بدأت الآراء التي تدور بين أفراد المجتمع العراقي تتشعب حول أهمية
أو لا أهمية دعوة حكومة (الياور – علاوي) المؤقتة لإجراء المصالحة
الوطنية ذات القصد الصريح بأنها ستكون مصالحة مع الفريق السياسي
المشبوه من أتباع النظام الصدامي الإرهابي، وهذه هي المرة الأولى التي
تدعو فيها حكومة لأعداء شعبها استراتيجياً أن يتم الصلح معهم مع
المعرفة التامة أن هؤلاء هم من عتاة الجريمة الاستعمارية بالعراق!
فماذا حدث؟!
إن خطاب الحكومة العراقية المؤقتة الحالية التي يترأس جمهوريتها (غازي
عجيل الياور) ويساعده في إدارة مسؤولية رئيس الوزراء فيها (إياد علاوي)
يثير لوعة شديدة في نفوس العراقيين وبالذات أولئك الذين فقدوا شهداء
لهم على أيدي مجرمي نظام صدام المهزوم وحين يفتش العراقيون بين صفحات
الذاكرة لديهم عمن يكونوا هؤلاء الذين تدعوا الحكومة المؤقتة لإجراء
المصالحة معهم فإن اليقين يتجه نحو سر ما يراد به إطلاء الحقيقة
والتعتيم على غاية خطة (المصالحة الوطنية) التي إذا ما أخذت مداها
التطبيقي فعلاً فهذا سيعني قبل كل شيء أما خوف الحكومة من هؤلاء
الأعداء المرتزقة من فلول نظام صدام وأما أن تكون الأيدي الغربية
المتمثلة بنفوذ حكومتي لندن وواشنطن على الحكومة العراقية المؤقتة وأخذ
ذلك النفوذ يتدخل في الشأن العراقي بما ليس فيه سوى إبقاء التهديد
الماثل بحياة العراقيين وكأن تغييراً لم يتم إذا ما عرفنا أن بين كل من
هؤلاء الذين دعوا إلى المصالحة من مرتزقة الاستعمار أعضاء النظام
الصدامي وما يبقون يهددون كل العراقيين في طمأنتهم وراحتهم وحقوقهم
وحياتهم ومستقبلهم.
وحيث أن العراقيين لا يريدون (وبإلحاح) أن يكونوا ضحية جديدة لنظام
(الياور – علاوي) القائم الآن في العراق تحت واجهة الحكومة العراقية
المؤقتة إذا ما أقدم على إجراء تلك المصالحة مع القتلة من الفريق
السياسي الصدامي المنحل حيث سيبقى هؤلاء ينظر لهم العراقيون على طريقة
مثلهم الشعبي القائل (جاك الواوي.. جاك الذيب)! وفعلاً فإن استعادة
هؤلاء المجرمين لأي موقع في الدولة العراقية المؤقتة فسيعني ذلك ضمن
خطوة لاحقة أن قرار (العفو العام) الذي نوهت عنه الحكومة المؤقتة مؤخراً
سيشمل حتماً كل مجرمي النظام السابق وعندها فسيعني ذلك أن الحكومة
العراقية الراهنة لم ترتفع لمستوى الأحداث المطلوبة في العراق وإنما
ستكون بمثابة (باب رحمة) تنقذ كل من أجرم بحق العراقيين الذين يناهز
عددهم أكثر من (4) ملايين شهيد وشهيدة كانوا من ضحايا النظام الفاشي
الاستعماري الذي قادته كتلة البكر – الصدام منذ انقلابهم المشبوه سنة
1968م وحتى سنة 2003م التي قبر فيه النظام.
إن أولاد العم في السياسة العراقية الراهنة سيكون ذا معنى جديد
وممكن تسميته هكذا لمجرد أن بدأ شق (المصالحة الوطنية) يأخذ مداه
التطبيقي على الأرض إذ من المتفق عليه في العراق والتسمية العراقيين أن
تلك المصالحة التي هي (لا وطنية) تحت أي ظرف تتم ستعني دعوة ضمنية كي
تنتحر القوى السياسية العراقية المخلصة والذي سوف لم ينتحر من أعضاؤها
سيقتل أو يغتال بطريقة فنية وهذا هو تقدير نبض الشارع العراقي حيث أن
هذه المصالحة ستكون بمثابة نسخة (نصف الأصل) من الاتفاق الذي تم في عهد
(البكر – صدام) الذي سموه بـ(الجبهة الوطنية والقومية التقدمية) حيث
كان ذاك أكبر فخ قد نصب لكل من سولت لقيادته الفاشلة التوقيع على ميثاق
تلك الجبهة اللاوطنية واللاقومية.
ولعل هذا ما ينبغي أن يتم التذكير به للحكومة العراقية المؤقتة أن
لا تكون خاضعة لأي تأثير يفرض عليها الدعوة للمصالحة الوطنية أو الدعوة
لإصدار عفو عام فصفة الجبن الثابتة لعناصر النظام السابق كافية للقضاء
عليهم قانونياً وتطهير أرض العراق المقدس من براثن شرورهم إذ علمتنا
تجارب التاريخ أن المجرمين الذين يتم إعفاءهم من عقوبة الموت المستحق
لها لا يأخذون ذلك (العفو) إلا بمعنى أن المقابل هو ضعيف أمام مكائدهم
لذلك فإنهم يتجمعون مرة واحدة ويزيلوا من أعفى عنهم عن أي امتياز له
وربما يقتلوه وبالذات في عالم السياسة النتن فقد لاحظ الرأي العام
العراقي كيف أن (عبد الرزاق النايف) الذي قاد انقلاب 1968م باعتباره
صاحب الدور الرئيسي فيه وقبل أن ينصب (البكر) رئيساً للجمهورية وارتضى
النايف أن يكون شاغلاً لمنصب (رئيس الوزراء) قد نكث به البكر وسفره إلى
الخارج ثم أمر مع صدام واغتالوه في لندن.
إن عناصر الفريق السياسي الصدامي جهة غير قابلة لمنحها الثقة بأي
صورة من الصور والعراق سيبقى بحاجة إلى أبنائه المخلصين الذين لن
يستطيعوا العمل في ظل ظروف توضع بينهم عقارب وأفاعي مرتزقة النظام
الصدامي الإجرامي. |