رغم أن معادة السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين قد وضعت حداً
أدبياً للالتزام بمبادئ وقف المعركة التاريخية بين الطرفين واعتماد
مبدأ الحوار لحل المشاكل العالقة بينهما وكذلك فرغم أن تلك المعاهدة لم
تأخذ مداها السلمي حتى الآن بسبب العراقيل التي وضعتها حكومات إسرائيل
السابقة وتضعها اليوم حكومة شارون الراهنة إلا أن ما يبدو فيما يتعلق
ببلاد الرافدين أن الحكومة الأخيرة لشارون تمهد لنقل حرب العرب
العسكرية السابقة مع إسرائيل إلى حرب ثقافية جديدة ولكن هذه المرة مع
العراق لوحده.
وبحسب ما نقلته صحيفة (الاتجاه الآخر) في عددها الصادر يوم 26
حزيران 2004م واستناداً لما كشفه ضابط في المخابرات العراقية السابقة
بأن متابعات قضية تتم بما يحتسب من التراث في العراق لسرقته إذ أفاد: (أن
مجموع متخصصة من جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) قدمت إلى
العراق مباشرة بعد سقوط نظام الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين وعلى
وجه التحديد (في منتصف نيسان) من العام الماضي واستولت بالتعاون مع
ضباط من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي أيه) على المكتبة
اليهودية القديمة في مقر المخابرات والتي تضم تحفاً نادرة لا تقدر بثمن
من كتب التوراة والتلمود والقبالة والزوهار المكتوبة على لفائق البردي
وجلد الغزال التي يعود تاريخها إلى أكثر من 2500 سنة.
وأضاف الضابط أن الوثائق كانت محفوظة في سرداب تحت مقر جهاز
المخابرات.. إلا.. أن.. المحفوظات.. نقلت جواً إلى مطار بن جوريون
الإسرائيلي ويأتي الكشف عن هذه المعلومات فيما أعلنت إسرائيل أن واشنطن
سلمتها 800 صفحة منسوخة من الوثائق عن يهود العراق الذين هاجروا إلى
إسرائيل أو الباقين في العراق الآن ووفقاً للناطقة باسم الوزير
الإسرائيلي المكلف بملف العلاقات مع الشتات (ناتان تشادانسكي) فإن هذه
الوثائق تضم حصراً بأملاك اليهود... الذين تطالب إسرائيل بدفع
التعويضات لهم مقابل الأموال التي تركوها خلفهم...
وذكرت تشادانسكي أن الوثائق التي تسلمناها مهمة حيث أنها تساهم في
تقييم الأملاك ودراسة تاريخ الطائفة مشيرة إلى أنه لم يكن هناك سوى
(32) يهودياً في العراق عشية الحرب في آذار 2003م)
ويتضح من هذا الخبر عن جهاز الموساد الإسرائيلي الذي استولى على
المكتبة اليهودية في العراق أن ساسة الصهيونية في تل أبيب يتابعون كل
صغيرة وكبيرة تخص اليهود في العالم حتى لرموز من تراثهم في بلدان
أكرمهم بها شعبها إذ من المعلوم أن القائد البابلي (نبوخذ نصر) الذي
جاء باليهود الأسرى من الذين لم يحاربوا ضد جيشه بعد تحريره لبلاد
الشام التي كانت تضم فلسطين آنذاك قد أكرمهم كـ(طائفة يهودية) ذات دين
سماوي افترض أن لا ينال التصديق لدى نبوخذ نصر أنه دين سماوي بعد أن
كان دافع تحريره لبلاد الشام من هؤلاء اليهود لما قاموا به من مظالم
وقتل ضد أهالي بلاد الشام ومنها فلسطين القديمة إلا أن الدافع الإنساني
والحضاري الذي أمتاز به القائد العراقي نبوخذ نصر هو الذي رسخه كي
تعامل تلك الطائفة بإكرام.
وحيث عاش أفراد الطائفة اليهودية التي أصبح يطلق عليها بالتعبير
الرسمي العراقي منذ تأسيس المملكة العراقية سنة 1921م فقد بان أن تلك
الطائفة قد تعاونت مع المستعمرين البريطانيين قبل وبعد احتلالهم للعراق
مع أن ظروف اليهود حتى إبان العهد العثماني كانت أفضل على وجه العموم
قياساً لما كانت تتعرض له شرائح من المجتمع العراقي كالمسلمين الشيعة
الذين اضطهدهم العثمانيون بأكثر سنين حكم احتلالهم للعراق.
إن العراق أحق في الإبقاء على تراث الطائفة اليهودية، التي سكنت
العراق لأنها تبين كم أن العراقيين قد تعاملوا معها بـ(إنسانية) وكيف
خرج أغلب اليهود في العراق مؤيدين بالسر أولاً ثم بالعلن ثانياً الذي
وعد بتأسيس دولة يهودية في فلسطين بعيد انتهاء الحرب العالمية الأولى
مع أن الحكمة كانت تقضي النظر لتحقيق المساواة الكاملة لسكان فلسطين
الحقيقيين من عرب مسلمين وعرب مسيحيين وعرب يهود لا أن تؤسس دولة
لليهود مرة أخرى وباحتلال لكل فلسطين لتعيد كرة الاعتداءات على شعب
فلسطين والشعوب العربية الأخرى تلك الكرة التي سبق وقام بها اليهود في
العهد البابلي حين احتلوا بلاد الشام بأكملها دون وجود وجه حق بذلك. إن
الإبقاء على تراث الطائفة اليهودية السابقة داخل العراق فيه برهان على
إنسانية العراقيين ولا يجوز لحكام إسرائيل أن يصادروها بطريق القرصنة
كما فعلت الأيادي الخفية لسرقة آثار العراق.
ولعل في حقيقة كون التراث العراقي سواء كان يتعلق بمواطني العراق
الأصليين كالمسلمين والمسيحيين والصابئة والزيدية لأنهم بقوا مخلصين
للعراق أو يتعلق بالطائفة اليهودية – الصهيونية التي تنكرت لنعمائها
وإكرامها بالعراق واصطفت مع المستعمرين الإنكليز الذين احتلوه نكاية
لشعبه الحضاري فإنه تراث يخص العراق وما كان في تاريخه. |