامي المنوعة
بقيت على حالها بل وازدادت حتى أكثر مما كان يجنيه هؤلاء المجرمون قبل
الحربيين الآنفتين.
لقد أعتلى النظام الصدامي دست الحكم في ظل ظروف سياسية مرتبكة
وساعده في ذلك بعض مغفلي السياسة والمشبوهين من ممتهنيها ممن وقعوا مع
النظام المذكور وثائق سموها بـ(الجبهة الوطنية والقومية التقدمية) التي
لم تكن لها أي صلة لا بـ(الوطنية) ولا بـ(القومية) سوى انتحال الإسمين
المذكورين لغرض الاستهلاك المحلي.
والآن كيف ينبغي أن يتعامل العراق الجديد مع أركان وفريق صدام
الإجرامي؟ أليس من العدل أن يتم التعامل معهم بمبدأ المثل ويصفى كل من
ارتكب ظلماً جريمة قتل ضد مواطن عراقي أو مواطنة عراقية ودون أي تأخر
في تنفيذ الحكم وبواسطة محاكم قانونية سريعة ممكن أن تشكلها أحزاب
المعارضة العراقية الرئيسية التي دفعت بالشهداء ثمناً لتهور القيادة
الصدامية الاستعمارية وذلك كحل أولي يبدأ بالمقبوض عليهم وينتهي بالذين
سيلقي القبض عليهم ممن يسرحون الآن داخل العراق وكأن شيئاً لم يكن. |