هل ما خفي عن الفريق السياسي لنظام صدام الفاشي كان أعظم أو هو أعظم
مما حدث في العراق.
وما يبدو للمتابعين أن فصول السياسة الجارية في العراق ما هي إلا
فصول مقررة سلفاً مع تغيير بسيط على بعض الجوانب تقديم كذا على كذا أو
تأجيل كذا عن كذا. فلأجل صدام المحظوظ في عمالته للمستعمر الغربي تبدو
أن كل التحركات تسير بهذا الشأن وأسئلة عديدة تدور في الذهن حول حقيقة
ما يجري وقبل ذلك إحاطة ظروف العراق بإشكاليات تقبل أكبر من تفسير لكل
حالة، فمثلاً أن إلغاء الدولة العراقية بعيد احتلال العراق من قبل
القوات الانكلو – أمريكية قد ساعد على إبقاء صدام حياً يرزق بحجة عدم
وجود محكمة دستورية تتولى محاكمته في حين أن صدام الذي يتحمل مسؤولية
تنفيذ أمر استعماري رهيب تقبل أكثر من (4) ملايين من مواطني العراق
الأبرياء ممن أبادهم دون أي محاكمة سواء ممن زج بهم في اتون الحروب أو
في غياهب السجون كان العالم الحر الذي هو بطبيعة الحال (ليس حراً) ساكت
على تلك الجرائم المتوالية ضد شعب العراق ولمدة ناهزت أكثر من ثلاث
عقود دفع خلالها العراقيون أغلى الأثمان من أعمارهم وأعزاءهم ومستقبلهم.
وصدام الذي كان (قدوة!) أعضاء فريقه السياسي المشبوه لم يحاسبه أحد
حين انتقل من (ابن الشارع) إلى (جاسوس غربي) عادي ثم إلى رئاسة الدولة
العلمانية التي أصبح رئيساً لها بعد صنوه في الخيانة (أحمد حسن البكر)
ولعل ما يثير الاستهجان أن صدام الذي بدأ علمانياً وكافراً متطرفاً في
كفره أكثر من كفار المرتزقة الدوليين وأشرف بنفسه على تثبيت فقرة تعتبر
فيه الدين (خرافة) بإحدى مقررات فريقه السياسي في السبعينيات وحارب من
منطلق محاربة الدين بشن حربه ضد إيران الجارة لا لسبب إلا لأن الدولة
الجارة قد أعلنت عن احتضان الإسلام شريعة للدولة الجديدة هناك وهذه
الأسلمة التي خشي منها صدام ونظامه في الجارة إيران أخذ صدام يلعب
لعبته المزدوجة فرأى شعب العراق كيف أن صدام يحارب كل الإسلام (ديناً
ورجالاً) بوقت دق باب الاستهلاك المحلي قد انتقل إلى مؤد للصلاة زوراً
وكذباً فالتدين عند صدام مغشوش وكان المفروض بالجهات المعارضة لو أنها
ركزت الأوضاع الإعلامية أكثر لفضح إدعاءات صدام الأيديولوجية وتغييراته
المتعددة.
أكيد أن هناك معلومات دولية تعرّف كم من المواطنين العراقيين الذين
غيبهم صدام عن الوجود وكذلك كم من المواطنين الذين هاجروا البلاد إلى
الخارج تحت وسائل مختلفة هرباً من شرور النظام وفريقه السياسي
والإجرامي.
ومع مواكبات الرأي العام للبحث عن الأسباب والكيفيات التي أوصلت
النكرة صدام إلى دست الحكم فإن سلسلة من الأسئلة النابضة بين جماهير
العراق ما تزال تجهل من يكون صدام وكيفية حل طلاسم شخوصه وعلى رأسهم
صدام ذاته فقد تجاوزت تلك الطلاسم كل تصور وماذا لو حددت دول غربية
معينة التفسير الاستعماري لما حدث وليس لما سيحدث!
فبريطانيا التي تدعي حكوماتها المتعاقبة منذ أكثر من عشرين سنة
بأنها لم تعد دولة استعمارية ماذا يغيرها لو أعلنت عن التاريخ الذي
انتمى فيه صدام ليلتحق ضمن طابور جواسيسها في العراق وبالذات فإن من
الموضوعية السياسية أن تعلن بريطانيا عن الصفحات المجهولة من علاقتها
مع صدام كيف كانت وكيف تطورت خصوصاً إذا ما علمنا أن قرار بريطانيا
بنشر اسرار ما تملكه من معلومات تنشره بعد مرور (20) سنة فماذا ستضرر
لو أعلنت (صدام) قد انتمى لفريق جاسوسيتها منذ السنوات الأخيرة أثناء
فترة العهد الملكي وعلى اعتبار أن ذلك لا يشكل فضيحة لبريطانيا الحالية
لو تم مجاراة ما تدعيه الآن أنها دولة لم تعد استعمارية وطبيعي فإن
المعارضة الحقة – إينما وجدت – مدعوة لتبيان علاقة صدام الجاسوسية
لصالح سياسات بريطانيا فمقولة أن (صدام جاسوس بريطاني) قد رُدد على
ألسن العراقيين والعديد من الإخوة العرب المتابعين لشخصية صدام.
أما عن كون (صدام) جاسوس أمريكي ومثل هذا القول قد ردده أكثر من شخص
من على أثير إذاعة بريطانية B.B.C ضمن سلسلة برنامج (نقطة حوار) وغيره
فهو الأمر الثاني الذي ينبغي تسليط الضوء عليه وبعض الآراء ما تزال
تعتقد أن صدام قد غير اصطفافه الجاسوسي من جاسوس بريطاني إلى جاسوس
أمريكي وبعض المتابعين يستشهدون بما نشره (خالد جمال عبد الناصر) في
مذكراته وكيف أنه حين كان يوماً زائراً لمكتب ابيه في قصر القبة
بالقاهرة قد نبهه (سكرتير البابا جمال) أن ينتظر فروغ أبيه من لقاء
يجري داخل مكتبه وحين انتهى الاجتماع ظهر أنه ضم ثلاث أشخاص هم على
التوالي الرئيس المصري جمال عبد الناصر ورئيس المخابرات الأمريكية
آنذاك جورج بوش (الأب) الذي أصبح فيما بعد رئيساً للولايات المتحدة ثم
الشخص الثالث الذي سأل خالد عمن يكون فقيل له أنه (صدام التكريتي) الذي
يهيؤوه ليصبح رئيساً على العراق. واليوم فإن سياسة العولمة التي تدعي
أمريكا أنها ليست هي سياسة استعمارية فماذا سيضيرها لو كشفت هي الأخرى
عن حقيقة علاقتها السابقة بـ(صدام) وفريقه السياسي وفكت طلاسم ما كان
ولو من باب إثبات حسن النوايا (مبدأ العولمة). |